غزة — هبة اليزجي وزوجها محمد عاشا خلال العامين الماضيين كوابيس لا تنتهي. فقدا عشرات من أقاربهما في هجمات إسرائيلية، وانهارت بيوتهما، وتنقلا قسريًا مراتٍ عدة. الآن ينتظران، مع ابنتهما إيمان ذات العشر سنوات، مستقبلًا لا يعرفان معالمه.
عودة إلى شمال غزة
العائلة عادت إلى شمال غزة يوم السبت الماضي، بعد أيام قليلة على بدء وقف إطلاق النار، وقبل يوم واحد فقط من تهديدات إسرائيلية قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق. كانت هبة تُرتب متعلقاتها المبعثرة بجانب خيمتها عندما سمعت انفجارات بعيدة، فتساءلت إن كان الحرب عادت — ما كان يعني اضطرارهم للرجوع جنوبًا في مسيرة تكررت مرارًا خلال الصراع.
«لم نَعُد نفهم شيئًا»، قالت هبة للجزيرة بعد أيام، وهي تجرُّ كرسيًا وتجلس فوق تلة الرمل حيث نقشت خيمتهم.
مقتل العائلة
منذ اندلاع العنف الكثيف الأحد الماضي، الذي قُتل فيه على الأقل 42 شخصًا، ظل وقف إطلاق النار إلى حدّ كبير قائماً. لكن ما عاشته هبة ومحمد خلال عامين يجعل ضبابية المستقبل أمرًا مفهوما.
عندما بدأت الحرب، قرّرا البقاء في شمال غزة. وبعد أقل من شهرين، كلفهما ذلك ثمنًا باهظًا: في الثالث من ديسمبر 2023، دُمّر بيت العائلة المكون من أربعة طوابق في حيّ الشيخ رضوان بغارة، وكان البيت يأوي أيضًا عدة أقارب نازحين من مناطق أخرى. نجا من ذلك الانهيار هبة ومحمد وابنتهما إيمان وشقيق هبة الأصغر، بكسور وإصابات طفيفة، بينما قضى نحو ستين من أفراد العائلة الممتدة.
«خسرتُ أسرتي كلها: والديّ وإخوتي، وزوجي أيضاً فقد عائلته كلها»، قالت هبة والدموع في عينيها، بينما جلس محمد بجانبها بصمت وعيونه حمراء. بحسب رواية محمد، فقد 36 قريبًا بينهم والداه وستة إخوة وأزواجهم وأطفالهم. وهبة فقدت والديها وأربعة أشقاء وبنتين من بنات إخوتها في الضربة ذاتها.
محاصرون مع أخٍ ميت
ولم تنته المأساة عند ذلك الحد: نجا شقيق هبة الأصغر من الضربة لكنه قُتل بعد شهر في ظروف مروعة. تقدمت دبابات إسرائيلية قرب المنزل الذي انتقل إليه الزوجان بعد الهجوم الأول، فهربت العائلة واختبأت في قبو منزلٍ قريب. «كانت الدبابات تطلق النار على كل من يتحرك. أصيب أخي برصاصة في ظهره»، تروي هبة وهي تنهار بالبكاء.
«جررنا أخي المجروح إلى الطابق الأرضي حتى لا تراه الدبابات، وإلا كنا سنموت جميعًا. لأربعة أيام كاملة نزف أمامي. لم أستطع البكاء أو الصراخ أو التحرك. لم أتمكن من طلب المساعدة لأن الدبابات كانت تحاصرنا». وأضافت بصوت مرتعش: «ظل جسده بجانبنا أربعة أيام أخرى ونحن محاصرون. لا ماء، لا طعام، لا شيء. الخوف سيطر علينا إلى حد أننا لم نفكر سوى بالموت».
عندما انسحبت الدبابات أخيرًا دفنوا أخاها القريب ثم استأنفوا هروبهم. «بعد كل هذا، هل تعتقدون أننا ما زلنا نرغب في الحياة؟» سألت هبة، والدموع تنهمر.
