برشلونة، إسبانيا — تجمّع متطوعون من شتى أنحاء العالم في القاعة الرئيسية لإحدى أقدم نقابات العمال الإسبانية، UGT، التي كانت في الماضي مركز تسجيلٍ للمتطوعين الدوليين الذين حضروا إسبانيا ليتصدّوا للفاشية خلال الحرب الأهلية الإسبانية.
اليوم، أصبحت النقابة مركزاً لتدريب متطوعين دوليين ملتزمين بالمقاومة السلمية — مناصرون لفلسطين وناشطون وصحفيون وسياسيون — ينوون الإبحار على متن أسطول “الصمود العالمي” والمتجه الى قطاع غزة يوم الأحد.
“لسنا أبطالا. لسنا القصة. القصة هي شعب غزة”، قال المنظّم تياغو أفِيلا، الناشط المخضرم المدافع عن فلسطين والعدالة البيئية، مخاطباً الحشد في مؤتمر صحفي قبيل انطلاق السفن.
الهدف واضح: إيصال مساعدات إنسانية — وهو الحمولة الوحيدة للأسطول — وفتح ممرٍ إنساني لسكان غزة الذين يواجهون خطر المجاعة والقتل نتيجة الحصار الإسرائيلي.
في أقل من عامين من الحرب قتل الاحتلال أكثر من 63 ألف فلسطيني، وأُصيب عشرات الآلاف وفُقد آخرون.
الإبحار نحو المجهول
تلقّت المبادرة نحو 26 ألف طلب مشاركة من مختلف الدول، وتم اختيار المئات فقط ليكونوا على متن نحو مئة سفينة تشكّل الأسطول.
ستنطلق القوافل من برشلونة متجهة نحو تونس حيث ستلتحق بها سفن أخرى يوم الخميس، ثم ستعود إلى البحر المتوسط لتلتقي بمزيد من السفن القادمة من إيطاليا وموانئ أخرى لم يُكشف عنها، ومن ثم ستبحورُ في تشكيل واحد باتجاه قطاع غزة.
المنظّمون يدركون أن الزمن ضدهم بينما تُواصل إسرائيل قتل المدنيين باعتمادها ليس فقط الضربات الجوية والقوات البرية، بل أيضاً سياسات سببت مجاعة من صنع الإنسان.
منذ 2010 أحبطت أو اعترضت القوات الإسرائيلية جميع أساطيل الحرية المتجهة لغزة. في يونيو اعترضت قوات إسرائيلية بشكل غير قانوني سفينة “مادلين” في مياه دولية على بعد نحو 185 كم غرب غزة، حيث لا سلطة لإسرائيل، وجرى احتجاز أو طرد أفراد طاقمها، الذي ضم ناشطة المناخ غريتا تونبرغ.
في 2010، اقتحمت قوات كوماندوز إسرائيلية أسطول الحرية المكوّن من ست سفن حاملةً مساعدات إنسانية وأكثر من 600 راكب في مياه البحر المتوسط، ما أدّى إلى مقتل عشرة ناشطين وإصابة العشرات. ومحاولات أخرى أُحبطت في أعوام 2011 و2015 و2018 وفي محاولات متكررة عام 2025، من بينها سفينة “Conscience” التي تعرّضت لهجومين بطائرات مسيرة على بعد نحو 25 كم قبالة مالطا.
وشملت المحاولات السابقة مساراً برّياً أيضاً، إذ انطلقت مسيرة عالمية الى غزة في يونيو بهدف إيصال مساعدات عبر معبر رفح مع مصر. العديد من المتطوعين الذين شاركوا في تلك المسيرة تجمعوا في تونس لتنظيم سفن تلتحق بأسطول الصمود العالمي.
متطوعون عازمون
التجمّع في برشلونة بدا تعبيراً عن حضور دولي واسع ممثلاً بوفود من الأرجنتين والبرازيل وألمانيا وماليزيا والمكسيك وبولندا والولايات المتحدة، من بين دول أخرى.
