يتحوّل ألم يارا يوسف أبو كويك، البالغة من العمر 16 عاماً، إلى لوحات تعكس مشاهد من معيشة يومية مأساوية، كآلية لمعالجة مشاعرها وصدماتها.
أطفال غزة، ضحايا الصفوف الأمامية وشهود على عنف لا يُوصَف، يحملون جروحاً عميقة — جسدية ونفسية — ستبقى آثارها طويلاً بعد نهاية الحرب التي امتدت لأكثر من عامين ووُصفت بالإبادة الجماعية. عشرات الآلاف فقدوا آباءهم وإخوتهم، وجرح آخرون بإصابات تغيّر مجرى حياتهم، فيما يعاني البعض من صدمات ناتجة عن مشاهدة وفاة أطفال آخرين. تعرضوا للتشريد مراراً، وفقدوا منازلهم وتعطّلت مسيرة تعليمهم.
مع ندرة الموارد النفسية المتاحة للتخفيف من هذا الألم، يلجأ الشباب إلى مخرجات إبداعية للتعبير عن حزنهم وألمهم. يارا توظف الرسم كمساحة لتفريغ العواطف؛ تقول إنها في بداية طريقها كانت ترسم أشياء عفوية ومفعمة بالألوان، لكن مع تصاعد الحرب شعرت بأن عليها أن تُظهر للعالم كيف نعيش نحن الفلسطينيين في قطاع غزة.
تستعمل رسوماتها لتصوير ما شهدته خلال العامين الماضيين: أطفال يتقاطرون على كفوف ماء متسخة، مجاعة ممتدة لسنوات، حياة في خيام أو على الطرقات، مشاهد أثّرت في روحها بشكل عميق. لكنها تعترف أن الرسم، وإن شكّل منفذاً للتنفيس، يستثير لديها أيضاً ذكريات متكررة ومؤلمة.
حذّر أخصائيو علم النفس من أن أكثر من ثمانين في المئة من أطفال غزة يظهرون الآن أعراض صدمة شديدة، تشمل الصداع وآلام المعدة والعظام، تساقط الشعر، البهق، وضعف المناعة. وترى يارا أن التهجير المتكرر دفعها إلى رسم ما تغير فينا جميعاً: الألم والمعاناة، والأطفال مع أهلهم نائمين على الطرق معرضين للنيران والقذائف وظروف الطقس القاسية.
حتى قبل اندلاع الحرب الأخيرة، كانت معاناة الأطفال النفسية في غزة كبيرة؛ فقد أفاد تقرير لهيئة إنسانية عام 2022 أن أربعة من كل خمسة أطفال يعيشون في حالة اكتئاب وحزن وخوف، وأكثر من نصفهم يكابد أفكاراً انتحارية.
تقدّر اليونيسف أن أكثر من 64 ألف طفل قُتلوا أو أُصيبوا في غزة منذ اندلاع الحرب عقب هجمات 7 أكتوبر 2023. حرب اسرائيل على غزة أودت بحياة عشرات الآلاف — ما يزيد على 68,858 قتيلاً وأصابت نحو 170,664 آخرين.
رغم وقف إطلاق نار بوساطة أميركية دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر، فقد لم يُوفّر هذا التهدئة للأطفال والبالغين في غزة، نتيجة الغارات المتكررة والقيود الصارمة على تدفّق الغذاء والإمدادات الطبية والمساعدات الأخرى. ووفق وزارة الصحة في غزة، قُتل أكثر من 200 شخص وأُصيب أكثر من 500 منذ سريان وقف النار نتيجة هجمات متجددة.
ومع كل ذلك، تظل يارا مصممة على صقل مهاراتها الفنية وإيصال رسالتها إلى العالم. رسالتها واضحة وموجزة: “أنا نمثل كل الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة، وباسمهم أقول: كفى. نريد أن نعيش.”