روسيا تضيق الخناق على واتساب — تروّج لتطبيق متكامل جديد مع تصاعد انقطاعات الإنترنت

تضييق الاتصالات الرقمية في روسيا

مارينا، كاتبة نصوص حرة في الخامسة والأربعين من عمرها، كانت تعتمد منذ سنوات على تطبيق واتساب في عملها وحياتها الشخصية. لكن في يوم من أيام الشهر الماضي تغيّر كل شيء فجأة حين فشلت مكالمة إلى زميل لها، ثم لم تنجح المحاولة عبر تيليغرام أيضاً. كانت من بين ملايين الروس الذين واجهوا قيوداً جديدة فرضتها في منتصف أغسطس الهيئة الروسية لتنظيم الاتصالات والإعلام، رُوسكومنادزور، على المكالمات عبر هذين التطبيقين الأكثر شيوعاً في البلاد.

تزامن ذلك مع إطلاق تطبيق «ماكس» الوطني الذي طوّرته شركة روسية تخضع لسيطرة قريبة من الكرملين، ويُروّج له كمنصة شاملة تُثبت مسبقاً على الأجهزة المباعة في روسيا منذ بداية سبتمبر. يُقدَّر عدد مستخدمي واتساب وتيليغرام الشهريين بنحو 97 و90 مليوناً على التوالي في دولة يقطنها نحو 143 مليون نسمة، ما يجعل هذين التطبيقين شريان الحياة للمجتمعات المحلية من محادثات أولياء الأمور إلى مجموعات المستأجرين.

في مناطق بعيدة من الشرق الأقصى، حيث الاتصال المتنقل بطيء أو متقطع، يتحول واتساب إلى وسيلة لإدارة شؤون يومية: حجز سيارات الأجرة، شراء مواد، تنسيق أمور الحي، وتبادل الأخبار. ويقدّم التطبيقان تشفيراً من الطرف إلى الطرف، ما يعني أن لا طرف ثالث — ولا حتى الشركات المالكة — يستطيع الاطّلاع على محتوى الرسائل أو الاستماع إلى المكالمات. لكن السلطات تقول إن التطبيقات رفضت تخزين بيانات المستخدمين الروس داخل البلاد كما تقتضي القوانين، وتحمّلها مسؤولية استغلال المحتالين للمنصات، رغم أن أرقام المصرف المركزي تظهر أن معظم عمليات الاحتيال تحدث عبر الشبكات المحمولة التقليدية.

خبراء الاتصالات وكثير من الروس يرون في الحملة محاولة من الحكومة لمراقبة من يتواصل الناس معه وماذا يقولون. «السلطات لا تريد لنا، نحن الناس العاديون، أن نحافظ على علاقات أو صداقات أو دعم متبادل. يريدون أن يجلس كل واحد في ركنه»، تقول مارينا من مدينة تولا، بينما طلبت تغيير اسمها خشية تعرضها للمساءلة عند التحدّث إلى وسائل إعلام أجنبية.

يقرأ  موظفو الأرض في رايان إير يضربون عن العمل في إسبانيا مع وصول موسم العطلات إلى ذروته

«ماكس» كتطبيق دولة معتمد يُروّج له نجوم البوب والمدوّنون، ويهدف إلى أن يصبح سوبر-أب يضم خدمات حكومية ومصرفية وغيرها، على غرار نموذج «وي تشات» الصيني الذي جعل الحياة اليومية مرتبطة بمنصة مركزية كانت أيضاً أداة رقابة ومراقبة. سياسة الخصوصية في «ماكس» تسمح بتمرير بيانات لجهات ثالثة وهيئات حكومية، ما يفتح الباب أمام أجهزة الأمن للاطّلاع أو يجعل البيانات عرضة للتسريبات. وفي بلد تُحاسب فيه الناس على تعليقات نقدية أو رسائل خاصة، وتنتشر سوق سوداء لبيانات شخصية تغذي موجة من مكالمات الاحتيال، فإن هذا يثير قلقاً حقيقياً.

القدرات الحكومية على المراقبة واسعة بالفعل: قانونياً لا يمكنك شراء شريحة اتصال إلا بإظهار هوية وطنية، وخدمات الأمن لديها صلاحية الوصول إلى بنى الاتصالات لدى مزوّدي الخدمات، ما يمكنها من تتبّع من تتصل بهم ومكان تواجدك. ومن هذا الشهر أصبح من غير القانوني مشاركة شريحتك مع أحد سوى قريب مُقرّب. أما «ماكس» فقد يمنح السلطات احتمالاً لقراءة رسائلك أيضاً، والتملّص من تثبيت التطبيق صار أمراً مالياً وتقنياً أصعب.

