قمة تحالف دول الساحل وإطلاق كتيبة عسكرية مشتركة
أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر عن تأسيس كتيبة عسكرية مشتركة لمواجهة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، إحدى أفقر وأكثر مناطق أفريقيا هشاشة وتعقيداً. الإعلان تمّ في ختام قمة تحالف دول الساحل التي امتدت يومين في العاصمة المالية، باماكو، وهي القمة الثانية منذ تأسيس التحالف عام 2023.
ما الذي تقرّر؟
اتفق القادة الثلاثة على إنشاء كتيبة تقدر بقرابة خمسة آلاف عنصر من قوات البلدان الثلاثة، يتركز عملها على مكافحة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود. سمّي رئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري رئيساً للتحالف، وأعلن عن عمليات واسعة النطاق ضد المجموعات المسلحة في الأيام المقبلة.
كما أطلق القادة قناة تلفزيونية باسم “تلفزيون تحالف دول الساحل” كأداة رسمية لمواجهة التضليل الإعلامي وصياغة رواية إقليمية بديلة. وأكدت رئاسة بوركينا فاسو أن القمة ستراجع تقارير التنفيذ وتتخذ قرارات لتثبيت المكتسبات والتصدي للتحديات الكبرى التي تواجه التكتل.
وقال الجنرال عمر تشياني، زعيم الحكومة العسكرية في النيجر، إن التحالف وضع “نهاية لكل قوى الاحتلال في بلادنا”. وأضاف أن لا دولة أو جهة مصالح ستتخذ قرارات نيابةً عن بلدانهم بعد الآن.
التحول في الشراكات الأمنية: من الغرب إلى روسيا
في السنوات الأخيرة طردت القيادات العسكرية في الدول الثلاث شركاء أمنيين تقليديين مثل فرنسا والولايات المتحدة. انسحبت القوات الأمريكية من النيجر العام الماضي، بينما تقلص حضور القوات الفرنسية تدريجياً. وبعد تقليص العلاقات مع الغرب توجهت بعض هذه الأنظمة نحو روسيا كمصدر بديل للدعم الأمني: في مالي عملت عناصر من مجموعة فاغنر ثم فرع “فيلق أفريقيا” التابع للكرملين، بقوام تقريبي بلغ أولاً حوالي 1500 ثم نحو 1000 مقاتل منذ يونيو؛ كما يوجد تواجد روسي محدود في بوركينا فاسو والنيجر.
يرى بعض المحللين أن تغيير الحلفاء رسالة موجهة إلى الغرب بأن هذه الأنظمة تريد “العمل بشكل أقل” معه، وأنها لا تمانع التعاون مع روسيا، كما أنها اقتنت طائرات مسيرة من تركيا، وتشتري بعض الدول أسلحة من الصين — رسالة احتجاج ضد الضغوط الغربية. وفي المقابل يشير محلّل آخر إلى أن موسكو أقل ميلاً للتدخل في السياسات الداخلية لتلك الدول مقارنةً بالشركاء الغربيين الذين غالباً ما يشترطون الالتزام بممارسات ديمقراطية.
هل حسّن الاعتماد على القوات الروسية الوضع الأمني؟
بحسب محللين، لم يؤدّ الاعتماد على قوى روسية إلى تحسّن ملموس في الأمن العام. يقول بعض الخبراء إن الوضع تفاقم في مالي منذ وصول عناصر روسية، مع اتهامات متكررة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تخلط بين مقاتلين ومدنيين. ورغم أن المرتزقة الروس ساعدوا في استعادة مدينة كيدال وأجزاء من شمال مالي من قبضة متمردين، إلا أنهم فشلوا في كبح هجمات الجماعات المتطرفة التي تستمر تقريباً بشكل يومي وتمتد إلى مناطق جديدة في الجنوب والغرب.
من هم الفاعلون المسلحون في المنطقة؟
تتصدر جماعة جبهة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) المشهد؛ وهي ائتلاف مرتبط بتنظيم القاعدة تأسس عام 2017، متجذّر في وسط وشمال مالي، وامتد إلى أجزاء واسعة من بوركينا فاسو ويعمل الآن في غرب النيجر. كما يبرز تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (ISGS) كفرع لتنظيم الدولة في إقليم الساحل، ونشط بشكل خاص في شرق مالي وغرب النيجر وجنوب وشمال شرق بوركينا فاسو، مع هجمات واسعة النطاق على قواعد عسكرية وقُرى.
ظهرت أيضاً حركة تحرير أزواد (FLA) بقيادة الطوارق بعد اندماج مجموعات عام 2024، بما في ذلك حركة MNLA، وشنت هجمات على القوات المالية والروسية على حد سواء. تعود جذور النزاع في الإقليم إلى 2012 عندما سيطرت حركة MNLA على أجزاء من شمال مالي، لكن سيطرتها لم تدم طويلاً؛ وتبعها فراغ أمني بعد انقلاب في باماكو سمح لمسلحي أنصار الدين المرتبطين بالقاعدة بالتمدد، فاستدعى ذلك تدخل فرنسا عسكرياً في 2013، ثم اندماج عدة جماعات لتشكيل JNIM.
التحديات الرئيسية أمام الدول الثلاث
خلاصة موقف المحللين أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر تواجه تحديات أمنية هيكلية ومعقدة: تفشي الجماعات المتطرفة، توسع رقعتها الجغرافية، هشاشة المؤسسات الحكومية، تداعيات الانقلابات العسكرية، وتأثيرات التدخلات الأجنبية المتباينة. هذه العوامل مجتمعة تُصعّب مهمة أي حل عسكري أحادي الجانب وتستدعي مقاربات سياسية واجتماعية متوازنة لإعادة الاستقرار الى المنطقة.
أوضح أن ديناميكيات الصراع العام قد تتفاوت من دولة إلى أخرى.
وأضاف ليامورى أن النزاع تسبب في تحديات اقتصادية للدول الحبيسة، مشيراً إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أقامت حواجز على الطرق الرئيسية منذ سبتمبر.
تستهدف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين صهاريج الوقود، لا سيما القادمة من السنقال وساحل العاج، التي تمر عبرها غالبية واردات مالي.
هذا يبرز هشاشة اقتصاد مالي المعتمد حصراً على حركة العبور من الدول الساحلية دون بدائل، وأضاف أنها لا تزال معزولة دبلوماسياً عن الغرب وعن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).
وأشار إلى أن التوترات مع تلك الدول عمّقت عزلة دول الساحل وضاعفت الضغوط الاجتماعية عليها، مع ارتفاع أسعار السلع وصعوبة حصول السكان على الحاجيات الأساسية.
وعند سؤاله عمّا إذا كانت الكتيبة المشتركة مرجَّحة للنجاح، قال لايسينغ إن التحديات الأمنية «معقَّدة للغاية»، وإن أي جهة ستواجه صعوبة في احتواء هذا الخطر.
في نهاية المطاف، لا بد من المفاوضات والحل السياسي… القوة العسكرية وحدها قد تخفف من حدة المشكلة لكنها لن تنهي الصراع.