فرنسا في أزمة سياسية جديدة — استقالة رئيس الوزراء ليكورنو بعد 26 يوماً

تواجه فرنسا فوضى سياسية متصاعدة بعد استقالة رئيس وزرائها الأخير، سيباستيان لوكرنو، بعد مرور 26 يوماً فقط على توليه المنصب.

بعد ساعات من تقديمه الاستقالة، قبل لوكرنو طلباً من الرئيس إيمانويل ماكرون للعمل على خطة من أجل “استقرار البلاد” حتى مساء الأربعاء.

هذه المفاجأة جاءت لتختتم يوماً حافلاً بالاضطراب السياسي، شهدت فيه البورصة الباريسية هبوطاً حاداً مع تزايد القلق بشأن قدرة الأحزاب السياسية على مواجهة المعضلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد.

استقالة لوكرنو الصادمة صباح الاثنين جاءت بعد يوم واحد من كشفه تشكيلة حكومته، لتجعله ثالث رئيس وزراء يغادر منصبه منذ ديسمبر الماضي.

تشكيلته الوزارية تعرّضت لانتقادات لاذعة من مختلف الأطراف في الجمعية الوطنية، التي هددت بالتصويت ضدها.

بروز اسم وزير المالية السابق برونو لو مير كمرشح لوزارة القوات المسلحة بدا على نحو خاص نقطة خلاف تعقّد الموقف بالنسبة لعدة فصائل سياسية.

بعد ظهر الاثنين أعلن لو مير سحب ترشيحه من التشكيلة في محاولة لوأد الأزمة.

بعد ذلك بقليل أعلن قصر الإليزيه أن لوكرنو مُنح مهلة إضافية مقدارها 48 ساعة لبحث إمكانية التوصل، عبر التفاوض مع الأحزاب، إلى “خطة استقرار” لفرنسا.

لوكرنو لم يُعين إلا في سبتمبر بعد سقوط حكومة فرانسوا بابرو عندما رفض النواب دعم ميزانيته.

وكان بابرو نفسه قد عُين خلفاً لمايكل بارنييه الذي أُطيح به في ديسمبر الماضي.

شهدت الساحة السياسية الوطنية حالة عدم استقرار منذ يوليو 2024، عندما دعا ماكرون لانتخابات برلمانية مبكرة سعياً لتحصيل أغلبية واضحة بعدما مني حزبه بخسارة موجعة في تصويت البرلمان الأوروبي.

لكن الانتخابات أسفرت عن برلمان معلق ومقسم إلى فصائل متعارضة أيديولوجياً وغير راغبة في التعاون.

إذا فشل لوكرنو فسيكون ماكرون، وفق مصادر مقرّبة من الرئاسة نقلتها وسائل الإعلام الفرنسية، مستعداً لـ”تحمّل المسؤولية”.

يقرأ  تحوّلات غير مسبوقة تكاد أن تكون دائمة

تتزايد المطالب الآن من عدة أحزاب بإجراء انتخابات مبكرة، ويطالب بعضهم برحيل ماكرون — بالرغم من أنه كرر أنه لن يتنحى قبل انتهاء ولايته في 2027.

القرار بشأن المسار المقبل يقع الآن على عاتق ماكرون، الذي لا بد وأن يسأل نفسه إلى متى يمكن لبروفة سياسية كهذه أن تستمر.

إذا أفلحت محاولة لوكرنو لتحقيق “الاستقرار” بحلول الأربعاء، فإن ماكرون أمام ثلاثة خيارات.

يمكنه تعيين رئيس وزراء جديد؛ أو حل الجمعية الوطنية مرة أخرى؛ أو الاستقالة هو شخصياً.

الخيار الأخير هو الأقل احتمالية، بينما الأول يبدو الخيار الطبيعي له.

لكن من الذي يستطيع أن يُكلّف الآن بتشكيل حكومة؟ لوكرنو — الولاء الأقصى لماكرون — كان يُنظر إليه كحل أخير، والآن بدا أنه قد فشل أيضاً.

يمكنه أن يكلّف مرشحاً من الحزب الاشتراكي على أساس أن اليسار يستحق فرصة لتشكيل حكومة — لكن حكومة اشتراكية لن تقوى على البقاء طويلاً هي الأخرى.

لذا تبدو المنطقية حتماً الخيار الثاني: تنظيم انتخابات تشريعية جديدة.

النتيجة المرجحة ستكون هزيمة قاسية للمركز المؤيد لماكرون، وانتصار كبير لليمين المتشدد بقيادة مارين لوبان. لكن عندما تفشل كل السبل الأخرى، لا تبقى أمام البلاد سوى عدد محدود من الخيارات.

لوكرنو، وزير سابق للقوات المسلحة، كان خامس رئيس وزراء لفرنسا في أقل من عامين.

في كلمته المقتضبة أمام فندق ماتينيون صباح الاثنين — مقر إقامة رئيس الوزراء الذي لم يسكناه إلا لأقل من شهر — وجه لوكرنو نقداً لاذعاً “لأهواء الأحزاب الحزبية”، قائلاً إنهم “يتصرفون جميعاً كما لو كان لديهم أغلبية مطلقة”.

وأضاف: “كنت مستعداً للتسوية لكن كل طرف أراد من الطرف الآخر أن يتبنّى برنامجه بالكامل”.

وذكر أن “الأمر لا يتطلب الكثير ليعمل هذا الأمر”، مضيفاً مع ذلك أن على الأحزاب أن تظهر المزيد من التواضع و”تضع بعض الأنا جانباً”.

يقرأ  تمثال ساخر في واشنطن يسلط الضوء على «رابط طويل الأمد» بين ترامب وإبستين | أخبار دونالد ترامب

الانقسامات الراسخة في المشهد السياسي الفرنسي جعلت من الصعب على أي رئيس وزراء جمع الدعم الكافي لتمرير أي قوانين.

تم تعيين ميشال بارنييه رئيساً للوزراء في سبتمبر الماضي لكنه أطيح به خلال ثلاثة أشهر في تصويت بحجب الثقة.

كما سُقطت حكومة خليفته فرانسوا بابرو بعد تسعة أشهر حين رفض البرلمان ميزانيته التقشفية التي كانت تهدف إلى خفض الإنفاق العام بمقدار 44 مليار يورو.

وصل عجز فرنسا إلى 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وبلغ الدين الوطني 114% من الناتج المحلي الإجمالي — ثالث أعلى دين عام في منطقة اليورو بعد اليونان وإيطاليا، ومكافئ تقريباً لما يزيد على 50,000 يورو لكل مواطن فرنسي.

أضف تعليق