في فلوريدا الآباء يتأملون مستقبلًا مع عدد أقل من اللقاحات

تقرير عن معركة لقاحات في فلوريدا وتأثيرها على الفئات الضعيفة

كان ميسون، ابن كامي نوروود، طفلًا في غاية الحماس لفكرة الالتحاق بالمدرسة العامة في بالمِتو بولاية فلوريدا، بحسب ما تحكي والدته. المولود بمرض كلوي من الدرجة الرابعة، أمضى العامين الأخيرين بمعظم الصحة ودون زيارات للمستشفى، لكن قرار مفوض الصحة في فلوريدا بمحاولة إنهاء إلزامية التطعيمات جعل والدته تعيد التفكير في إرساله إلى بيئةٍ قد تَعرِّض مناعته المُقَهْورة للخطر. تقول كامي: «الأمر مخيف؛ إن لم يتلقَّ هؤلاء الأطفال تطعيماتهم… قد يمرض ميسون مرضًا شديدًا لو دخل أحدهم حاملةً للحصبة».

المخاوف لا تقتصر على أسرة واحدة؛ أطباء وخبراء وصُعُولٌ من الآباء يرون أن خطوة مفوض الصحة قد تفتح الباب أمام عودة عقارب العدوى إلى الأمام، بفعل انخفاض في معدلات التطعيم. كما حذّر سكوت ريفكيس، مفوّض الصحة السابق في فلوريدا، من أن تغيّر سياسات التطعيم سيؤدي إلى «جيوب تفشي» لأنماط مختلفة من الأمراض المعدية، وأن كبار السن والبالغين والأطفال الذين يعانون من أمراض مثل السرطان سيشعرون بالخوف من الخروج إلى العلن.

إذا مضت فلوريدا في خطتها، فستكون من أوائل الولايات التي تُلغِي رسميًا إلزامية التطعيم للأطفال—إجراء لم يكن ممكنًا تصوّره سابقًا في قوائم استعدادات الأهالي للعودة إلى المدارس. ومن الجدير بالذكر أن حاكم أيداهو أقرّ في أبريل قانونًا يخفف متطلبات اللقاحات. كل ذلك يحصل بينما وزير الصحة الاتحادي روبرت إف. كينيدي الابن، المعروف بتشكيكاته بشأن اللقاحات، يقود تغييرات في سياسة التطعيم على مستوى الولايات المتحدة، وفي وقت تشهد فيه مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) حالةً من الإرباك والاضطراب.

«حاضنات» للعدوى

عندما أعلن جوزيف لادابو، مفوّض الصحة في فلوريدا، نيّته إلغاء الإلزامات هذا الشهر، شبّه القيود القائمة بـ«العبودية» وناقش أن للآباء الحق في الاختيار. حظي موقفه بدعم حاكم الولاية رون ديسانتيس، بينما عارضت منظمات طبية رائدة، من بينها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، هذه الخطوة. لم يُفَصِّل لادابو سوى القليل، ولم ترد مكتبه على طلب تعليق من بي بي سي، لكن وزارة الصحة في فلوريدا أخبرت وكالة أسوشييتد برس بأنها سترفع، خلال 90 يومًا، الإلزامات المدرسية للّقاحات ضد التهاب الكبد B و الجديري المائي وهاب إنفلونزا Haemophilus ولقاحات المكورات الرئوية. وأشار الخبراء إلى أن رفع الإلزامات عن لقاحات أخرى يستلزم تعديلًا في قوانين الإدارة بفلوريدا ومرورًا عبر الهيئة التشريعية.

يقرأ  نزوح أسر من مدينة غزةبعد ليلة غارات إسرائيلية على أطرافها

تعبّر آباء مثل ميغان بيتشارد، من مقاطعة ليك، عن قلقهم؛ فهي أم لطفلين مطعّمين لكنها تعرف أسرًا في بلدتهم لا تطعّم أطفالها. تقول: «إن فكرة أن تتحوّل منطقتنا إلى بيئة حاضنة لأمراض يمكن تفاديها بسهولة أمر مقلق. لماذا لا نريد حماية أنفسنا وجيراننا؟» في المقابل، شعرت دانا فرنانديز من لونغوود بالابتهاج لسياسة لادابو؛ فقد انتقلت مع عائلتها من نيويورك—التي لا تسمح بالإعفاءات الدينية للتطعيم—إلى فلوريدا حتى يتمكّن أطفالها الثلاثة غير المطعّمين من الذهاب إلى مدرسة عامة بحُكم الإعفاء.

