كيف يسرق تلوث الهواء ضوء الشمس من سماء الهند؟

تشير دراسة هندية جديدة إلى أن ساعات سطوع الشمس في الهند تتراجع تدريجياً خلال العقود الثلاثة الماضية نتيجة تغّير السحب، والجسيمات الهوائية (الأيروسولات) وتحوّلات الطقس المحلية.

اعتمدت الدراسة، التي شارك فيها ستة علماء هنود، على بيانات مأخوذة من 20 محطة أرصاد خلال الفترة 1988–2018، وأظهرت تراجعاً مستمراً في ساعات السطوع عبر معظم أنحاء البلاد، مع استثناء طفيف موسمي لصالح شمال شرقي الهند.

سجلت أشد الانخفاضات السنوية في المناطق الداخلية الشمالية، لا سيما أمريتسار وكولكاتا، وكذلك على طول حزام جبال الهيمالايا والساحل الغربي خاصة مومباي. وكّلت المناطق الجغرافية التسع المتنوعة في الهند أظهرت انخفاضاً سنوياً في ساعات الشمس، وإن اختلفت معدلات التراجع بين منطقة وأخرى.

تحليل شهري كشف عن ارتفاعات ملحوظة في ساعات السطوع من أكتوبر حتى مايو، يعقبها هبوط حاد في شهري يونيو ويوليو في ستٍ من بين تسع مناطق. هذا النمط الموسمي يتقاطع مع مشكلة أعمق وأطول أمداً: أزمة تلوث الهواء الحادة في الهند التي تصعد منذ التسعينيات بفعل التحضر السريع، والنمو الصناعي وتغيرات استخدام الأراضي، مما زاد الاعتماد على الوقود الأحفوري، وانبعاثات المركبات، وحرق الكتلة الحيوية، ومن ثم دخول الأيروسولات إلى الغلاف الجوي وتظليل أشعة الشمس.

في الشتاء، يؤدي التلوث الشديد المتمثّل في الضباب الدخاني، والانقلابات الحرارية، وحرق المحاصيل في سهول الاندو-جانجيتيك إلى تكوّن أيروسولات مبعثرة للضوء تقلل ساعات السطوع. هذه الجسيمات الدقيقة ـ صلبة أو سائلة ـ قادمة من الغبار وعوادم المركبات وحرق المحاصيل ومصادر أخرى، وتبقى في الجو طويلاً بما يكفي لتؤثر على ضوء الشمس والمناخ وصحة الناس.

أما في يونيو ويوليو، فتغطي سحب موسمية معظم الهند فتخفض الإشعاع الشمسي الساقط على السطح بصورة حادة رغم انخفاض مستويات الأيروسولات مقارنة بالشتاء. ويشير الباحثون إلى أن ارتفاع ساعات السطوع بين أكتوبر ومايو لا يعني هواء أنقى بالضرورة، بل يعكس أياماً أكثر خلوّاً من السحب؛ أما ضوء الشتاء المغبّر فقد يتشتت أو يتبدد ويقلّ في الشدة من دون أن يُقطع نهائياً، فتسجله أدوات القياس كساعات سطوع.

يقرأ  إيران تستدعي سفراءها لدى بريطانيا وفرنسا وألمانيا بعد إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة | أخبار الطاقة النووية

«وجدت دراستنا أن تقلّص ساعات السطوع مرتبط بامتداد السحب لفترات أطول دون هطول أمطار، ما يحجب مزيداً من ضوء الشمس. وهذه السحب الأطول أمداً تتشكل بشكل غير مباشر بفعل الأيروسولات التي تغير الطقس والمناخ»، يقول مانو ج كومار سريفاستافا، أستاذ الجيوفيزياء في جامعة باناراس هندو، وأحد مؤلفي الدراسة.

