أكّدت البيت الأبيض أن قائداً بحرياً رفيع المستوى في القوات البحرية الأميركية أمر بشنّ هجوم ثانٍ على زورق يُزعم أنّه مهملات مخدِّرات فنزويلي في سبتمبر، رغم أنّ الضربة الأولى كانت قد أتلفت الزورق تقريباً إلى حدّ التعرُّض للتدمير الكامل.
ما المقصود بضربة “النبطة المزدوجة”؟
الضربة المزدوجة تعني توجيه هجومين متتاليين إلى نفس الهدف، وغالباً ما يصيب الهجوم الثاني المسعفين أو المدنيين الذين تجمعوا لإجلاء أو إسعاف المصابين من الضربة الأولى، ما يزيد من عدد القتلى والجرحى وخطر استهداف المنقذين.
هل نفّذت الولايات المتحدة ضربة مزدوجة هذه المرة؟
قامت القوات الأميركية بضرب زورق في البحر الكارييبي في الثاني من سبتمبر في إطار حملة مستمرة ضدّ شبكات تهريب المخدرات. تَطالب واشنطن بأن حملتها في البحر الكارييبي والمحيط الهادي الشرقي استهدفت عشرات القوارب، وأن العمليات أسفرت حتى الآن عن أكثر من ثمانين قتيلاً واستهداف ما لا يقل عن 21 زورقاً، من دون تقديم أدلة علنية تثبت جميع هذه الادعاءات.
الضربة الأولى في 2 سبتمبر دمّرت زورقاً وأودت بحياة تسعة أشخاص، وبقي ناجيان يتشبَّثان بأنقاض في الماء. لكن صحيفة واشنطن بوست نقلت أن قائد المهمة، الأدميرال فرانك برادلي، أذن بشنّ الضربة الثانية التي قضت على هذين الناجيين. ونقلت الصحيفة أيضاً أن برادلي أصدر الأمر بعد تلقيه توجيهاً شفوياً من وزير الدفاع بيت هيغسيث، ووصف أحد المصادر التوجيه بأنه “كان القصد منه قتل الجميع”. نفى هيغسيث إصدار مثل ذلك الأمر.
في مؤتمر صحفي يوم الإثنين، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن برادلي “تصرف داخل صلاحياته وتحت سقف القانون” عند إصداره أمر الضربة الثانية.
هل استخدمت الولايات المتحدة ضربات مزدوجة سابقاً؟
تُعتبر الولايات المتحدة من الدول التي استُخدمت فيها الضربات المزدوجة على نطاق ملحوظ في العقود الحديثة. فيما يلي موجز زمني لحوادث يزعم أو تؤكد أنها شملت ضربات مزدوجة:
2025 — اليمن
في أبريل، شنّت الولايات المتحدة ضربات جوية على ميناء رأس عيسى النفطي في اليمن. وذكر المركز الأميركي القيادي (سنتكوم) أن الهدف كان تقويض مصدر اقتصادي تُستغله قوات الحوثي لإلحاق الأذى بشعبهم، واصفاً المكان بأنه مصدر وقود لمجموعات يقول إنها تُدعم من إيران. أفادت مصادر صحية في الحُديدة بمقتل ما لا يقل عن 80 وإصابة نحو 150 آخرين، بينما قالت الحكومة التي يقودها الحوثيون إن الضربات استهدفت منشأة مدنية. منظمة حقوقية أميركية (CAIR) قالت إن الموقع تعرّض لضربة ثانية بينما كان المستجيبون الأوائل يصلون إلى الموقع — أي ما يُسمّى “ضربة مزدوجة” — على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تؤكّد رسمياً أن الهجوم كان مزدوجاً. مرصد Airwars مقرّه المملكة المتحدة سجّل الحادث أيضاً كضربة مزدوجة في قاعدة بياناته المفتوحة المصدر.
2017 — اليمن
في سبتمبر 2017 استُهدفت منطقتا السارو في مديرية السماع بمحافظة البيضاء بضربتين من طائرات مُسيّرة أميركية. المنطقة كانت تحت سيطرة الحوثيين، وكانت تقارير تُشير لتواجد تنظيم القاعدة في أجزاء ريفية. أفادت تقارير مختلفة، بينها توثيق Airwars، بأن الضربة الثانية أصابت أشخاصاً تحرّكوا لمساعدة المصابين نتيجة الضربة الأولى. أقرّ سنتكوم بحدوث ثلاث ضربات في ذلك اليوم وصنّف القتلى بأنهم “بعض” عناصر القاعدة، بينما نقلت وسائل محلية عن سقوط بين اثنين وأربعة مدنيين أيضاً.
