صورة واحدة اختزلت الحدث بأكمله: بينما كانت المدافع تهدر في ساحة تيانانمن، وقبل أن تسير فرق العرض الأولى بخطواتها العسكرية المنتظمة على جادة العاصمة، بدا أن لحظة مصافحة طويلة جمعَت بين شي جينبينغ وكيم جونغ أون، تلاها تحية لبوتين، ثم اعتلى الرئيس الصيني منصة المشهد محاطاً باثنين من أكثر القادة خضوعاً لعقوبات دولية.
كان عرضاً سياسياً بحتاً — مسرحية مفصّلة بعناية. وما أثار سخط الرئيس الأمريكي حينها لم يكن مجرد الأسلحة المعروضة، بل تلك الصفحة البصرية التي بدت وكأنها رسالة مُوجَّهة خصيصاً إلى واشنطن. على المنصة نفسها، أطلق ترامب تغريدة حادة على «تروث سوشيال» اتهم فيها الثلاثي بالتآمر ضد الولايات المتحدة.
قد يكون هذا ما قصده شي: إبقاء بوتين إلى يمينه وكيم إلى يساره طوال العرض، وإيصال صورةٍ مفادها أن الصين تستعيد مركزية القرار في محيطٍ آسيوي متحالفٍ على نحوٍ مفتخر بمقاومة نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة. وفيما تنقلب قراءات العالم على تداعيات رئاسة ترامب المليئة بالمفاجآت، بدا الخطاب الصيني رسالةً قوية تطمئن الشركاء وتمنح شرعية لدولٍ كانت تنازعها.
الحدث لم يقتصر على الحضور الشخصي فحسب؛ فقد ضم أكثر من عشرين رئيس دولة. وحتى العلاقة المتوترة مع رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودى، بدا أنها تشهد تهدئةً نسبية بعد ضريبة انتقائية فرضتها واشنطن على الواردات الهندية — تقاربٌ ربما أغدق على بكين زخماً دبلوماسياً.
كان يفترض أن يكون الاحتفال بإحياء ذكرى انتصار مضى عليه ثمانون عاماً على نهاية الاحتلال الياباني مسألة استذكار تاريخي، لكنه على أرض الواقع كان عن اتجاهٍ استراتيجي: الصين تتقدم نحو قمة المشهد الدولي، وشي يلعب دور قائد عالمي يسعى إلى إظهار قدراته ونفوذه. وجنوده، الذين رُصُّوا أمامه، يُبنى بعضهم ليَضاهوا القدرات الغربية.
والمشهد الرمزي كان واضحاً: للمرة الأولى ظهر شي، بوتين وكيم معاً على بوابة «سلام السماء» المطلة على الساحة التاريخية. تلك البوابة نفسها شهدت إعلان ماو تأسيس الجمهورية عام 1949، وبعد عقدٍ لاحقٍ استُضيف فيها جدّ كيم وقيادة الاتحاد السوفييتي لمشاهدة عرضٍ عسكري — وهي المرة الأخيرة التي اجتمع فيها قادة الدول الثلاث في ظل سياق الحرب الباردة حيث كان الاتحاد السوفييتي الأقوى والأثرى، فيما كانت الصين وكوريا الشمالية معزولتين نسبياً.
اليوم، تحكم الصين الخيوط. كوريا الشمالية ذات السلاح النووي لكنها فقيرة بحاجة إلى مساعدة بكين؛ وروسيا بحاجةٍ إلى شرعيةٍ يمنحها إياها Xi عبر هذا المشهد العام. على مدى مدة سابقة بدا أن شي يتحفّظ على التقارب الواضح مع بوتين وكيم، محافظاً ظاهرياً على حيادٍ حول الحرب في أوكرانيا—لم يُدِنها صراحة لكنه نفى أن تكون بكين قدمت دعماً عسكرياً لروسيا. وفي الفترة الأخيرة بدا أن موسكو وبيونغ يانغ يقتربان بوضوح، مع تقارير عن إرسال كوريين جنوداً دعماً للحرب في مقابل أموال وتكنولوجيا.
