«كأنها خرائب» — مزارع الشاي في سريلانكا تتأثر بغضب الإعصار «ديتواه» أخبار الزراعة

كولومبو، سريلانكا — سندارام موتوبيلّاي، 46 عاماً، قضى حياته العملية على مزارع الشاي في ثالاواكيل كما في مقاطعة نوارا إليا المركزية منذ أن آواه العمل وهو في السابعة عشرة من عمره.

لكن الإعصار المدمر الذي ضرب الأسبوع الماضي — الأسوأ في الجزيرة خلال قرن — تركه بلا عمل وبلا مسكن.

آثار الإعصار “ديتواه” كانت عارمة عبر البلاد، فقد أودى بحياة ما لا يقل عن 635 شخصاً وأثر في أكثر من مليوني إنسان، أي نحو عُشر سكان البلاد. أعلن الرئيس أنورا كومارا ديساناياك حالة الطوارئ واصفاً 22 من أصل 25 مقاطعة بأنها مناطق منكوبة.

من بين المناطق الأكثر تضرراً كانت سريلانكا الوسطى — قلب إنتاج الشاي والخضروات — حيث أظهرت بيانات رسمية يوم الاثنين سقوط ما لا يقل عن 471 قتيلاً في الإقليم، إلى جانب دمار هائل طال المزارع الجبلية.

«انتهى كل شيء. التلال المتدحرجة لا يمكن التنبؤ بها، ومن حين لآخر تشهد انزلاقات طينية تُفقد الناس مساكنهم. الآن أصبحت الطرق غير صالحة، ونفتقر إلى الضروريات، ولا نرى أملاً في التعافى سريعاً»، قال موتوبيلّاي لقناة الجزيرة.

المنازل وسبل العيش اختفت

يشكل الشاي صادرات أساسية لسريلانكا ومصدر العائدات التصديرية الثاني بعد قطاع الملابس. ووفق مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC) تُصنّف سريلانكا ضمن أكبر أربعة مصدّرين للشاي عالمياً من حيث القيمة، وتشتهر بخليطها الفريد ومنتجات مُغلفة ومعبأة غالباً ما تُدرّ أسعاراً أعلى.

وبرغم التحديات الاقتصادية والاضطرابات السياسية، حافظ قطاع الشاي على إيرادات سنوية بحوالي 1.3 مليار دولار في السنوات الأخيرة، وكان متوقعاً أن تصل الإيرادات إلى 1.5 مليار دولار بحلول نهاية العام.

إلا أن الفيضانات والانزلاقات الناجمة عن الإعصار اقتلعت ممتلات عديدة من مزارع الشاي البالغة نضجها، ودمرت طرقاً وسككاً حديدية، وأعاقت إيصال مستلزمات أساسية مثل الأسمدة. آلاف من العاملين في المزارع أصبحوا بلا مأوى.

يقرأ  إسرائيل والهند توقعان اتفاقية استثمار فيما يُستقبل سموتريتش بحفاوة في نيودلهي

«لا شيء واجهناه سابقاً كان كافياً ليستعدّ لما حلّ بنا الأسبوع الماضي. لقد قضى على آمالنا في الاستمرار بالعيش والعمل في المزارع. منازلنا وسبل معيشتنا تلاشت»، أضاف موتوبيلّاي.

سينتيلناثان بالانسامي، 34 عاماً، يعمل بمزرعة في بادولا بمحافظة أوفا، يقول إن الإعصار دفن قرى بكاملها تحت التربة وأجبره على التفكير جدياً في تغيير مصدر رزقه. «المزارع لم تعد آمنة. لن يتوفر عمل لعدة أشهر على الأقل. علينا أن نقطع علاقتنا بحياة المزارع ونبحث عن عمل في مكان آخر»، قال ذلك من مأوى حكومي لجأ إليه مع زوجته ماريابان شارميلا (30 عاماً) وهي أيضاً جامعة شاي، ومع طفليهما.

قدّر براباث تشاندراكيرثي، مفوض الخدمات الأساسية في سريلانكا، الأسبوع الماضي الخسائر الاقتصادية الإجمالية بنحو 6 مليارات دولار، أي ما يقارب 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي القطاع الشاي، تُشير تقديرات أولية إلى تراجع في الإنتاج يصل إلى 35%، بحسب عضو لجنة رئاسية لانتعاش ما بعد الإعصار طلب عدم الكشف عن هويته لعدم تمتعه بتصريح للتحدث للإعلام. وأضاف أن مجتمع المزارعوون سيتحمّل وطأة الضربة بشكل خاص.

