منذ لقائها بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض في 18 أغسطس، شرع حلفاء كييف الأوروبيون والإقليميون في ترسيم التزامات تجاه قوة حفظ سلام تُفترض أن تدخل اوكراينا بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب التي شنتها روسيا قبل ثلاث سنوات ونصف. الهدف أن تُجمَع هذه الالتزامات قبل نهاية الأسبوع. كما تدفع أوروبا باتجاه تشديد العقوبات على موسكو، لكن الولايات المتحدة ليست على وفاق تام مع الشركاء الأوروبيين في هذين الموضوعين.
ماذا وعدت الدول؟
– استونيا أعلنت استعدادها للمساهمة بوحدة عسكرية على الأقل، وليتوانيا سبق أن أعلنت استعدادها لإرسال عدد غير محدد من القوات.
– رومانيا رفضت إرسال جنود لكنها عرضت مطاراتها كقواعد دوريات جوية بطائرات F-35 لتطبيق منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا. تركيا تدرس إرسال قوات وستساعد في نزع الألغام من مياه البحر الأسود، حسب سفير أوكرانيا لدى أنقرة.
– قال العقيد أندريه فوستنر، رئيس رابطة القوات المسلحة الألمانية، لوكالة رويترز إن قوة موسعة ستحتاج إلى ما لا يقل عن 10 آلاف جندي لفترة ممتدة: «لن تكفي يد من القادة ووحدات عسكرية صغيرة لإدارة مقر عمليات في أوكرانيا».
أولوية الأوروبيين في لقاء البيت الأبيض كانت حشد التزام ترامب بالمشاركة في قوة من هذا النوع. ترامب قال في 18 أغسطس إن الولايات المتحدة ستشارك، لكن ليس بقوات أرضية. ونقلت فايننشيال تايمز أن مسؤولين أميركيين أخبروا نظراءهم الأوروبيين مؤخراً أن واشنطن ستقدّم «ممكنات استراتيجية» مثل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والقيادة والتحكم، وأصول الدفاع الجوي.
هل وقف إطلاق النار وخطة قوة حفظ السلام قابلان للتنفيذ؟
يصف خبراء الفكرة بأنها عرض مسرحي للحفاظ على دعم ترامب: «على كل زعيم أوروبي — بما في ذلك زيلينسكي — أن يجد طريقة لإبقاء ترامب متحمّساً»، يقول كير جايلز من تشاثام هاوس، مضيفاً أن ذلك حصل «لكن على حساب تعليق الواقع». الفكرة غير قابلة للتحقيق عملياً لأن بوتين «بوضوح غير معني بإنهاء القتال»، حسب جايلز، وهي أيضاً غير مرغوبة لأن وقف النار سيمنح روسيا فرصة لإعادة تنظيم قواتها والاندفاع مجدداً. حتى قبل وصول ترامب، كان كثيرون يعتبرون أن وقف النار أحد أسوأ السيناريوهات لأوكرانيا؛ ومع ذلك جعل ترامب وقف إطلاق النار أولوية بداية فبراير، فاضطر الشركاء «للاستظراف» معه والامتثال لنسخةٍ خيالية من الواقع.
هل سيلعب ترامب مع أوروبا؟
منذ 18 أغسطس عملت أوروبا وأوكرانيا جاهداً لجذب ترامب إلى موقفهم. بعد لقائه رئيس وزراء هولندا مارك روتي في كييف في 22 أغسطس، قال زيلينسكي إنهما اتفقا على ضرورة ضمانات «شبيهة بالمادة الخامسة» تعمل على مخطط يحدد بوضوح أي دول تساعد على الأرض، ومن تسهر على أمن الأجواء، ومن تضمن الأمن البحري. المادة الخامسة لحلف الناتو هي بند الدفاع الجماعي الذي يعتبر الاعتداء على عضو بمثابة اعتداء على الجميع.
هل سيوافق ترامب على ضمانات من هذا النوع التي قد تُفعّل تلقائياً آلية دفاع تدخل قوات الناتو في مواجهة روسيا؟ حتى عندما يظهر ترامب متفائلاً، فإن تصريحاته «غامضة للغاية» ولا يمكن التأكد إن كان يقصد ما يقول، بحسب جايلز. الباحث ثيودوروس تسيكاس يوافق على أن ترامب «قابل للتبدل»، لكنه يرى أن الواقع السياسي يحدّ من انزلاقه إلى معسكر بوتين. أولاً، يريد حل الحرب الأوكرانية ليتمكن من المضي في تعاون اقتصادي مع روسيا في الطاقة والثروات المعدنية. كشفت رويترز أن روسيا والولايات المتحدة ناقشتا صفقات تجارية موازية لمسألة تسوية أوكرانيا في قمة ترامب وبوتين بألاسكا في 15 أغسطس، شملت مقترحات لإعادة إكسون موبيل إلى استثمار مشترك مع غازبروم، وشراء موسكو معدات أميركية لتسييل الغاز، وشراء واشنطن لكاسحات جليد روسية — كل ذلك كحوافز لحث الكرملين على قبول السلام وتوسيع التسهيلات الأميركية تجاه العقوبات. ثانياً، يريد ترامب تحرير القوات الأميركية المنتشرة في أوروبا لإعادتها إلى الالتزام في آسيا.