لكن الآن، اختار شي أن يقف إلى جانب جارَيه، حتى مع استمرار هجماتهما على كييف. وخاطب الحشد وهو على المنصة قائلاً: «اليوم يواجه الإنسان مجدداً خيار السلام أو الحرب، الحوار أو المواجهة، الربح المشترك أو مبدأ الصفر مجموع». وأضاف أن الصين «أمة عظيمة لا تُخضعها تهديدات أي متنمّر». وبعد خطابه جاء العرض العسكري الذي أراد أن يُؤكد هذه التصريحات: عرض للقوة، للدقة، وللوطنية.
بدأ العرض بتحية مدفعية مكرّرة ثمانين مرة إحياءً لذكرى الانتصار، ثم جوقة غنت في تناغم مُتقن شعارات عن دور الحزب الشيوعي في تأسيس الصين الحديثة، متبعةً ذلك استعراضات لوحدات المشاة والدبابات ومنظومات صواريخ أحدث بكثير من السابق: صواريخ نووية يمكن إطلاقها من البحر والبر والجو، صواريخ تفوق سرعتها الصوتية مخصصة لمهاجمة السفن، أسلحة ليزرية للدفاع ضد الطائرات المسيرة، وطائرات مسيرة غاطسة وجوية قادرة على الاستطلاع والتجسس.
لا يزال التفوّق الأمريكي قائماً في كثير من المجالات، متوّجاً بخبرات عبر عقودٍ من الاشتباكات الدولية، لكن لا ريب أن الصين تعمل على بناء قوة عسكرية تضاهيه. وكان العرض يوم الأربعاء رسالة موجهة إلى واشنطن وحلفائها، وإلى العالم بأسره — وحتى إلى بوتين وكيم، اللذين كانا يعلمان تمام العلم دلالة ما يشاهدانه.
في خطابٍ طموح قال شي إن «النهضة العظيمة للأمة الصينية لا تُقهر»، محاولة لتعزيز الشعور الوطني والفخر بين المواطنين. ومن جهةٍ أخرى، بدا أثر هذا العرض واضحاً على بعض المتفرجين: على جسر مطلٍّ على نهر تونغهوي اجتمع الناس بعيداً عن الطريق الرسمي ليشاهدوا تحليق الطائرات، وقال شاب في الثلاثينات من عمره إن العرض أثّر فيه عاطفياً: «التشبّع بهذه اللحظة هو أهم شيء؛ نؤمن أننا سنستعيد تايوان بحلول 2035».
تلك الخطاب يثير قلق كثيرين في تايوان، الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءاً مفصولاً يوماً ما يجب توحيده بالقوة إن لزم. وأسلحة الخميس — مع تركيزٍ واضح على القدرات البحرية — ستكون مصدر قلق للقيادة التايوانية حتماً. كما أثار العرض مخاوف دول غربية، خصوصاً أوروبية، لا تزال تبحث عن سبل لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وربما لهذا السبب غاب كثيرون منهم عن الاحتفال.
من جهة أخرى، ثمّة من يرفض تفسير الغياب على أنه مقاطعة: «الخيار لهم إن أتيتم أم لا»، قال رجل في الخامسة والسبعين معبراً عن اعتقاده بأن الغرب يشعر بالحسد من تطور الصين السريع، مضيفاً أن الصين ملتزمة بمسعى الازدهار المشترك للإنسانية وتختلف في جذورها وأهدافها.
غير أن هذا العرض أتى في وقتٍ تواجه فيه الصين تحديات داخلية جمة: اقتصادٌ متباطئ، أزمة عقارية، شيخوخة سكانية، بطالة شبابية مرتفعة، وديون محلية متزايدة. وبينما تبدو الصين واثقة على خشبة المسرح الدولي، فإن على شي أن يجد سبل طمأنة طبقةٍ وسطى ناشئة بدأت تقلق بشأن مستقبلها؛ صعود الاقتصاد الصيني لم يعد أمراً مسلّماً به كما كان في السابق.
لذلك ربما كان هذا الاستعراض — مع كل الخطاب عن عدو قديم يدعى اليابان — نوعاً من تشتيت الانتباه مرحباً به داخلياً. وبعد عرض طويل لتكنولوجيا عسكرية متقدمة شمل صواريخ نووية، اختتم العرض بتحرير آلاف الحمام والبالونات في سماء بيكين، رمزاً لذكرى لم تكن فقط عن معارك الماضي، بل عن مدى ما قطعت الصين من شوط، وعن سعيها للالتحاق بالولايات المتحدة ومنافستها على مركز القيادة العالمية.