«قطاع المزارع واجه تحديات عديدة في السنوات الأخيرة. وستستغرق آثار الإعصار وقتاً طويلاً للتعافي. هذا يعني تأخراً في استئناف العمل للعاملين بالمزارع، مما يزيد من هشاشة مجتمعٍ كان أصلاً عرضة للمخاطر. سيواجه العمال مشاكل شديدة في كسب قوتهم»، قال.

الهشاشة الاقتصادية

في 2023، ومع انغماس سريلانكا في أسوأ أزمة اقتصادية منذ الاستقلال عام 1948، أبرمت الحكومة اتفاق قرض إنقاذ بقيمة 2.9 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي. وفي يوم الجمعة أعلن الصندوق أنه يدرس طلب الحكومة السريلانكية للحصول على صندوق طارئ بقيمة 200 مليون دولار إضافية إلى جانب شريحة بقيمة 347 مليون دولار مستحقة هذا الشهر لأعمال الإغاثة بعد الإعصار.

يقرأ  الحرب الروسية–الأوكرانيةاليوم ١٬٣١٢ — لائحة الأحداث الرئيسية | تغطية إخبارية

ويبلغ الدين العام الحالي في سريلانكا نحو 100 مليار دولار، أي ما يقارب 99.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يترك هامشاً ضئيلاً لمواجهة صدمات مالية جديدة. والإعصار فاقم هذه الهشاشة الاقتصادية التي تهدد الصادرات وتوافر الغذاء محلياً، حسبما يقول خبراء.

دهانانات فرناندو، المدير التنفيذي لمعهد “أدفوكاتا” المستقل، يعتقد أن الدمار الاقتصادي الذي أحدثه ديتواه يقارن بما حلّ جراء تسونامي 2004 الذي أودى بحياة أكثر من 35 ألف شخص. ومع ذلك يتوقع فرناندو أن تأثير الإعصار قد يكون أشد، متوقعاً ارتفاعاً حاداً في أسعار المستهلكين نتيجة تعطل سلاسل الإمداد.

«الإعصار وجه ضربًة قاسية، وهذا الصدمة ستقلص النمو العام بشكل كبير، ليس فقط قدرة التصدير بل الاستهلاك المحلي أيضاً. سيسجل سلة الصادرات تأثير الصدمة، ما يقلل من العائدات الأجنبية الحيوية للحفاظ على الاقتصاد طافياً»، قال لِلقناة.

وحذّر فرناندو من أن عاملين مزارعوون سيضطرون إلى الانتقال لمهن أخرى — أمراً «حتمياً بالنظر إلى مستوى الصدمة» — مضيفاً أن هذا التحول لن يكون جيداً للاقتصاد.

في أكتوبر الماضي، حددت جمعية مُصدّري الشاي في سريلانكا (TEASL) هدفاً بعوائد تصديرية بقيمة 1.5 مليار دولار لعام 2025، بزيادة طفيفة عن 1.43 مليار دولار في 2024، وكان التوقع مدعوماً بارتفاع عالمي في الطلب على منتجات ذات قيمة مضافة مثل عبوات وأكياس الشاي. لكن مصدر في الجمعية قال للجزيرة شريطة عدم الكشف عن هويته إن الهدف قد لا يكون قابلاً للتحقيق الآن بسبب تأثير الإعصار على المرتفعات الشايية. «الدمار في القطاع واسع النطاق، وقد وجه صفعة كبيرة لصناعة كانت في طريقها للتعافي». قال إن إعادة الإعمار ستتطلب وقتاً وموارد.

عمر راجاراثنام، المدير التنفيذي لمؤسسة فاكتوم البحثية في كولومبو، قال إن على الحكومة أن تراعي الصدمات الخارجية لِما تتمتع به الجزيرة من هشاشه عالية أمام الطقس القاسي وأزمة المناخ، قبل أن تضع أهدافاً للإيرادات في قطاعات مثل الشاي.

يقرأ  أم تترقب نتائج تحليل الحمض النووي لرفات يُشتبه في ارتباطها بطائفة التجويع في كينيا

«حتى ولو لم نواجه كارثة بهذا الحجم، ينبغي إدخال الطقس المتطرف ضمن جاهزية القطاع، وأن تتضمن التقديرات سنياريوهات متعددة وطرق للتخفيف»، أضاف في حديثه لقناة الجزيرة.

وبينما تتعافى الدولة الواقعة في جنوب آسيا من الإعصار المميت، يقول كثير من عمّال مزارع الشاي إنهم يعتبرون أنفسهم محظوظين لنجاتهم.

«مزارع الشاي الآن أشبه بأراضٍ مقفرة؛ المحاصيل دُمّرت، والمنازل تَهدمت، وفَقَدنا الكثير من الناس. لا أعلم إن كنا سنتمكن من التعافي»، قالت شارميلا، زوجة بالانسامي.

أضف تعليق