يقدّر ساششيدا ناند تريباثي، عالم الغلاف الجوي في معهد التكنولوجيا الهندي كانبور، أن الأيروسولات خفّضت كمية ضوء الشمس الواصلة إلى الأرض في الهند بنحو 13%، بينما تسبّبت السحب في انخفاض إضافي في الإشعاع الشمسي السطحي بنسبة تتراوح بين 31% و44% خلال الفترة 1993–2022.

تثير هذه الأنماط قلقاً على الزراعة والحياة اليومية وطموحات الهند في الطاقة الشمسية، كما تحدد مناطق قد تكون فيها الألواح الشمسية أكثر كفاءة. تشكّل الطاقة الشمسية حالياً نحو 47% من قدرة الهند المتجددة، والحكومة تقول إنها على مسار الوصول إلى 500 غيغاواط من المصادر المتجددة بحلول 2030، مع أكثر من 100 غيغاواط شمسية منصبة حتى أوائل 2025. لكن تراجع ضوء الشمس قد يظلل هذه الطموحات.

يضيف تريباثي أن تلوث الهواء يزيد المشكلة تعقيداً؛ إذ يقلل إنتاجية الألواح الشمسية بنسبة تتراوح بين 12% و41% اعتماداً على نوع أنظمة التحويل الكهروضوئي، ويُكلّف خسائر في التوليد تُقدَّر بين 245 و835 مليون دولار. وفي المقابل، قد يؤدي تحسين جودة الهواء إلى زيادة إنتاج الطاقة الشمسية السنوي في الهند بما بين 6 و28 تيراواط ساعة—كميات تكفي لإمداد ملايين المنازل لسنة كاملة.

ولا يتوقف أثر التلوث عند الطاقة فقط؛ بل يضرب الزراعة أيضاً، حيث يقدّر تريباثي أن الخسائر في المحاصيل تصل إلى نحو 36–50% في أكثر مناطق البلاد تلوثاً، لا سيما المحاصيل الأساسية مثل الأرز والقمح.

يقرأ  من مقلدة إلى قائدةتحول الصين في قطاع الطاقة النظيفة إلى مركز ابتكار عالمي

الهند ليست حالة فريدة: عبر العالم أدّى تزايد التلوث وتغير أنماط الطقس إلى تعتيم السماء. دراسات أظهرت أن أوروبا ربما شهدت انخفاضاً في الضياء الساقط على الأرض بين 1970 و2009، وفي ألمانيا مثلاً انخفضت ساعات السطوع بنحو 11% في الفترة 1951–1980، وعُزِي ذلك إلى الانبعاثات الصناعية وتشكّل السحب المصاحبة. ومع ذلك، أدّت سياسات الهواء الأنظف في التسعينيات إلى انتعاش في ساعات السطوع عبر أوروبا. كذلك شهدت الصين انخفاضاً بارزاً في ساعات السطوع من الستينيات إلى العقد الأول من الألفية الثالثة بفعل الانبعاثات الأيروسولية المصاحبة للتصنيع السريع، مع تباين في المدة بين المدن المختلفة.

الخبر الجيّد أن سطح الأرض بدأ يتلقّى مزيداً من ضوء الشمس تدريجياً منذ الثمانينيات—ما يُعرف بالسطوع العالمي—بعد عقود من التعتيم. وتحليل بيانات الأقمار الاصطناعية من 1984 إلى 2018 يؤكد هذا الاتجاه، ويظهر أن التأثير أقوى فوق اليابسة وفي نصف الكرة الشمالي، مدفوعاً أساساً بتراجع الأيروسولات في الثمانينيات والتسعينيات وتغيّر أنماط السحب.

الخبر السيء أن البلدان الملوثة بشدّة مثل الهند قد لا تستفيد من هذا التحسّن العالمي؛ وإذا استمر اختفاء ضوء الشمس بمعدلاته الحالية فستبرز تحديات أكبر أمام الزراعة، وجودة الحياة، وتحقيق أهداف التحوّل نحو طاقة نظيفة. عذراً، لم يتم تزويدي بأي نصٍ لأقوم بإعادة صياغته أو لترجمتة. يرجى إرسال النصّ المطلوب.

أضف تعليق