قانون روسي يقيد كتب «العملاء الأجانب» ويعكس تشدُّداً في قبضة الرقابة

بوريس أكونين واحد من أشهر كُتّاب روسيا المعاصرين. شخصية إراست فاندورين، بطل سلسلة رواياته البوليسية التاريخية، تحولت إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، لكنه صار أيضاً خصماً للدولة بعدما وُصم العام الماضي بصفة «عميل أجنبي» من قبل السلطات الروسية.

اسمه الحقيقي غريغوري تشخارتشفيلي، وقد اتسم موقفه بالوضوح والصراحة في معارضته لغزو الرئيس بوتن لأوكرانيا. قال لأقنية إعلامية من لندن إن وسمه «عميل أجنبي» ليس إلا أقل همومه، «فقد أصدر بحقي محكمة عسكرية حكماً بالسجن 14 سنة بتهمة تبرير الإرهاب» — أي تبريره لحق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها — وأُدرج اسمه في قوائم المطلوبين دولياً، وهو يرى أن ذلك أضعافٌ من مجرد علامة على غلاف كتاب.

قبل الأول من سبتمبر، كانت المكتبات وتجار التجزئة في أماكن متعددة داخل البلاد قد بدأوا بالفعل في سحب كتب أكونين وغيرهم من المؤلفين المدرجين في القوائم السوداء عن الرفوف. ورغم أن بيع كتب «العملاء الأجانب» لا يُعد جريمة صراحةً، إلا أن القانون الجديد الذي وقّعه الرئيس في أبريل جعل من ممارسات التوزيع والتعامل مع مؤسسات عامة أمراً محفوفاً بالمخاطر: غرامات، ومنع من التورط في عقود مع مكتبات عامة وغيرها.

ينص التشريع على حظر ما يُسمّى «الوكلاء الأجانب» من المشاركة في نشاطات تعليمية أو حملات، كما يمنعهم من تلقي دعم محلي أو التواجد في مجالس إدارات شركات الدولة. ونتيجة لذلك، بدأت في الأشهر الأخيرة عملية «تنقية» واسعة في مخزون دور النشر ومتاجر الكتب من أعمال المؤلفين السود.

آرتيم فاوستوف، صاحب مكتبة مستقلة في سانت بطرسبرغ اسمها «الكل حرّ»، قال إن الإقبال على هذه الكتب كان بالغ الكثافة. «بحلول الأول من سبتمبر، نفدت تقريباً كل كتب المدرجين كـ ’عملاء أجانب‘. لم نضطر حتى لعمل خصومات. وفي 31 أغسطس بقينا مفتوحين لساعتين إضافيتين حتى منتصف الليل لأن الزبائن ما زالوا يأتون. الآن نعيد الباقي إلى الناشرين.» وأضاف أن ما لم يُبع من المخزون سيُتلف على الأرجح إذا تعذّر استيعابه في المستودعات.

يقرأ  انقلاب مركبة على الطريق السريع آي-١٩٥ شرق بروفيدنس يغلق حارات المرور

ليس في «عالم طبيعي»

تعد هذه الإجراءات أحدث حلقات تشدُّد رقابي يعصف بالعالم الأدبي الروسي. لقد كانت الرقابة صارمة خلال الحقبة السوفييتية؛ كثير من روائع تلك الفترة—كمثل «المعلم ومارغريتا» لميخائيل بولغاكوف، حيث يزور الشيطان موسكو الثلاثينية—تعرضت لقص أو منع تام. ومع تراجع القيود تدريجياً عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، نص دستور 1993 صراحة على حظر الرقابة، لكن في القرن الحادي والعشرين شهدنا عودة تدريجية لهذا النمط تحت حكم بوتن.

في 2013، أصدرت موسكو تشريعاً يحظر ما سمّته «دعاية المثليين» للأطفال، تعريف فضفاض في جوهره شمل في التطبيق تصوير العلاقات والهوية غير المغايرة بصورة محايدة أو إيجابية. وفي 2022 تم توسيع نطاق هذا القانون ليشمل الكبار، ثم تم تصنيف «الحركة الدولية للمثليين» على أنها تنظيم «متطرف» — رغم عدم وجود منظمة دولية محددة بهذا الوصف — وما يرتبط بها بات معرّضاً لعقوبات قد تصل للسجن.

قانون الكتب الجديد، الذي جاء كتعديل لقانون التعليم، نُفّذ بأثر رجعي، ما يعرض أشخاصاً للمساءلة عن أفعال لم تكن محرّمة وقت ارتكابها. في أبريل داهمت شرطة سانت بطرسبرغ مكتبة قديمة لتفتيش رفوفها بحثاً عن عناوين تعتبرها السلطة محتوياً على «أيديولوجيا المثلية» أو موضوعات مثل النسوية. وفي مايو اعتُقل ثلاثة موظفين من دور نشر كبرى على خلفية نشر رواية صيف الروّاد (Pioneer Summer) عام 2021، وهي قصة نضج مثلي في سياق سوفييتي، بتهم تتعلق بـ«تطرف مثلي».

فيليكس ساندالوف، رئيس تحرير سابق وأحد الناشرين في الخارج، قال إن بعد زيادة مبيعات الرواية «لفت الكتاب انتباه الدولة». وأوضح أن الاعتقالات جرت في حملة منسقة بعد تحقيق استمر عاماً وبالتتبع من المكتبات إلى ما وُصف بجهات التخطيط. الجهات المشتبه بها أُضيفت مؤخراً إلى قوائم الإرهابيين والمتطرفين وقيَدت حساباتهم البنكية.