نفس السنة — أبريل 2017
أكّد البنتاغون أن ضربة أميركية في محافظة شبوة قتلت ثمانية من عناصر القاعدة، في حين ذهبت تقارير أخرى إلى أن ثلاثة مدنيين قُتلوا أيضاً؛ وذكرت مصادر أن هؤلاء المدنيين قُتلوا في الضربة الثانية بعد أن هرعوا لمساعدة المصابين من الضربة الأولى.
2012 — باكستان
في يوليو 2012 أصابت صواريخ أميركية خيمة في قرية زوي سيدغي بولاية وزيرستان الشمالية؛ وصف سكان محليون الحادث على أنه ضربة مزدوجة: مجموعة من العمال كانوا يتناولون الطعام داخل الخيمة عندما هوت الضربة الأولى، وبعد وصول من يحاولون إسعاف الجرحى جاءت الضربة الثانية فأودت بحياة ثمانية عشر شخصاً إجمالاً. لم تُصدر الولايات المتحدة تأكيداً علنياً بأن الحادث كان ضربة مزدوجة.
2003–2004 — العراق
خلال غزو بغداد في 2003 وأثناء ما عُرف بعملية “رعد المدينة” (Operation Thunder Run)، أطلق عناصر أميركيون النار على عراقيين جرحى، مبررين ذلك باعتقادهم أن البعض كان يتظاهر بأنه ميت للتربُّص به. أبلغ مراسلون ميدانيون أن جنوداً عراقيين يبدو أنهم كانوا قد تظاهروا بالموت ثم نهضوا وأطلقوا النار من خلف المركبات الأميركية. نتيجة ذلك، أصدر ضابط أميركي أمر “بالضرب المزدوج” لقتل أيّ شخص يظهر عليه علامة الحركة قرب سلاح. وفي 2004، تسبّبت هجمات على مسجد في الفلوجة بمواجهات ووقائع إطلاق نار على جرحى سجّلها مراسلون ميدانيون، ما أثار تحقيقات عسكرية حول إدعاءات إطلاق النار على أسرى جرحى، لكنّه لم يُفضِ إلى توجيه اتهامات لعدم كفاية الأدلة.
هل ضربات “النبطة المزدوجة” جريمة حرب؟
لا تُصنّف الضربات المزدوجة بالضرورة كجريمة حرب بصيغة صريحة، لكنّ القانون الدولي يفرض قيوداً صارمة على توجيه الضربات العسكرية، خصوصاً ما يتعلّق بحماية المدنيين والمصابين والعاملين في الإغاثة. أي عملية تُعرض مسعفين أو مدنيين للخطر المتعمَّد أو التي لا تُراعي مبدأ التمييز والتناسب يمكن أن تُشكّل خرقاً للقانون الدولي الإنساني وتستدعي مساءلة قانونية وسياسية. تحظر اتفاقيات جنيف لعام 1949 استهداف المسعفين أو أي شخص يشارك في جهود الإنقاذ، وكذلك استهداف الجرحى الذين وقعوا نتيجة الضربة الأولى.
ما هو تاريخ الضربات المزدوجة؟
تعود جذور ما يُعرف بـ«الضربات المزدوجة» إلى القرن التاسع عشر، حين أطلق جنود بريطانيون النار على جثث جنود فرنسيين ساقطة أثناء معركة واترلو. واستمر هذا السلوك خلال الحرب العالمية الأولى، حيث لجأ جنود من كلا طرفَي الصراع — الحلفاء والقوى المركزية، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا — إلى طعن الجنود الساقطين بالبايونيت وأسلحة بيضاء أخرى.
خلال الحرب العالمية الثانية، اعتمدت قوات ألمانية وسوفيتية ويابانية وبريطانية وأميركية هذه التكتيك أحيانًا للتأكد من مقتل العدو الذي بدا أنه قد مات. وفي تاريخ أقرب، اتُهمت دول عديدة بتنفيذ ضربات مزدوجة في مناطق نزاع مختلفة.
وبحسب الأدلة التي جمعتها منظمة إيرورز، نفّذت إسرائيل قصفًا مزدوجًا في خان يونس بقطاع غزة في مايو من هذا العام، ما أوقع اصيابت لا تقل عن ثلاثة من عناصر الدفاع المدني الفلسطيني. عموماً، ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، سجّلت إيرورز 28 حالة تُنسب إلى تنفيذ إسرائيل لضربات مزدوجة في غزة، أودت بحياة أو سببت إصابات للمسعفين والمدنين. كانت الغالبية ضربات جوية، مع بعض الحالات التي كانت قصفًا مدفعيًا.