لإنهاء المجاعة في غزة إعادة الأونروا ضرورة عاجلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

أنشأت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في ديسمبر 1949، بعد نحو عامين من قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين. وكانت — ولا تزال — الوكالة الأممية الوحيدة المكرّسة لخدمة شعب واحد محروم: الفلسطينيين.

على مدار عقودٍ من الزمن انخرطت الأونروا في شتّى نواحي الحياة الفلسطينية: من توزيع الغذاء إلى الرعاية الصحية والتعليم وتقديم الخدمات الأساسية. ومع تصاعد ما يسميه كثيرون إبادةً جماعية في غزّة، تراجع دور الوكالة وتعرّض عملها لقيود شديدة تحت ضغط إسرائيلي.

مع اقتراب أي وقفٍ لإطلاق النار، بات من الضروري أن تستعيد الأونروا كامل عملها لتقديم الإغاثة وإنهاء المجاعة. هي الجهة الوحيدة التي تمتلك القدرة والآليات لتوزيع المعونات بعدالة وكفاءة.

كانت الأونروا دائمًا جزءًا لا يتجزأ من حياتي العائلية؛ درست أنا وإخوتي في مدارسها حيث تلقينا تعليمًا مجانيًا تحت إشراف معلمين مخلصين، واعتمدنا مرارًا على توزيعاتها الغذائية، لا سيما في فترات الضائقة المالية. وكنا نزور عياداتها بانتظام للحصول على الرعاية الأولية والتطعيمات والعلاج الأساسي، إذ كانت هذه الخدمة متاحة بشكل خاص لمن لا يملكون بدائل علاجية خاصة.

بعد اشتعال ما حصل في 7 أكتوبر 2023، واصلت الأونروا تقديم خدماتها قدر الإمكان، لكن إسرائيل، بدعم من حلفائها الغربيين، شنّت حملة شرسة ضدها. في يناير 2024 ادعت الحكومة الإسرائيلية أن بعض موظفي الوكالة شاركوا في الهجمات؛ فجرى التحقيق مع 19 موظفًا وأُقيل بعضهم.

استُخدمت تلك الادعاءات ذريعةً لدى دول المانحين لتعليق تمويلها للأونروا، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبية، ما أثر بشدة على موارد الوكالة في وقت كان فيه نحو مليوني شخص في قطاع غزة يعتمدون عليها بشكل شبه كامل.

عقب إعلان وقفٍ لإطلاق النار في يناير من العام نفسه، بدأت حالة الإغاثة بالتحسن؛ واستعادت الأونروا توزيع المعونات بنظام وعدالة.

يقرأ  ٨ مصطلحات عامية لا بد لكل مبدع من معرفتها في عصر الذكاء الاصطناعي

كان هناك جداول زمنية واضحة ومراكز مخصصة في كل حي. ولتفادي الفوضى، كان على كل أسرة التسجيل مسبقًا برقم هويتها، وتصلهم رسالة من الأونروا تحدد اليوم والساعة المحددة لمراجعة المركز واستلام الحزمة. عند الوصول يُتحقق الموظفون أو المتطوعون من بياناتهم لضمان عدم تكرار الاستلام أو حرمان أحد. تُحتسب الحزم الغذائية بحسب حجم الأسرة، ما أعاد للأهالي شعورًا بالنظام وسط ظروف غاية في الصعوبة.

لكن هذا النظام لم يدم. في الثاني من مارس أغلقت إسرائيل إدخال المعونات إلى القطاع، وفي 19 مارس استأنفت حملتها العنيفة مجددًا، مما أوقع موجات نزوح وظروفًا لا تُحتمل كان الناس يظنون أنهم لن يعيشوها.

في 25 أبريل أعلنت الأونروا نفاد مخزونها الغذائي. ومنذ ذلك الحين نكافح مجاعة حادة؛ فتوقفت الأونروا مع كثير من المنظمات الإغاثية عن عملها، تاركة أكثر من مليون شخص عرضة للجوع وسوء التغذية.

بعد شهرٍ من ذلك أُعلن عن تأسيس ما سُمّي “مؤسسة غزة الإنسانية” لتولي مهام التوزيع، ردًا على مزاعم إسرائيل بسرقة المعونات من قبل حماس.

على عكس الأونروا، لا تمتلك هذه المؤسسة نظامًا منظمًا للتوزيع؛ مواقعها غالبًا في مناطق خطرة وإجراءاتها فوضوية: لا جداول ولا تسجيل ولا توزيع عادل. كل يوم تُلقى كمية محدودة من الطرود في مساحة محاطة بسياج فيرتطم الناس بالدخول والهرولة للحصول على ما يمكنهم. وتُفرض “النظام” بالقوة الحية من قِبَل جنود إسرائيليين أو مرتزقة أجانب، الذين لاقوا حتى الآن أكثر من 2,500 فلسطينيًا أثناء سعيهم للحصول على المساعدة.

إلى جانب ما يحدث في نقاط التوزيع تلك، سمحت إسرائيل بدخول مساعدات زهيدة للغاية إلى القطاع، وكثير مما دخل نهِب قبل أن يصل إلى مستحقيه. وفي أواخر يوليو سمِح للشاحنات التجارية بالدخول، لكن بضائعها باتت تُركّز لدى التجار وتباع بأسعار فاحشة.

يقرأ  إصابة مسؤولين رفيعي المستوى في حماس بغارةٍ بالدوحة… وأحدهما في حالة حرجة

المجاعة لا ترحم.

أرى يوميًا أطفالًا في حيي يهرعون للحصول على لقمة من “تكية” — مطبخ صغير تديره جمعية خيرية فلسطينية. هذه الجمعيات المحلية تشتري القليل المتاح في الأسواق المحلية بتبرعات من الخارج، وتقدّم وجبات بسيطة من الأرز والعدس أو المعكرونة أو الشوربة. تعتمد عليها عائلاتٌ كاملة لا طاقة لها على أسعار الطعام.

المفارقة أن كثيرًا من الدول التي علّقت تمويل الأونروا في وقت سابق هي نفسها التي دعت في أغسطس إلى تحرك فوري لإنهاء المجاعة في غزة.

«المجاعة تتكشف أمام أعيننا. الحاجة ملحّة الآن لوقف وتجنيب الناس الموت جوعًا»، جاء في بيانٍ وقعته وزراء خارجية 19 دولة عضوًا في الاتحاد الاوروبّي، إلى جانب النرويج وسويسرا والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا واليابان.

ومع ذلك، فإن حجب التمويل عن الأونروا والسماح لإسرائيل بتقويض الوكالة حرم أكثر من مليوني شخص من حقهم الأساسي في الغذاء.

إذا كانت هذه الدول جادةً في إنهاء الإبادة والجوع، فعليها أن تعيد دعمها للهيئة التي أُنشئت تحديدًا للحيلولة دون هذا البؤس، وأن تضغط على إسرائيل للسماح لها باستعادة خدماتها بكامل طاقتها.

كانت الأونروا دائمًا شريان الحياة لسكان غزة؛ هي الجهة الوحيدة التي منحتنا قدرًا من الاستقرار والأمل وسط الفوضى. للبقاء على قيد الحياة خلال هذه الإبادة وبعدها، يجب إعادة تمويلها وحمايتها. والسماح لإسرائيل بتدميرها يعادل عمليًا السماح بمحو الشعب الفلسطيني.

الآراء هنا تعكس رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن الموقف التحريري لجزيرة.

أضف تعليق