قصف إسرائيلي جديد يضرب شمال غزة ويقوض هشاشة الهدنة
شنت القوات الإسرائيلية غارة جوية مميتة أخرى في شمال قطاع غزة مساء الأربعاء، رغم إعلانها استئناف الهدنة الهشة التي كانت قد اهتزت بالفعل بعد موجة قصف مكثف شنّته الليلة السابقة. وأفاد مستشفى الشفاء بأن قصف بيت لاهيا أسفر عن مقتل ما لا يقل عن شخصين، فيما بررت إسرائيل الضربة بأنها استهدفت مخزناً لأسلحة تشكّل “تهديدًا فوريًا” لقواتها.
تداعيات على الهدنة
تأتي الهجمات لتزيد من حالة عدم اليقين المحيطة بالهدنة، التي اهتزت إثر أعنف حلقة من القصف الإسرائيلي ليلة الثلاثاء منذ دخولها حيز التنفيذ في 10 أكتوبر. وذكرت وزارة الصحة في غزة أن الضربات اللاحقة التي نُفذت بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شنّ “ضربات انتقامية قوية” عقب مقتل جندي إسرائيلي في رفح أدت إلى مقتل 104 أشخاص، غالبيتهم من النساء والأطفال. من جهتها، قالت إسرائيل إن استهدافاتها كانت موجهة إلى قيادات بارزة في حماس وأسفرت عن مقتل العشرات، ثم أعلنت أنها ستعاود الالتزام بالهدنة منتصف الأربعاء.
مواقف دولية وإقليمية
أصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن الهدنة “ليست في خطر” رغم تجدد القصف. وعلى صعيد الوساطة الإقليمية، أعربت قطر عن استيائها من تجدد العنف، لكنها قالت إن الوسطاء ما زالوا يتطلعون إلى المرحلة التالية من الاتفاق، والتي تتضمن نزع سلاح حماس.
“تحوّل الهدوء إلى يأس”
قال مراسل “الجزيرة” في غزة هاني محمود إن تجدد الضربات أعاد إحداث صدمة نفسية واسعة بين سكان القطاع الذين كانوا يائسين من استمرار الحرب منذ عامين وكانوا يعلقون آمالاً محدودة على وقف الأعمال القتالية. وأوضح: “أمل قصير بالهدوء تحوّل إلى يأس. للكثيرين كان المشهد تذكرة حادة بأسابيع الفتك الأولى من حيث الشدة وحجم الدمار الناجم عن القنابل الضخمة على مدينة غزة.”
متضرّرة مشردة في مخيم الشاطئ، خديجة الحسني، قالت إن الهجوم جاء حين بدأ الناس “يتنفسون مرة أخرى ويحاولون إعادة بناء حياتهم”. وأضافت: “هذه جريمة. إما هدنة أو حرب — لا يمكن أن يكونا معا. الأطفال لم يهنأوا بالنوم؛ ظنّوا أن الحرب انتهت.”
نداءات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية
وصف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إدانة قوية لعمليات القتل التي نجمت عن الضربات الجوية الإسرائيلية على المدنيين في غزة، “بما في ذلك العديد من الأطفال”. كما اعتبر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أن الأرقام المعلنة مفزعة، وحثّ كل الأطراف على عدم ترك السلام “ينزلق من بين أيدينا”، في صدى دعوات من المملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي لإعادة التزام الأطراف بالهدنة.
موقف حماس وإجراءات متبادلة
نفت حركة حماس أي صلة لمقاتليها بـ”حادثة إطلاق النار في رفح” التي أدّت إلى مقتل الجندي الإسرائيلي وأكدت تمسّكها بالهدنة. لكنها أعلنت تأجيل تسليم جثّة أسير متوفى بسبب ما اعتبرته خروقات إسرائيلية متكررة للتهدئة، مما أعاد تأجيج اتهامات إسرائيل بأن حماس تؤخر عملية التسليم. وحذرت الحركة من أن أي “تصعيد” إسرائيلي سيعيق أعمال البحث والتنقيب واستعادة الجثث.
ومن جانبها، منعت إسرائيل رسمياً ممثلي الصليب الأحمر من زيارة الأسرى الفلسطينيين بحجّة أن مثل هذه الزيارات قد تشكل تهديداً أمنياً. واعتبرت حماس أن هذا الحظر — الذي كان سارياً عملياً طوال الحرب — انتهاك لحقوق الأسرى الفلسطينيين ويضيف إلى “سلسلة انتهاكات منهجية وجنائية” تتعرّض لها هذه الفئة، بما في ذلك القتل والتعذيب وتجويعهم.
نداءات لإطلاق سراح مروان البرغوتي
دعت مجموعة “الشيوخ” من القادة السابقين يوم الأربعاء إلى الإفراج عن أحد الأسرى الفلسطينيين، مروان البرغوتي. ويظل البرغوتي محتجزاً لدى إسرائيل رغم إدراجه في قائمة الأسرى المرشحين للإفراج ضمن صفقة تهدئة. ترفض إسرائيل إطلاق سراحه؛ وهو يحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم تقول إسرائيل إنها تتعلق بمشاركته في هجمات ضد مدنيين — اتهامات ينفيها هو.
وقالت المجموعة في بيان إن “مروان البرغوتي كان منذ زمن طويل مدافعاً عن حل الدولتين بالوسائل السلمية، ويظهر دوماً كأكثر القادة الفلسطينيين شعبية في استطلاعات الرأي”، ودعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضمان الإفراج عنه. وأضافت: “ندين سوء المعاملة، بما في ذلك التعذيب، الذي يتعرض له البرغوتي وأسرى فلسطينيون آخرون، كثيرون منهم محتجزون تعسفياً. على السلطات الإسرائيلية أن تلتزم بمسؤولياتها بموجب القانون الدولي لحماية حقوق الأسرى.”