تظن أن تعب تعبئة خزان الوقود مزعج الآن؟ تخيل بدلاً من ذلك فرنسا المحتلة في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت البنزين نادرة كالجنود الألمان الحاملين روح الدعابة. الجيش المحتل أخذ حصته أولاً، تاركاً السكان مع بطاقات تموين لا تكاد تنفع. فماذا تفعل حين تحتاج إلى إخراج سيارتك — غالباً سيتروين — إلى الطريق؟ الحل كان واضحاً وبائس: تثبيت مفاعلين كيميائيين عملاقين وبشعين على الرفارف وبدء إدخال الفحم بظفرٍ منالي.
أُطلق على هذه الوحوش اسم الغازوجين، وكانت إجابة عبقرية لكنها مروعة في آن واحد لمشكلة خانقة. لم تكن ظاهرة فرنسية فحسب؛ بحلول نهاية الحرب كانت قرابة مليون وحدة من هذه الأجهزة تعمل في أنحاء أوروبا، وكانت ألمانيا من أكبر المستخدمين. صار الغازوجين رمز الزمن الصعب، تحوّل به معبر عن أن لا مفرّ لديك من نقص الوقود، أو أنك لا تريد المخاطرة بالسوق السوداء. خطوة إلى الوراء للحفاظ على مجتمعات لا تتراجع كلياً.
كيف تحوّل سيارتك إلى شوّاية متنقّلة
الغازوجين هو أساساً شوّاية من الجحيم مُثبتة على السيارة. بدلاً من شوي شريحة لحم، تقوم عمداً بخنق نار الفحم من الأكسجين داخل مفاعل فولاذي كبير. تسخّن المفاعل حتى يبدأ الوقود نفسه بالتفكك وإطلاق دخانٍ «مؤَسَّل» قابِل للاشتعال. هذه العملية، المسماة التحويل الغازي أو التغويز (gasification)، تجبر الفحم على إطلاق مزيج من الغازات القابلة للاشتعال، أساسها أول أكسيد الكاربون (كاربون أحادي) والهيدروجين. يُنقل الغاز بعد ذلك عبر أنبوبة إلى مدخل المحرّك ليُحرق كما البنزين.
بدا ذلك بسيطاً، لكنه لم يكن كذلك. الغاز الناتج كان قذراً كما تتوقع؛ قبل أن يصل إلى أحشاء المحرّك الثمينة كان لا بد من تبريده وتمريره عبر مرشحات — غالباً محشوّة بالفلين — لتصفية الرماد والقار. وحتى عندما كان النظام يعمل، كان الأداء مقيداً لأن الهواء المستخدم يحتوي على 78% نيتروجين غير قابل للاشتعال، فكانت النتيجة وقوداً مخففاً بشكل كبير: خسر المحرّك حوالي ثلث قوته في أفضل الأحوال. هو إنجاز هندسي مثير للاهتمام لكنه معيوب، شبيه ببعض الأفكار البرّاقة والغرائبية للوقود البديل التي تظهر من حين لآخر.
القيادة كانت تجربة أسوأ مما تتصور
العيش مع سيارة تعمل بالغازوجين كان، بلطف، كابوساً منظماً. لا مجال هنا للالتفاف بالمفتاح والانطلاق؛ الطقوس اليومية تبدأ بعملية إحماء تستغرق نحو ثلاثين دقيقة تشعل خلالها الفحم وتنتظر حتى يصل الموقد إلى حرارة كافية لإنتاج غاز صالح للاستخدام. الجائزة؟ سيارة فقدت تقريباً ثلث قوتها حتى في أفضل الظروف. والمسافة المقطوعة بين كل تزويد كانت قصيرة نسبياً — حوالي ثلاثين ميلاً قبل أن تضطر إلى التوقف وإعادة التزود.
ثم الأخطار: المكوّن الرئيسي للوقود كان أول أكسيد الكاربون، غازٌ عديم اللون والرائحة وسام — نفس السبب الذي يجعلك تضع أجهزة كشف في منزلك. أي تسريب قد يودي بحياة الركاب بصمت. فضلًا عن أنك تتنقّل عملياً ومعك فرن ذو حرارة عالية مربوط بالسيارة.
ليس مفاجئاً أنه بمجرد انتهاء الحرب وعودة تدفق البنزين، جُرِدَت هذه الأجهزة من السيارات وأُرسلت إلى مكبّات الخردة دون مهرجان وداع. تبقى الذكرى اليوم حية بين جامعي التحف وفضولي التاريخ، ومنطقياً تبقى حلولاً مثل هذه قيد الاستخدام في أماكن شحيّة الوقود مثل كوريا الشمالية. تلك التحف الغريبة من تاريخ السيارات تذكّرنا بأن في أوقات الشدة، أحياناً لا يكون الطريق إلى الأمام سوى تبنّي ما يشعر وكأنه قفزة إلى الوراء.