يقرأ  إدانة مساعد رئاسي سابق في تايوان بتهمة التجسس لصالح الصين

«بالطبع، في عالم طبيعي كان يجب أن تمرّ مثل هذه الأمور عبر قضاء عادل أولاً»، قال ساندالوف، «لكننا واضح أننا لسنا في ذلك العالم».

المواضيع المحرمة

منذ الاجتياح الشامل لأوكرانيا في 2022، فرضت قوانين حالة الحرب مقاربة عقابية على كل من يطرح تساؤلات علنية عن الرواية الرسمية للأحداث، وقد تسبّب ذلك في أحكام بالسجن لمن ينتقد أو يختلف علناً. ومن بين المواضيع الأخرى التي طُبّق عليها حظر أو وصم: ما يُصنف كـ«دعاية» لنمط حياة خالٍ من الأطفال، المقارنات بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية، وما يُسمى «حركة الشيطانية الدولية».

القانون المرتقب ضد «دعاية المخدرات» سيُفعّل لاحقاً ويجرّم التقديم الإيجابي أو المحايد للمخدرات غير المشروعة. ورغم وعود المشرّعين بعدم تطبيق القواعد بأثر رجعي على الأدب الكلاسيكي المنشور قبل 1990، إلا أن بولغاكوف لو نُشر اليوم ربما كان سيواجه محظورات ثانية—«المعلم ومارغريتا» بسبب موضوعاته «الشيطانية» وقصة «المورفين» عن طبيب شاب مدمن على الأفيونات.

لجنة خبراء شكلها اتحاد الكتاب الروسي، ضمّت ممثلين عن الكنيسة الأرثوذكسية وهيئة الرقابة الإلكترونية روسكومنادزور، بدأت فحص الكتب بحثاً عن محتوى ممنوع. إلى جانب الدور الرسمي، ينبري مواطنون «قلقون» ومجموعات فاعلة كـ«المجتمع الروسي» لتقديم شكاوى ضد ما يعتبرونه مادّة «غير أخلاقية» أو «غير وطنية».

الرقابة الذاتية

بجانب الحملات الرسمية والتبليغ المجتمعي، لجأ الناشرون منذ فترة إلى آليات مساعدة، ومنها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتمحيص النصوص. قال ساندالوف إن أكبر لاعب في السوق يستخدم حالياً نظام الذكاء الصيني Qwen: ليس كاملاً في التقاط السياق لكنه قوي بما يكفي لمعالجة كميات هائلة من العناوين. وقد نشر ساندالوف خبراً عن استعمال الذكاء الاصطناعي في نشرته الإخبارية «Papercuts».

على مستوى الممارسة، تتخذ الرقابة الذاتية أشكالاً عملية: حجب أو تشطيب مقاطع تُعتبر مسيئة، وكأن النص الوثيقة التي خضعت لعملية فكّ تصنيف. النتيجة أن الفضاء الأدبي الروسي اليوم يعيش حالة من الخنق البطيء حيث يقف السوق والناشرون والمكتبات بين خيارين قساة: الامتثال أو المخاطرة بالعقوبات—ومعهما يشيع الإحجام عن المخاطرة والابتعاد عن أصوات قد تكون ضرورية للحياة الثقافية، لكنَّها باتت محفوفة بالخطر. في سيرة المخرج الإيطالي المثلي باير باولو بازوليني، طُمِسَت صفحاتٌ بأكملها.

يقرأ  فلسطينيون يفرّون من القصف الإسرائيلي على مدينة غزة إلى «المجهول» في المواصي

ومع ذلك، لم ييأس عالم الأدب؛ بل وجد سبلًا للالتفاف على الشروط الصارمة. أحد هذه الأساليب هو إخفاء الأفكار المثيرة للجدل داخل أطر الخيال العلمي أو الفانتازيا — على سبيل المثال، تصوير روسيا بديلة ذات طابع ديستوبي. وسيلة أخرى كانت طباعة الأعمال في الخارج.

نشأت كذلك صناعة نشر بديلة، غير مقيدة بقيود الوطن الأم، بين جاليات الشتات المعادية للنظام. ومن بين هذه الدور دار StraightForward التابعة لسندالوف.

«تاريخيًا، في عشرينات القرن العشرين، أسّس المهاجرون الروس أكثر من مئة دار نشر في برلين»، قال. «أغلبها لم يستمر حتى عقد من الزمن، لكن الدور التي نجت تركت أثرًا ولعبت دورًا في التاميزدات — أحد الطرق التي كانت تُرسل وتُستقبل بها الإشارات داخل وخارج الاتحاد السوفييتي. ذلك المنظور يبدو ذا صلة من جديد اليوم، بينما تتحول روسيا إلى ثقب أسود».

أما أكونين، الذي ينشر أيضًا عبر دار BAbook في الخارج، فيرى أن الواقع داخل البلاد ما يزال كئيبًا.

«الاستبداد وحرية التعبير لا يجتمعان»، قال. «كلما أصبح النظام أشد شمولًا، ازداد عدد المحظورات. الديمقراطية تقوم على مبدأ “كل ما لم يُحظَر فهو مباح”؛ والشمولية على مبدأ “كل ما لم يُباح فهو محظور”. انتقال روسيا من النقطة أ إلى النقطة ب بات شبه مكتمل.»

أضف تعليق