شهادة جيزلين ماكسويل: مرآةٌ لواقعنا الديستوبي — سياسة

وقد صدر الحكم أخيراً: اسم رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب تبرَّأ من الارتباط المخزي بالممول المدان والمتهم بالتحرِّش بالأطفال جيفري إبستين، وفق إفادات غيسلين ماكسويل، شريكته السابقة التي حُكم عليها عام 2022 بالسجن عشرين عاماً بتهم الاتجار الجنسي.

في وقت سابق هذا العام، أفادت تقارير بأن المدعي العام الأميركي السابق بام بوندي أبلغت الرئيس أن اسمه ورد في ما سُمّي «ملفات إبستين»، وهي ملفات كان ترامب نفسه قد عبّر أثناء الحملة عن رغبته في كشفها. لكن حالما تولّى السلطة أثار ترامب دهشة أنصاره بتقليله من أهمية الملف وصفه بأنه «خبر قديم»، بل وبخ بعض مؤيدي القاعدة الدعائية له الذين واصلوا المطالبة بفك السرية عن الملفات ووصمهم بأنهم «حمقى» و«سذج».

أصدرت وزارة العدل الأميركية أخيراً محاضر مقابلة جرت في يوليو بين نائب المدعي العام تود بلانش — الذي عمل سابقاً محامياً شخصياً لترامب — وماكسويل، وقد امتدحت ماكسويل فيها الرئيس مدحاً مطلقاً في ما يتعلق بأخلاقياته وسلوكه: «لم أرَ الرئيس في أي موقف غير لائق أبداً. لم يكن أبداً غير لائق مع أي أحد. وفي الأوقات التي كنت فيها معه كان رجلاً في كل الصفات». وأضافت: «ترامب كان دائماً مهذباً ولطيفاً معي… أحبه، ودائماً أحببته».

ومن السهل تفسير هذا الإطراء المتملق: ماكسويل معروفة بسجلها كسارقة للحقائق — اتُهمت للمرّة بتقديم شهادة زور وبذلت تهمتين بالزور سقطتا لاحقاً بعد إدانتها بتهم أخرى — وهي الآن تسعى علناً للحصول على عفو رئاسي من الرجل نفسه، فهل يمكن أن تكون ثقتها وثناءها مطلَقين ومستقلين عن مآربها؟ بالطبع الشك مبرر.

على أي حال، لا شك أن شهادة ماكسويل قد هدأت نفَس كثيرين من مؤيدي ترامب المستائين من تعامله مع ملف إبستين. فقد رحبت مؤثرة اليمين المتطرف لورا لومِر — التي وصفها ترامب بأنها «رائعة» و«مميزة جداً» — بنصوص المقابلة على أنها دليل أن الرئيس «كان دائماً شخصاً نبيلاً». وأبدت أملها أن «هذه المحاضر ستضع حداً للكثير من الأكاذيب البذيئة والشائعات التي بثها فاعلون خبيثون على الإنترنت»، كأن الوئام بين صفوف الحركة المبنية على الكراهية والفتن أمر مشجع يجب الاحتفاء به.

يقرأ  ١٠ لقطات حائزة على جوائز تجسد إصرار الكائنات البرية على البقاء

من جهته، أعلن ترامب أنه «لا يكترث» لإصدار وزارة العدل للملفات إلى الكونغرس، واصفاً قضية إبستين بأنها «مؤامرة ديمقراطية» ناتجة عن عجز الحزب الديمقراطي عن استيعاب نجاحه المزعوم: «لقد عشنا أعظم ستة أو سبعة أشهر في تاريخ الرئاسة، والديمقراطيون لا يعرفون ماذا يفعلون، فيستمرون في إعادة نشر تلك الأمور». لكن مثل هذه الحسابات لا تتسق مع الواقع؛ فكل ما حدث خلال الأشهر الستة أو السبعة الماضية كان بعيداً كل البعد عن عظمةٍ مفترضة — وليس لأن سلفه الديمقراطي جو بايدن قدّم بديلاً ملهمًا.

محلياً، يواجه الأميركيون غلاء معيشة آخذة في التضخم جعلت وجود كثيرين بالكاد قابلاً للاستمرار؛ وحقوقٌ أساسية كالصحّة والتعليم والغذاء والسكن غدت سلعةً ربحية بامتياز، والعنف المسلح صار رياضة وطنية بحق. وتحت إدارة ترامب ازدادت عمليات توقيف واحتجاز و«اختفاء» العمال غير الموثَّقين، والعلماء الأجانب، وحتى مواطنين أميركيين، كما شهدت عاصمة البلاد — واشنطن دي.سي — تعبئةً عسكرية بإرسال الحرس الوطني إلى مناطق يُفترض أنها «لمكافحة الجريمة» رغم أنها مناطق آمنة نسبياً.

خارجياً، شهدت الأشهر الأخيرة أيضاً ضربات جوية أميركية على إيران بأفعال تُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، واستمرت الولايات المتحدة في تمويل ودعم ما تقوم به إسرائيل في غزة من عمليات قتل جماعي وجرائم يمكن وصفها بـ«الإبادة» بحق الفلسطينيين، بمليارات الدولارات. ولم يمر وقت طويل حتى أعلنت الأمم المتحدة مجاعةً في غزة — نتيجة منطقية لسياسة الحصار والتجويع المدعومة أميركياً.

وكل ذلك يدور وسط كارثة مناخية متسارعة تغذيها سياسة إدارة تضع إنكار الأزمة المناخية في قمة أولوياتها. في هذا المشهد القاتم، فإن شهادة ماكسويل — بشهادتها التي تمنح «شهادة حسن سلوك» للرئيس — تبدو طفيفة ومضيعة للوقت: دراما سياسية تشبه مسلسلاً يقبل فيها مجرم مدان مؤخرة مجرم مدان آخر يشغل منصب الرئاسة.

يقرأ  اندلاع حريق في مكتب تسجيل الوصول بمطار مالبينسا في ميلانو

ماكسويل قدّمت تغطية حلوة على كعكة ديستوبية، لكن هذا التزكي لا يغيّر الحجم الحقيقي للأزمات التي تعصف بالبلاد والعالم. وفي ظل هذا الاحتراق الشامل، فإن «شهادة السمعة» تلك لا تعدو أن تكون انعكاساً لمكانة الولايات المتحدة الراهنة — مهما احتفل البعض بعدة أشهر «عظيمة» في عام 2025.

الآراء الواردة هنا خاصة بالمؤلف ولا تعبّر بالضرورة عن الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق