كأس آسيا 2025 الهند وباكستان يحوّلان الكريكيت إلى مسرحٍ عسكري

لم تشهد ذاكرة البطولات الرياضية متعددة الأطراف في الآونة الأخيرة بطولة تغمرها جدليات شبيهة بالحرب كما حدث في كأس آسيا 2025 في دبي. قد تُستشهد استبعادات مثل استبعاد روسيا عن أولمبياد 2024 أو عن كأس العالم 2022 كمقارنات، لكن مثل تلك القرارات اتُّخذت بهدوء خلف أبواب مغلقة من قبل جهات تنظيمية. كانت نسخة هذا العام من كأس آسيا قصة مختلفة تماماً: ثلاث مباريات بين الهند وباكستان تحولت إلى عروض استعراضية من التعصّب الوطني — إشارات يدوية تحاكي سقوط مقاتلات، رفض المصافحة التقليدية، احتكاكات مع الحكم، وما بدا كحرب بالوكالة بين مجلسَي الكريكت.

ترجع هذه الحدة إلى تاريخ طويل من الصراع؛ البلدان خاضا حروبًا عدة وعلاقاتهما الكروية تضررت بعمق. منذ هجمات مومباي 2008 التي نفذها مسلحون مرتبطون بباكستان، لم تلعب الفرق الثنائية سوى سلسلة واحدة استضافتها الهند عام 2012. وفي النادر الذي جمعتهم فيه المباريات، كان اللاعبون يتصرفون على أرض الملعب بدرجة من الرزانة والحيادية. تلك الحدود اختفت الآن، مع تصرف اللاعبين والسياسيين على قدمٍ واحدة. ما شهدناه هو عملية عسكرية للشعور الوطني تتحول إلى عرض متعمد يضمن استمرارية مهرجان تجاري مولّد لمليارات الدولارات؛ عرض يتحوّل إلى مسرحيه متقن يدرّ أرباحًا.

رغم توقيع غرامات على قائد الهند سوريّا كومار ياداف بسبب تصريحات اعتُبرت سياسية — إهداء الفوز لضحايا هجوم پاھلغام وللقوات المسلحة الهندية — فقد كرر ياداف، بعد انتهاء النهائي بفوز الهند، تعابير مماثلة وبحماسة أكبر. كذلك، وُجد رافح هاريس، سريع باكستان، مذنبًا بالتمثيل غير الرياضي: غُرّم بنسبة 30% من أجر المباراة بعد تقليده ما وصفه البعض بتحطم ست طائرات هندية خلال اشتباكات مايو، وإشاراته انتشرت بسرعة على وسائل التواصل.

المفارقة أن كلا اللاعبين قدم أداءً فرديًا متواضعًا في البطولة، ومع ذلك ظهر تطرّفهما القومي بقوة. ربما هذه هي آليات العصر: استعراضات وسائل التواصل وفنون التمثيل خارج الملعب تؤمن بقاء اللاعب في دائرة الاهتمام الجماهيري أكثر من الأداء الفني داخل الميدان.

يقرأ  الهند تتوقع من السعودية مراعاة «الحساسيات»بعد توقيع اتفاق مع باكستان

لم يقتصر الأمر على رفض المصافحة؛ بل رفض الفريق الهندي تسلم الكأس من محسن نقفي، رئيس المجلس الآسيوي للكريكيت ووزير فدرالي ورئيس مجلس كريكيت باكستان، فشهدنا مشهداً نادرًا — فريق فائز يحتفل فارغ اليدين بعدما سحبت الـACC الكأس من مراسم التتويج ولم تُسلَّم للفائزين. رأى رافي شاستري، اللاعب والمدرّب السابق والمحلل البارز، أن المشهد «سخيف». البطولة بأسرها لا تكاد تتجاوز كونها مهزلة قومية متناثرة، وعلى عكس ما يفترض أن تكون الرياضة، فهي لم تساهم في التهدئة أو التيسير الدبلوماسي بل زادت الانقسامات.

هذا التداخل الضبابي بين الرياضة وسياسة الصراع شوه صورة الكريكيت، اللعبة ذات الطابع النبيل. تغريدة لرئيس وزراء الهند ناريندرا مودي ألمحت إلى أن أداء بلاده كان «عملية سندور» على أرض الميدان، حيث كان الفوز النتيجة نفسها؛ وعلّقت الصحفية الساخره سهّاسيني هايدار بأن المقارنة بين صراع دموي راح ضحيته مدنيون وعسكريون وبين مباراة كريكيت هي مقارنة لا مكان لها لدى عاقل. هذه التغريدة وتحليلها تجسدان الجوّ الحربي الذي ساد طوال البطولة؛ مساواة لعبة بصراع عسكري قاتل أودى بحياة بشر وخلف ألوف الأسر في حدها الأدنى وقح ومرفوض.

وتزداد المشكلة ازدواجية في المعايير: مجلس إدارة الكريكيت في الهند تصر منذ سنوات على الامتناع عن خوض مباريات ثنائية مع باكستان بذريعة التوترات السياسية والمخاوف الأمنية، لكن عندما ترتفع الرهانات ويقف الرعاة بملايين الدولارات، فإن الهند وباكستان تلتقيان حتميًا في بطولات متعددة الأطراف، أحيانًا أكثر من مرة. حتى الجمهور الهندي الذي بدأ بمقاطعة المباراة الأولى انتهى به الأمر إلى احتفال جماهيري في النهائي. كلّ عين تلصق بالشاشة تعني أرباحًا، وكل مقطع فيروسي عن استفزاز على الملعب يحرّك التفاعل. هذا التسلّح التجاري للكريكيت يشجّع مناخًا تُكافأ فيه المناورات القومية أكثر من التميز الرياضي.

يقرأ  الأمم المتحدة ترفض مساعي الجماعة شبه العسكرية السودانية لتشكيل حكومة موازية في خضم الحرب الأهلية

ومن جانبهم، لم يكون لاعبو باكستان ومجلسهم ملائكة أيضًا. تقليد رافح لسقوط طائرات هندية مثال صارخ على التمثيل للجمهور بدلاً من احترام روح اللعبة. بدلاً من التركيز على مستواهم الكروي، لجأ البعض إلى استفزازات تافهة للبقاء في عناوين الأخبار. كل هذا يعلّم جيلًا جديدًا من اللاعبين أن استعراض الوطنية أهم، أو لا يقل أهمية، عن الانضباط الرياضي.

عندما يؤثر ما يحدث في الوطن على حالة اللاعب النفسية، لا يتضرر أداؤه فحسب، بل تتأثر سلوكياته الشخصية تجاه لاعبي الفرق المنافسة بعد المباراة. وإذا تصرفت أهمّ دولتين كرويتين بهذه الطريقة، فإن ذلك يرسي سابقة سيئة للدول الصاعدة في اللعبة. كانت هذه الكأس في جوهرها نقيض ما ينبغي أن تمثّله الرياضة: مزيد من التوتّر وتسرّب العواطف الشبيهة بالحرب إلى داخل الـ22 ياردة.

لصالح الرياضة وعشّاقها العاقلين، ربما من الأفضل أن يتجنب الفريقان مواجهة بعضهما بعضًا، ليُتاح للمشجعين الاستمتاع بالمباراة دون تطفل السياسة الدائم. الكريكيت تستحق أن تُحترم. وإن أصر القائمون على تحويل كل مباراة هندية-باكستانية إلى حرب بالوكالة من أجل الربح، فالحد الأدنى من الصدق أن يقرّوا بذلك صراحةً. كأس آسيا 2025 ستُذكر ليس بعدد الركضات أو المَسْتَرجَعات، بل بالعار الذي ألحقته باللعبة — وربما هذا هو أتعس تعليق على الإطلاق.

يمكن القول إن منع الفريقين مؤقتًا حتى يستعيدا قدراً من اللياقة الأخلاقية هو الحل الوحيد الممكن. لماذا ينبغي لسريلانكا أو بنغلادش أو أفغانستان أو حتى المشجعين المحايدين في العالم أن يتحملوا تسميم البطولات متعددة الأطراف من دولتين تعاملان الكريكيت امتدادًا للصراع والعداء؟ استبعاد مؤقت للهند وباكستان من الفعاليات الدولية سيرسل رسالة قوية مفادها أن الكريكيت لا يمكن أن تبقى إذا حُوّلت إلى مسرح قومي.

يقرأ  الجيش يغلق الشوارع في محاولة لاحتواء الاضطرابات في نيبال | أخبار الاحتجاجات

غير أن تطبيق مثل هذا الحظر أسهل قولًا منه فعلًا. الهند هي المحرك المالي للكريكيت وتملك نفوذاً كبيرًا داخل المجلس الدولي، وباكستان لا تزال عامل جذب رئيسًا. مبارياتهما تدر نسب المشاهدة التي تبقي الرعاة مستثمرين. لا مجلس، ولا أقلّه الـICC، يملك الشجاعة لإبعاد أكبر سوق عن المنافسة. النتيجة مفارقة: النزالات نفسها التي تقوّض روح الكريكيت هي في الوقت نفسه التي تموّل بقائها. ما دام المال هو الحاكم، سيبقى الكريكيت رهينة هذا الصراع المدمر.

الآراء المعبر عنها هنا تخص كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق