كشف تحقيق قناة N12 عن ثغرات أمنية جسيمة في حاجز حدود غزة، مكشوفًا تحذيرات مُهمَّلة وتصاميم معيبة وإهمالاً تقوده اعتبارات الميزانية.
أظهر التقرير إخفاقات كبيرة في التصميم والبناء والجاهزية التشغيلية للحاجز الحدودي الذي اخترقته حركة حماس في هجوم السابع من أكتوبر، وأكد أن القدرات المتقدمة المعلن عنها لم تُترجم إلى واقع ميداني فعّال.
أُطلق المشروع عام 2021 على أنه مشروع دفاعي ثوري يعتمد على أنظمة مستقلة وروبوتات وأنظمة مراقبة متقدِّمة لصد محاولات التسلل من غزة، لكن مسؤولين رفيعي المستوى المشاركين في المشروع صرّحوا لـN12 بأن كثيراً من الوعود التكنولوجية ظلت حبرا على ورق. أحدهم قال: «أين كل التقنيات التي وُعِد بها السكان؟ باعوا لهم أحلاماً؛ الحدود لم تكن ذكية ولا قاتلة».
وردت روايات أن روبوتات كانت تظهر على طول الحاجز فقط عند مرور الصحفيين، أما عملياً فكانت فعّالة بشكل محدود جداً. وأضاف ضابط آخر: «المؤسسة الأمنية كانت تدرك أن “الحاجز الذكي” كان أقرب إلى الخيال».
تفجرت حاجة المشروع نتيجة الكشف عام 2014 عن شبكة أنفاق واسعة اختراقها إلى داخل الاراضي الاسرائيلية، وصُرف قدر كبير من ميزانية تُقدَّر بنحو خمسة مليارات شيكل على دفاعات تحت الأرض، في حين خُصِّص للحاجز السطحي نحو 122 مليون شيكل فقط، وهو الحاجز الذي تم اختراقه لاحقاً.
قال الدكتور أوفر غوتيرمان، ضابط استخبارات سابق: «أنفقنا مليارات على مشروع يهدف إلى قطع الأنفاق ومنع الاختراق من خلالها، لكن افتقرنا إلى القدرة على احتواء اقتحام أرضي واسع». ونبّه يوفال شتاينتس حينها إلى أن الخطر الحقيقي ليس كتيبة أو عشرات الكتائب عبر الأنفاق، بل هجوماً جماعياً لآلاف المقاتلين يعبرون الحاجز ويدخلون مستوطنات ومدناً وقواعد.
وصلت تحذيرات مبكرة إلى الاستخبارات العسكرية عن خطة تفصيلية لحماس في 2018، عُرفت لاحقاً باسم «جدار أريحا»، التي وصفها التقرير بأنها خطة لاختراق الحاجز برياً بواسطة وحدات نخبة. قال الدكتور داني تيرزا، خبير تخطيط الحواجز الدفاعية: «تلقينا تهديدات الغزو ولم نرُد عليها بالحاجز الذي بنيناه».
أظهرت شواهد أن حماس أجرت تجارب ميدانية على الحاجز قبل أسابيع من الهجوم، مستخدمة دراجات نارية وجسوراً صغيرة ومواد متفجرة. تضمنت تجربة رئيسية تفجير عارضة هيكلية أساسية لسلامة الحاجز قبل أسبوع واحد من الهجوم، وكانت التجربة ناجحة ولم تؤدِّ إلى ردٍّ من الجيش.
طالبت أطر عسكرية بإجراء محاكاة لاختراق الحاجز من منظور الخصم لمعرفة نقاط الضعف، إلا أن القائمين على تنفيذ التدريبات لم يبدُ أنهم فعلوا ذلك. كما فشلت محاولات قادة فرقة غزة لتطوير الاستجابة الدفاعية بسبب رفض ترقيات منظومات السلاح ومقترحات استبدال أسلحة قديمة ببدائل أكثر فاعلية أو إطلاق مشاريع جديدة بحجة شح الميزانية.
أبلغ قادة الوحدة عن ضعف جاهزية القوات المدرعة؛ ففي صباح الهجوم كان هناك طواقم على 14 دبابة فقط، وبعضها لم يكن صالحاً للعمل لأن قيوداً فُرِضت لتقليل ساعات التشغيل وتوفير التكاليف. ووصف يهوذا كوهين، والد أحد الناجين من الأسر، الوضع بقوله إن الدبابة «تُنقل على ناقلة للحفاظ على ساعات المحرك، والطاقم لا يستطيع العمل في موقف قتالي لأن المعدات لم تكن صالحة؛ حاولوا ادخار بضعة شواقل».
صدر توجيه قبل خمسة أشهر من الهجوم يتضمن خفضاً كبيراً في الكيلومترات المقطوعة بواسطة الدبابات والعربات، بما شمل فرقة غزة، وقيل إن جنرالاً كبيراً تعدى الحصة فتعرض للتوبيخ.
سجل التقرير خلافات قيادية حول أين تُنصب أنظمة الكشف الجديدة: رئيس الأركان آنذاك آفيڤ كوچاڤي توجَّه إلى نشرها في الشمال، بينما طالب قائد المنطقة الجنوبية هيرزي حاليڤي بنشرها على طول الحدود الجنوبية. كذلك أثار الترقي الأخير لبريجادير جنرال إران أوفير جدلاً لدى ضباط سابقين نظرًا لدوره في الإشراف على بناء الحاجز.
وخلص كبير مهندسي الجيش السابق الذي حقق في إخفاق الحاجز إلى تشبيه المشروع بأسوار تاريخية باهظة الثمن خلقت ثقة مفرطة، قائلاً: «كخط الماجينوت وخط بار-ليف، المشاريع الطويلة والمكلفة تولِّد شعوراً زائفاً بالأمان».
ردّت وزارة الدفاع بأن الحاجز أوقف أكثر من ثلاثين نفقاً ومنع بناء أنفاق جديدة، وأن السور السطحي نُفِّذ بحسب المتطلبات التشغيلية لردع التسلل، وأن أنظمة الاستشعار قدّمت اشارات إنذار مبكر ومعلومات آنية. وأعربت الوزارة عن دعمها الكامل للواء إران أوفير وإدارة الحدود التي بنت أكثر من 1200 كيلومتر من الحواجز على مستوى البلاد.
من مكتب رئيس الأركان السابق جاء التوضيح أن أساليب جديدة رُحّلت لاكتشاف وتدمير الأعداء كانت قيد التطبيق خلال فترة ولايته، وأن هذه المبادرات استغرقت وقتاً ولم تُكتمل قبل انتهاء ولايته، فيما جُهِدَ أيضاً لتعزيز الدفاعات التقليدية وتحسين الاستخبارات في المنطقة.
وقال المتحدث باسم الجيش إن تحقيقات معمقة جرت حول مفهوم الدفاع عن الحدود مع غزة، وأن قيوداً تشغيلية ومالية أثّرت على نشر الوحدات المدرعة، محذراً من محاولات ربط الفشل الحالي مباشرةً بقائد أركان بعينه أو باستنتاجات استخبارية تعود لسبع سنوات بأنها مناكفات مضللة وغير مهنية. وأكد المتحدث أن ترقية اللواء أوفير حظيت بدعم عدة رؤساء أركان ووزراء دفاع سابقين.