التشيليون يستعدون للإدلاء بأصواتهم في جولة إعادة انتخابية، مع تقدم المرشح اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست في استطلاعات الرأي.
تُظهر المسوحات قبل الاقتراع تقدم كاست على منافسته من الوسط–اليسار جانيت جارا، فيما يتجه الناخبون الى صناديق الاقتراع في مواجهة رئاسية تُراقَب عن كثب يوم الأحد. لقد جعل كاست، الذي يعتبر رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب قدوة له، ملفَي الجريمة والهجرة غير النظامية محور حملته الانتخابية، ووعد بترحيلات جماعية وإطلاق أجندة صارمة لـ«القانون والنظام» في إطار شعاره القائل: «لنجعل تشيلي عظيمة مجدداً».
في الجولة الأولى الشهر الماضي تقدمت جارا بفارق طفيف، حيث حصلت (51 سنة) على نحو 27٪ من الأصوات مقابل حوالي 24٪ لكاست (59 سنة). واستطاع كاست، زعيم حزب الجمهوريين، حشد أصوات المرشحين المهزومين في المعسكر اليميني، ما جعل منه المرشح الأوفر حظاً في جولة الأحد، بعد أن حصدت القوى اليمينية مجتمعة نحو 70٪ من الأصوات في انتخابات 16 نوفمبر.
يرى محلّلون أن فوز كاست قد يغير مسار التشريع والسياسة في البلاد للمرة الأولى منذ العودة إلى الديمقراطية قبل 35 عاماً. فقد اعتادت تشيلي على إبقاء التيارات اليمينية المتطرفة هامشة بعد سقوط السلطة العسكرية لأوغستو بينوشيه، وكان كاست نفسه من المؤيّدين لبينوشيه في شبابه.
تراجع حقوق النساء
تتعمق حالة الإحباط بين الناخبين، إذ يشعر كثيرون بأن أيّاً من المرشحين النهائيين لا يمثلهم فعلاً. كثيرون يعربون عن استحالة التصويت لجارا لانتسابها إلى الحزب الشيوعي التشيلي التقليدي. عملت جارا، التي شغلت حقيبة العمل في حكومة الرئيس غابرييل بوريتش، على تمرير إصلاحات اجتماعية بارزة لكنها لم تنجح في تحويل مسار النقاش العام؛ وهي الآن تتعهد بتشديد الرقابة على الحدود وتعزيز سطوة الشرطة، غير أن خلفيتها الشيوعية تُقَيِّد من قدرتها على جذب قطاعات واسعة من الناخبين.
قال ليونيداس مونتي من مركز الدراسات السياسية إن التقييم العام للمرشحين في تشيلي يقوم إلى حد كبير على معدلات الرفض، موضحاً أن «شخصاً من الحزب الشيوعي سيكون مقبولاً بنسبة رفض تصل إلى 50٪ أو أكثر». وتؤكد جارا أنها ستستقيل من الحزب الشيوعي إذا فازت، لكن ذلك لم يُقنع شريحة من الناخبين.
تثير وعود كاست الكبرى تساؤلات بشأن قابليتها للتنفيذ. فقد تعهّد بخفض 6 مليارات دولار من الإنفاق العام خلال 18 شهراً دون المساس بالمزايا الاجتماعية، وبترحيل أكثر من 300 ألف مهاجر غير نظامي، وبإعطاء الجيش دوراً أوسع في مواجهة الجريمة المنظمة — اقتراحات تُعيد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة من حكم بينوشيه العسكري.
يفتقر حزب كاست إلى أغلبية في الكونغرس، ما يضطره للتفاوض مع حلفاء يمينيين أكثر اعتدالاً؛ وأي تسوية قد تُخفف من حدة برنامجـه، لكن الفشل في التحرك بسرعة قد ينعكس سلباً على قاعدة مؤيديه التي تنجذب إلى خطابه الحازم.
حذّرت النائبة التشيلية لورينا فرايز من أن أيديولوجية كاست الاجتماعية المحافظة قد تقود إلى تراجع في حقوق النساء. وقالت إن برنامجه يقوم على منطق الأسرة التقليدية، ما يضع المرأة في وضعية ضعف مقارنة بالرجل في المجال العام لا سيما السياسي.
طغت قضايا الجريمة والهجرة على سائر الملفات. شهدت تشيلي ذروة في جرائم القتل عام 2022 في ظل رصد مجموعات إجرامية إقليمية استغلت مسارات الهجرة غير النظامية، رغم أن معدلات القتل تراجعت لاحقاً. وفي تحرّكات تكتيكية، تجنّب كاست إثارة قضايا شائكة مثل ماضي والده النازي وحنينه إلى عهد بينوشيه، بينما يقول كثيرون إن مخاوفهم بشأن حقوق الإنسان باتت تأتي بعد الأولوية المتمثلة في الأمان الشخصي.
من سانتياغو، نقلت لوسيا نيومان، محررة الشؤون الأمريكية اللاتينية في الجزيرة، عن مواطنين مخاوفهم من ما قد يحدث لو فاز كاست، وفي المقابل أعرب آخرون عن استحالتهم التصويت لشيوعي؛ وهو ما دفع أعداداً غير معهودة من التشيلينيين إلى التفكير في الإدلاء بورقة اقتراع بيضاء. وإذا صحّت استطلاعات الرأي، فقد تنحرف تشيلي صوب اتجاه مماثل لجيرانها المحافظين.