كاتي واتسون — بي بي سي في كييف
صورة من Getty Images
أعنف ضربةٍ تلك الليلة استهدفت عمارة سكنية منخفضة الارتفاع على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو في كييف.
بالنهار قد تبدو كييف بعيدةً عن خطوط الجبهة، إلا أنّ الظلال القاتمة للحرب تختفي ليلاً. في ساعة الازدحام الصباحية، يزحف المرور ببطء على امتداد الكورنيش الذي يوازي نهر دنيبرو، فيما يهرع الناس إلى أعمالهم ويحاولون إدامة نسق حياتهم اليومية.
خلال الليل تنطلق صفارات الإنذار الجوية بين حين وآخر. غالباً ما يلتقط الناس إشعارها على هواتفهم ثم يقرّرون مسار حركتهم بحسب مستوى التهديد. في الليلة الماضية، حذرت قنوات مراقبة مثل تيليغرام سكان كييف من احتمال وقوع هجومٍ كثيف يضم درونات وصواريخ — وبعضهاا لم تكن دقيقًة دوماً، لكن في هذه المناسبة دوت صفارات الإنذار واستمع الناس بجدية.
صوت طقطقة الدفاعات الجوية وهي تعترض الطائرات المسيرة والصواريخ كان المشهد الصوتي لغالبية الليلة؛ كثيرون اعتادوا على النوم رغم ذلك. ثم، نحو الثالثة صباحاً، دوّى انفجارٌ قويّ — صوت صاروخٍ أصاب مبنى — واستفاقت المدينة بأسرها على ذلك الصدى. توجّه الناس إلى الملاجئ. بين الحين والآخر سمعنا زمجرة طائرة مسيّرة تقترب ثم ومضات ضوء حين أسقطت أخرى وسقطت من السماء.
بعد الانفجار الكبير الذي أيقظنا، ارتفعت أعمدة دخان كثيفة على الأفق. كان ذلك، كما تبيّن لاحقاً، نتيجة الهجوم على حي دارنيتسكي في الضفة اليسرى لمدينة كييف.
بلغت الضربة حيّ دارنيتسكي بصاروخ واحد على الأقل، في ليلة أطلقت فيها روسيا نحو 600 طائرة مسيّرة وأكثر من ثلاثين صاروخاً بحسب تصريحات الجيش الأوكراني. سُجّلت ضربات صاروخية ومسيّرة في ثلاثة عشر موقعاً مختلفاً، وكانت الضربة على دارنيتسكي الأكثر فتكاً.
وصلنا موقع الحادث صباح الأربعاء لنعاين الدمار بأعيننا. تظهر لقطات خدمة الطوارئ والإنقاذ الأوكرانية بناية سكنية مدمرة بالكامل؛ الصاروخ اخترق منتصف المبنى المنخفض، وانهارت الطوابق الخمس تماماً عند نقطة الاصطدام.
كان رجال الإنقاذ يتسلقون فوق الركام — وبعضه لا يزال مدخناً. تلوّنت شرفات الطوب والحديد المشغول بآثار الانفجار، وعلّقت بعضها كأنها شاخصة على حافة الهاوية. أوانٍ زراعية وسلال فاكهة على حواف نوافذ محطّمة تذكّر بوجود عائلاتٍ كانت قبل ساعات قليلة تعيش داخل هذه الجدران.
اصطفّت الجرافات والشاحنات لجمع ركام المبنى وتمهيد الطريق أمام فرق العمل التي تحاول انتشال ناجين من بين الحطام. بين حين وآخر يُنقل نقال يحمل كيس جثة — ضحية عُثر عليها مدفونة تحت الأنقاض.
قريباً جلست إيرينا كوتسينكو على كرسي، والهاتف المحمول ملاصق لأذنها. منذ الساعة 03:30 تحاول يائساً التواصل مع والدتها ليوبوف؛ في كل مرة تتصل فيها يرن الهاتف ثم ينقطع. “لا تتخيّل أبداً أن بيتك هو الذي سيُصَبّ,” تقول وهي تبكي. والدتها رفضت الذهاب إلى المأوى؛ كانت تمشي ببطءٍ أكثر من إيرينا، فقرّرت الانتظار في الممر.
تتابع إيرينا: “هذه الهجمات قاسية للغاية. تأتي أثناء نوم الناس فتُفقدك القدرة على ترتيب أفكارك.” وتضيف: “يهاجمون بكل شيء معاً — صواريخ وشاهدات (طائرات مسيّرة). يشنّون هجوماً متزامناً لا يترك مجالاً للحياة الطبيعية.”
تواجد في المكان أيضاً وزير الخارجية أندريه سيبيها. سألته عن دلالة هذه الهجمات على الجهود الجارية لوقف الحرب. أجاب: “هذه نموذج واضح لهجوم إرهابي. هذا رد روسيا على كل مؤشراتنا ومبادراتنا للسلام.”
ارتفع عدد القتلى في كييف على مدار اليوم، ووصل عدد الضحايا إلى ما لا يقل عن 19 قتيلاً بينهم أربعة أطفال. نجا كلٌّ من أوكسانا رومبيك (54 عاماً) وزوجها ميخايلو من ضربة الصاروخ التي استهدفت المبنى، لكن سيارتهما من طراز فولفو تعرضت لشظايا. تقول أوكسانا بصعوبة إنها لا تستطيع التعبير عما تعنيه هذه الضربات: “يموت الناس، أشخاص عاديون يموتون. لا يمكنك أن تتخيل عدد الذين يموتون.”
يؤمن زوجها أن الطريق الوحيد إلى السلام يمر بإبعاد فلاديمير بوتين عن السلطة: “إذا كانت هناك مفاوضات وسلام فلا يمكن أن يكون بوتين رئيساً.” لكنه يعترف أن هذا السيناريو غير مرجّح طالما هو متمسّك بالسلطة.
مرّت الآن أربعون شهراً على الغزو الشامل لروسيا، لكن واقع الحرب يبقى حاضراً بقوّة في عاصمة أوكرانيا. لم يصلني أي نصّ للترجمه؛ أرجو إرسال النص الذي ترغب في إعادة صياغته وترجمته.