ضحايا جيفري إبستين انتقدوا الحكومة الأميركية بعد أن أفرجت عن دفعة جزئية من المستندات المتعلقة بالقضايا المرفوعة ضد المجرم الجنسي المدان، لكنها جاءت بصفحات مخطّمة وصور محجوبة بشكل مكثّف.
الاحتجاجات المتزايدة ظهرت السبت بعدما أفادت وسائل إعلام أميركية بأن نحو 16 ملفًا من الدفعة المنشورة على الإنترنت اختفت من الصفحة العامه، من بينها صورة تُظهر الرئيس دونالد ترامب.
وزارة العدل الأميركية بدأت نشر هذه المستندات يوم الجمعة امتثالًا لقانون أقرّه الكونغرس بأغلبية كبيرة في نوفمبر، والذي يطالب بالكشف عن جميع ملفات إبستين، رغم محاولات ترامب التي امتدت لأشهر للحفاظ على طيّها. وأوضحت الوزارة أنها ستواصل نشر سجلات إضافية على دفعات، مبررة التأخر بعملية وقتية مطوّلة لحجب أسماء الناجيات وغيرها من المعلومات التعريفية.
غير أن عشرات الآلاف من الصفحات المتاحة للعامة لم تضف جديدًا يذكر حول جرائم إبستين أو عن قرارات النيابة التي سمحت له بتفادي توجيه تهم فيدرالية جدّية لسنوات. كما غابت بعض المواد التي كان عليها اهتمام واسع، مثل مقابلات مكتب التحقيقات الفدرالي مع الضحايا ومذكرات داخلية للوزارة بشأن قرارات توجيه الاتهام. وثيقة من 119 صفحة بعنوان «هيئة المحلفين الكبرى-نيويورك»، من التحقيقات الفدرالية المتعلقة بالاتجار الجنسي التي أدّت إلى اتهامات 2019، ظهرت مغلّفة بالكامل بالسواد.
واستنكرت ناجية من ضحايا إبستين، مارينا لاسيردا، كميات الحجب الكبير وعدم الإفراج عن وثائق مهمة. وقالت لوسائل إعلام إنّ «كلّنا غاضبون من هذا الأمر. إنه صفعة أخرى؛ كنا نتوقّع أكثر بكثير». لاسيردا، التي تقول إن إبستين اعتدى عليها وهي في الرابعة عشرة من عمرها، كانت شاهدة أساسية في تحقيق 2019 الذي أدّى إلى توجيه تهم الاتجار الجنسي ضد المالِك الراحل. إبستين انتحر في السجن بعد توقيفه في ذلك العام.
في مقابلة منفصلة قالت لاسيردا لصحيفة نيويورك تايمز إنها شعرت بخيبة أمل، مضيفة: «الكثير من الصور غير ذات صلة». ووصفت الناجية الأخرى، جيس مايكلز، لقناة سي إن إن ساعات البحث في الملفات المنشورة عن بيانها كضحية وسجلات اتصلت فيها بخطّ إبلاغ مكتب التحقيقات الفدرالي دون أن تجد أيًا منهما، متسائلة: «هل هذا أفضل ما تستطيع الحكومة تقديمه؟ حتى قانون الكونغرس لم يضمن لنا العدالة».
مارياج تشارتوني، التي تقول إن إبستين اعتدى عليها عندما كانت في العشرين من عمرها، استنكرت غياب الشفافية: «إذا كان كل شيء مخفّفاً، أين الشفافية؟» قالت ذلك في مقابلة مع نيويورك تايمز يوم الجمعة.
وعبّر بعض النواب أيضًا عن استيائهم. النائب الجمهوري توماس ماسي، الذي ساهم في الدفع التشريعي، اتهم البيت الأبيض في منشور على وسائل التواصل بعدم الامتثال «لا روح القانون ولا نصّه الذي وقّع عليه دونالد ترامب قبل 30 يومًا فقط». ينص ذلك القانون على أن تُنشر ملفات القضية حكوميًا بحلول يوم الجمعة، مقيدة فقط بمسوغات قانونية وبحماية خصوصية الضحايا.
الملفات الستة عشر المفقودة أثارت تكهنات على الإنترنت حول ما أُزيل ولماذا لم يُخطر الجمهور، ما زاد الغموض المحيط بإبستين والشخصيات القوية المرتبطة به. نواب ديمقراطيون في لجنة الرقابة بمجلس النواب أشاروا إلى الصورة المفقودة التي تُظهر ترامب في منشور على منصة X، وكتبوا: «ما الذي يُموّه أيضًا؟ نريد الشفافية للشعب الأميركي». وقال السيناتور الديمقراطي المخضرم تشاك شومر: «إذا كانوا يزيلون هذا، تخيّلوا كم يحاولون إخفاء أكثر. قد يكون هذا واحدًا من أكبر التسترات في التاريخ الأميركي».
إلا أن إدارة ترامب نفرت أن تكون هناك نية لإخفاء مواد لحماية ترامب. النائب العام المساعد تود بلانش صرّح في مقابلة تلفزيونية مع شبكة ABC بأنه لا يوجد أي محاولة «لمنع أي شيء» لحماية الرئيس. وصدرت وزارة العدل بيانًا على منصة X في وقت متأخر من السبت قالت فيه: «سيستمر مراجعة الصور والمواد الأخرى وحجبها بما يتسق مع القانون ومن منطلق الحيطة بينما نتلقى معلومات إضافية».
من بين الشخصيات المشهورة التي ظهرت في صور أُتاحت ضمن الإفراج الأول يوم الجمعة: الرئيس السابق بيل كلينتون، ومقدم الأخبار الراحل والتر كرونكايت، والمغنون ميك جاغر ومايكل جاكسون وديانا روس، ورجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، ودوقة يورك السابقة سارة فيرغسون. كما ظهرت صور لإبستين مع الممثلين كريس تاكر وكيفين سبيسي. كثير من الصور لم تُؤرَّخ أو تَرافقها سياقات، ولا تعني هذه الظهورات اتهامًا بأي تصرّف خاطئ بحق تلك الشخصيات.
يظهر أيضًا أندرو مونتباتن-ويندسور في إحدى الصور مستلقٍ على أحضان عدة نساء؛ الدوق السابق الذي جُرد من لقبه الملكي بسبب علاقاته بإبستين نفى ارتكاب أي خطأ. اللافت غياب الإشارات الواضحة لترامب نفسه في هذا الإصدار، رغم تكرار اسمه في إفراجات سابقة تتعلق بإبستين؛ ترامب وإبستين كانا على علاقة صداقة في التسعينيات وبدايات الألفية قبل أن ينهارا قبل إدانة إبستين الأولى عام 2008. ترامب لم تُوجَّه إليه اتهامات ونفى معرفته بجرائم إبستين.
وسط هذا السخط حاولت وزارة العدل توجيه الأنظار صوب كلينتون، حيث نشر متحدثان باسم الوكالة على وسائل التواصل صورًا قالا إنها تُظهِره مع ضحايا إبستين. من جهته قال نائب رئيس موظفي كلينتون، أنخيل أورينا، في بيان إن البيت الأبيض يحاول «التستّر على نفسه» بالتركيز على الرئيس السابق، مضيفًا: «يمكنهم نشر أي عدد من الصور المشوشة التي تعود لأكثر من عشرين سنة — لكن المسألة ليست عن بيل كلينتون».