القبور المهدمة
لو نظر خارجي إلى ما فقداه الزوجان لبدت الخسائر أقرب إلى خيالٍ قاتم. مع إعلان هدنة مؤقتة وإلغاء التقدم الإسرائيلي على غزة، قرر الزوجان العودة إلى المدينة فوجدوا أن لا شيء بقي كما كان.
«دُمرت كل بيوت عائلتنا، حتى المنزل الذي انتقلنا إليه مؤخرًا — بيت عائلة زوجتي — كله سوي بالأرض. سياراتنا، وصالة زفافنا، كل شيء دُمّر»، يقول محمد، الذي كانت عائلته معروفة في قطاع العقارات بغزة.
لكن الصدمة الكبرى جاءت عندما اكتشفا أن قبور أقاربهما التي دُفنت بالقرب من منزلهم قد جُرفت وتفرّقت رفاتها. «تخيل أن تقضي الليل كله تجمع رفات أحبائك بيديك»، تقول هبة مشيرة إلى رقعة رمل مستوية. «هنا دفنت عائلتي وبعض عائلة زوجي. أوقف المارة دائماً عن المشي فوقها». وارتجفت كلماتها: «أُعيد فتح جرحٍ لم يلتئم. قلبي تمزق في الحرب. لم أعد أملك أعصابًا، ولا حياة. أنا أنتزع والديّ من تحت الأنقاض؛ أمي كانت بدون رأس، وجثة ابن أخي الصغيرة كانت ممزقة».
وأضافت أن زوجها لم يتمكن بعد من انتشال بقية جثث أسرته، وأن رفاتهم لا تزال تحت الأنقاض قرب المبنى المنهار حيث تقف خيمتهم الأخيرة.
ماذا بعد؟
«لم نعد سوى أجساد بلا أرواح»، يقول محمد بهدوء، فيما تبقى الأسئلة عن المستقبل معلقة بين خوفٍ عميق وحزن لا ينضب. افكار قصيرة عن البدايات من دون عائلات، وحياة ترزح تحت وطأة ذكرى لا تُمحى. «إذا بقيت على قيد الحياة فسأغادر غزة حالما تُفتح المعابر. لا حياة هنا.»
«لا ماء، لا كهرباء، ولا خدمات، سوى الدمار في كل مكان. خراب يفوق ما يمكن للعقل تصوره. كيف نعيش؟»
«حتى هذه الهدنة التي يتحدثون عنها هشة ولا معنى لها. اسرائيل تنتهكها في كل لحظة»، قال محمد.
أومأت هبة موافقة. قالت إن أملها الوحيد الآن هو أن ينعمَ ابنتها بمسقبل أفضل، فهي آخر من تبقى من عائلتها.
«ابنتي لم تذهب إلى المدرسة منذ ثلاث سنوات. عاشت فظائع لا توصف، انتُشلت من تحت الأنقاض، وتشردت مرارًا وتكرارًا، وشاهدت عمها يموت أمام عينيها. كيف سيشفى ذهنها؟ ما مستقبلها هنا؟»
«لقد اكتفت من رؤى الرعب. كل ما أريده أن تعيش حياة أفضل.»
عندما سُئل إن كانوا يخافون من عودة الحرب ضحك محمد بمرارة.
«هذه المرة لن أتحرك. إذا عادت فسأموت هنا فعلًا. لم يعد هناك حياة أو مستقبل على أي حال. الحرب لم تنتهِ حقًا، وحتى لو انتهت، أفضّل الموت مع أسرتي.»
تجلس هبة ومحمد معًا في كثير من الأحيان، يبكيان على قدرهما، عاجزين عن فهم لماذا حدث كل هذا.
«أظل أسأل زوجي: لو كنا نحن من أشعل هذه الحرب بأيدينا، هل كنا نستحق هذا العقاب؟ ماذا فعلنا حتى نُعامَل بهذا الشكل؟»