المتطوعون، بعضهم ذوو خبرات في أساطيل سابقة، يركّزون على هدفٍ جماعي واضح: كسر حصار غزة وإيصال المساعدات إلى أهلها.
كانت دورات التدريب في برشلونة صارمة ومكثفة، صُممت لتأهيل المشاركين للتعامل مع سيناريوهات متعددة مثل الاعتراض في المياه الدولية أو الاعتقال أو السجن أو الترحيل أو الاعتداء العنيف أو الأساليب البيروقراطية لعرقلة مغادرة السفن. بيد أن الأساس الذي ارتكزت عليه كل التدريبات هو الالتزام بالمقاومة السلمية في كل حالة، وهو مبدأ أكّد المنظّمون عليه مراراً وحذّروا من أن الخروج عنه لن يكون مقبولاً.
وقع كل متطوع على مدوّنة سلوك صارمة تلتزم فيها فرق الأسطول بالمقاومة السلمية ورفض أنظمة القمع والاستغلال طوال المهمة. كما أعيد استحضار تاريخ النضال السلمي في ورش عمل استعرضت أمثلة من قيادة المهاتما غاندي لحركة الاستقلال الهندية إلى تحدّي روزا باركس للتفرقة العنصرية في الولايات المتحدة.
من بين المشاركين كانت لونا فالنتينا، ناشطة كولومبية تبلغ من العمر 24 عاماً، متزوجة من لاجئ فلسطيني وعاشت هي نفسها في المنفى بعد تعرضها للاضطهاد في كولومبيا بسبب نشاطها خلال الاحتجاجات ضد الرئيس اليميني السابق إيفان دوكي. تعيش الزوجان الآن في الأردن بعد أن واجها عنصرية أثناء محاولتهما الاستقرار في أوروبا، كما قالت لقناة الجزيرة.
وخلال المسيرة العالمية الى غزة انضمت فالنتينا إلى رفاق كولومبيين في طريقهم نحو رفح، وتذكّرت التضامن والقوة والرعاية التي وجدتها بين الناشطات الكولومبيات، بعضهن سيرافقها بالإبحار والآخرون سيدعمون المهمة من البر.
الاستعداد للانطلاق
ابتدأت في يوم الجمعة احتفالات امتدت ثلاثة أيام تكريماً للمتطوعين ومهمتهم على ممر المول دي لا فوستا في برشلونة، حيث بدأ العد التنازلي للمغادرة. كانت الأجواء دافئة ومفعمة بالدعم: دقّات الطبول في كل مكان، وأعلام فلسطينية ترفرف مئاتها، وحشد احتفال بالموسيقى والثقافة والفن تضامناً مع أهل غزة ومع طواقم الأسطول.
الجميع يأمل أن تصل السفن إلى سواحل غزة المحاصرة وتُسلّم المساعدات الإنسانية التي تمنع إسرائيل دخولها.
بالنسبة إلى أفِيلا، وهو والد مولود حديث، يمثل هذا الأسطول استمراراً لإرث: “أحب ابنتي حباً عظيماً، كما الآباء والأمهات في غزة، وبسبب هذا الحب… لا يمكننا أن نترك عالمنا على هذا النحو. علينا تغيير المجتمع الذي يسمح بوقوع إبادة جماعية”، قال ذلك للجزيرة. وأضاف: “أعتقد أن كل من لم يمت في داخله يموت قليلاً مع كل طفلٍ في غزة يموت.”
وترددت هذه المشاعر في كلمات أمٍ أسترالية لأربعة أطفال انضمت هي أيضاً للأسطول، فانهار صوتها وهي تقول: “لا ينبغي لأحد أن يعيش ويموت هكذا. كل إنسان يستحق الكرامة والحرية.”
يتحدث تياغو أفِيلا خلال تدريب لأفراد طواقم أسطول الصمود، في إشارةٍ إلى الجاهزية والتصميم على الالتزام بالنهج السلمي في مهمة محفوفة بالمخاطر. لم ترسل نصًا. ارسل النص الذي تريد ترجمته.