مدارس مُلزَمة بنقل محادثات أولياء الأمور إلى التطبيق، وفي بعض المناطق يُستخدم كمنظومة إنذار للطوارئ أو ربط بخدمات الطوارئ المحلية. ومع ذلك ما زال «ماكس» متخلفاً عن منافسيه — المعلن هذا الأسبوع عن 30 مليون مستخدم — لكنه يظل أداة مركزية محتملة للسيطرة الرقمية.

منذ تشديد القيود الأولى عام 2012، وتزايدها بعد غزو أوكرانيا عام 2022 الذي صاحبه حجب شبكات التواصل ووسائل إعلام مستقلة، تنامت سلسلة القيود الجديدة: غرامات على البحث «عمداً» عن مواد مصنفة «متطرفة»، وحجب آلاف الموارد، وحظر إعلانات منصات مرتبطة بما تُعتبره الدولة تنظيمات متطرفة، ما قضى عملياً على سوق الإعلانات في إنستغرام للعديد من الشركات الصغيرة. كذلك حُظرت إعلانات خدمات الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN)، وما زال استعمالها قانونياً لكنه قد يُعتبر عاملاً مشدّداً في قضايا جنائية.

يقرأ  رئيس صربيا يدعو إلى «حوار ديمقراطي» مع المحتجين المعارضين للحكومةأخبار الاحتجاجات

بعيداً عن قيود التطبيقات، يعتاد الكثير من الروس الآن على حياة شبه منقوصة من الإنترنت الجوّال، بعد انقطاع متكرر للاتصال عبر مناطق ومدن بأكملها. منذ مايو شهدت كل منطقة روسية انقطاعات للإنترنت المحمول، وتصاعدت حالات الانقطاع خلال الصيف حتى وصلت إلى 77 إقليماً في ذروتها، وفق مشروع «نا سفيازي» (على اتصال). تبرّر السلطات هذه الإجراءات بحماية الناس والبنى التحتية من هجمات الطائرات المُسيّرة الأوكرانية، لكن بعض الخبراء يشكّون بأن قطع الإنترنت المحمول، الذي يعتمد عليه كثيرون بدلاً من النطاق العريض، خطوة فعّالة ضد هجمات بعيدة المدى.

السلطات المحلية، المسؤولة عن مواجهة الطائرات المسيرة، غالباً ما تفتقر لأدوات أخرى، كما يشرح خبير الاتصالات ميخائيل كليماريف: «لا أنظمة دفاع جوي، لا جيش — كل شيء على الجبهة. منطقهم: قطعنا الإنترنت ولم تظهر طائرات، إذن هذا ينجح». في مدن مثل فلادمير التي تعطّلت فيها شبكات أجزاء منها لأيام طويلة، يجد السكان صعوبات في خدمات يومية: متابعة مواعيد الحافلات أو قبول الطلبات عبر التطبيقات، وارتفعت أجور التاكسي لأن السائقين لا يستطيعون استلام طلبات عبر الإنترنت.

وسائل الإعلام الحكومية في بعض المناطق روجت لمفهوم «ديتوكس رقمي»، مصوّرة الانقطاعات كفرصة للمشي والقراءة واللقاء الوجهي، أما مسؤولو بعض المدن فكان ردّهم على شكاوى فقدان الدخل للموظفين عن بعد بأن «يذهبوا للعمل في عملية عسكرية خاصة» — تعليق اعتذر عنه لاحقاً.

تعمل الحكومة على خطة تسمح خلال الانقطاعات بالوصول إلى خدمات أساسية فقط مثل المصارف، التوصيل والتاكسي — ومن المؤكد أن «ماكس» سيُدرج ضمنها. هذه الخطوة يصفها مدافعون عن الحقوق الرقمية بأنها خطيرة، لأن فتح استثناءات منهجية قد يُوظف لاحقاً لأهداف أبعد من مكافحة الطائرات المسيرة.

لا يزال لدى بعض المترددين إضافة «ماكس» طرق للتحايل: مارينا تروي أن والدتها، معلمة، ادّعت أنها لا تملك هاتفاً ذكياً لتفادي تنزيل التطبيق، بينما يعتمد آخرون على الاتصالات عبر الشبكات التقليدية رغم تكلفتها وعدم أمانها. ثمة خيارات تقنية أخرى، مثل VPN أو تطبيقات مراسلة بديلة كانت حكراً على المتخصصين والمهتمين بالخصوصية، لكن مع تزايد رقابة الدولة على الفضاء الرقمي ستضيق السبل أمام من يسعون للهروب — وهذا بافتراض أن الانترنت لا يزال متاحاً لِيَحاولوا ذلك.

يقرأ  إير كندا تعلن إلغاءً جماعياً للرحلات مع اقتراب إضرابٍ محتمل

تغطية إضافية لياروسلافا كيريوخينا.

أضف تعليق