استطلاع للرأي أجرته منظمة KFF الخيرية في مجال الصحة يظهر أن أغلبية ساحقة—نحو 80%—من الآباء على الصعيد الوطني وفي فلوريدا يفضلون اشتراط اللقاحات في المدارس العامة. وتتمتع فلوريدا عمومًا بمعدلات تطعيم مرتفعة نسبيًا، لكن الإعفاءات الدينية لتلقي اللقاحات سجلت ازديادًا في السنوات الأخيرة، بحسب ريفكيس. ومع تزايد الإعفاءات، شهدت السنوات الأخيرة تفشيات متكررة لأمراض كان يُعتقد أنها قلت، كما تقول ميغان مارتن، طبيبة طوارئ الأطفال في مستشفى جونز هوبكنز للأطفال في فلوريدا. السعال الديكي، على سبيل المثال، بات حدثًا شهريًا أكثر مما كان عليه سابقًا؛ ففي 2024 سجّلت الولاية أكثر من 700 حالة مقارنةً بـ85 حالة في 2023. كما ظهرت حالات حصبة متعددة خلال العام الماضي في الولايات المتحدة، في أسوأ تفشٍ منذ عقود، أسفر عن ثلاث وفيات بينها طفلان في تكساس.

تثير هذه الأرقام خشية الأطباء من أن تساهم السياسة المقترحة في خفض معدلات التطعيم أكثر، ما قد يؤدي إلى أمراض أشد وانزلاقًا نحو اكتظاظ المستشفيات. وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن، قال لادابو إن وزارته لم تُجْرِ تحليلاً لمدى تأثير هذه التغييرات على تفشّي الأمراض القابلة للوقاية باللقاحات، وأضاف: «هل يجب أن أحلل ما إذا كان من المناسب أن يقرّر الآباء ما يدخل إلى أجساد أطفالهم؟ لا أحتاج إلى تحليل لذلك».

يقرأ  فرانسوا بايرو يدعو إلى تصويت على الثقة احتجاجاً على خطط التقشّف في الموازنة

تأثير حركة «اجعل أمريكا صحية من جديد» (MAHA) في فلوريدا

تتزامن جهود فلوريدا مع حملات وزير الصحة الفدرالي، الذي يُعدّ القائد الفعلي لما يُسمى بحركة «اجعل أمريكا صحية من جديد» (MAHA)، والمعروف بمخاوفه غير المستندة إلى براهين عن علاقة مفترضة بين اللقاحات والتوحّد. منذ توليه منصبه بوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، أجرى تغييرات واسعة، أقال من خلالها مئات المسؤولين الصحيين وحلّ لجنة استشارية مستقلة حول اللقاحات ثم استبدل أعضائها ببعض المشككين في اللقاحات، وقيّد توصيات جرعات معززة لكوفيد-19. وأثار الأسبوع الماضي جدلًا واسعًا عندما أقصى رئيسة مراكز السيطرة على الأمراض سوزان موناريز، التي قالت إن سبب إقالتها كان رفضُها الموافقة الآلية على توصيات من لجنة اللقاحات الجديدة.

التغييرات أحدثت ارتباكًا بين الآباء والمرضى والأطباء الذين يحاولون اتباع الإرشادات، كما يقول ديميتري داسكالاكيس، المدير السابق للمركز الوطني للتمنيع والأمراض التنفسية لدى CDC، والذي استقال احتجاجًا على إقالة موناريز. وأضاف أن الارتباك يدفع الناس عادةً إلى «عدم القيام بشيء»، أي الامتناع عن الحصول على اللقاحات، وهو ما سيعني—بحسبه—زيادة في الإصابات والدخول إلى المستشفيات والإعاقة والوفيات.

يرى ريفكيس أن الخطاب المعادي للتطعيم من واشنطن فتح بابًا أمام لادابو ليُقدِم على تحركاته. أما أنصار التغيير في فلوريدا، مثل فرنانديز، فيرحبون بهذه المواقف ويقولون إنهم يشعرون بالسرور بشأنها. وفي المقابل، تحذر رنا عليصّة، رئيسة فرع فلوريدا للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، من أن دعم وزير الصحة للعلماء والخبراء كان سيمنع فلوريدا من محاولة تعديل قوانين اللقاحات. وتختتم: «العالم يراقب. هذا أمر خطير… وسيتسبب في خسارة أرواح».

أضف تعليق