في هذا الأداء الدقيق لا يستطيع ترامب أن يسمح بانهيار أوكرانيا في عهده لأن ذلك سيكلّفه سياسياً في الداخل، فالسقوط الكبير سيقضّ على صورته كرجل يفوز. لذلك لديه حدود، وبسبب ذلك مستعد لأن يمنح أوروبا بعض الضمانات الأمنية.
هل يقدم ترامب صفقة لأوكرانيا؟
المساعدة لن تكون مجاناً، تماشياً مع سياسة ترامب تجاه أوكرانيا منذ توليه. نقلت فايننشيال تايمز أن أوكرانيا عرضت، مقابل ضمانات أمنية أميركية، شراء أسلحة أميركية بقيمة 100 مليار دولار بتمويل أوروبي، بينما وعدت أوروبا هي نفسها بشراء أسلحة أميركية بقيمة 700 مليار يورو (820 مليار دولار) لاحتياجاتها. هل تُنفق هذه المبالغ فعلاً؟ يقول زيلينسكي إن أوكرانيا تحتاج أسلحة أميركية بقيمة بين مليار ومليار ونصف شهرياً بموجب قائمة الاحتياجات ذات الأولوية PURL التابعة للناتو. حالياً تعهدت دول أوروبية بمشتريات أسلحة أميركية لأوكرانيا بقيمة 1.5 مليار دولار عبر تلك القائمة. كل هذا يبتعد كثيراً عن المبالغ التي يطالب ترامب أن تُدرَج في المذاكرات، ما يثير سؤالاً واضحاً حول ما إذا كانت تلك الالتزامات ستتحقق أصلاً.
أين تقف روسيا؟
قوة حفظ السلام لن تُنشط إلا بعد اتفاق بوتين وزيلينسكي على وقف إطلاق النار.
أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مرتين في الأيام الأخيرة أن الاجتماع غير محدد الموعد، على الرغم من جاهزية زيلينسكي. وقال لنظيره الهندي في 21 أغسطس إن مثل هذا اللقاء سيجري حين تصبح المقترحات «مطوّرة جيداً». كما أبلغ لافروف شبكة NBC بأن «لا اجتماع يُخطط له»، وأن «بوتين مستعد للقاء زيلينسكي متى كانت أجندة القمة جاهزة. هذه الأجندة ليست جاهزة إطلاقاً».
سعى لافروف لأن ينسجم زيلينسكي مع مواقف زعم أنها اتُفقت بين بوتين وترامب في لقاء ألاسكا. قال إن هناك «عدة مبادئ ترى واشنطن أنه لا بد من قبولها، منها عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو… ومناقشة المسائل الإقليمية»، وإن زيلينسكي «رفض كل شيء».
تنافست موسكو وأوروبا لجذب ترامب نحو مواقعهما. أقنع بوتين ترامب بأن وقف النار ليس ضرورياً لبدء محادثات السلام، وحاول ثنيه عن تأييد عقوبات، وهو ما تؤيده أوروبا.
قال زيلينسكي مخاطباً الأوكرانيين في كلمة مسائية يوم الثلاثاء: «الإشارات الوحيدة التي تبعثها روسيا تدل على أنها تنوي الاستمرار في التملص من المفاوضات الحقيقية. هذا لن يتغيّر إلا بفرض عقوبات قوية، ورسوم جمركية قوية — ضغ ظ حقيقي.»
في 22 أغسطس جدد ترامب موعداً نهائياً من وضعه الخاص دام أسبوعين قبل أن يتخذ قراراً بشأن العقوبات على روسيا. وقال للصحفيين في إيجاز بمكتب البيت الأبيض: «أعتقد أنه خلال أسبوعين سنعرف إلى أي جهة أتجه.» وقد ذُكر هذا الموعد للمرة الأولى لسيان هانيتي من قناة فوكس عقب لقائه مع بوتين في ألاسكا في 15 أغسطس.
لكن صراع الجذب هذا يضع ترامب في منتصف الطريق بين أوروبا وروسيا، وليس الحليف الأوروبي الصلب الذي كان سلفه بايدن عليه. يرى القادة الأوروبيون العدوان الروسي في أوكرانيا بمنظور سياسي وأمني بحت، وهم أكثر تشككاً في دوافع موسكو.
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً لشبكة NBC: «لا أرى الرئيس بوتين مستعداً لتحقيق السلام الآن. وطالما أن بوتين ومن حوله يعتقدون أنهم قادرون على كسب هذه الحرب والحصول على نتيجة أفضل بالقوة، فلن يذهبوا إلى المفاوضات.»