لا تزال أوروبا غير مستعدة لمواجهة حرب بوتين الهجينة

تعرضت طائرة أورسولا فون دير لاين لعملية تشويش مشتبه بها مصدرها روسيا أوقفت عمل نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية أثناء زيارتها إلى بلغاريا الأسبوع الماضي — دلالة إضافية على أن حرب روسيا بدأت في أوكرانيا لكنها لا تقتصر عليها. يسعى فلاديمير بوتين إلى استعادة ما يشبه منطقة نفوذ روسية في شرق اوروبا، ويستهدف ليس فقط الدول التي يرغب في ضمها أو سلب استقلال قرارها، بل أيضاً القوى التي تعارض رؤيته الاستبدادية. ولهذا تقع المفوضية الأوروبية وفون دير لاين في مرمى نيرانه.

من غير المستغرب أن الكرملين نفى ضلوعه، وهناك قدر من الغموض المحيط بالحادثة، لكن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يرون أن ثمة أدلة قوية تدل على مصدر التشويش. وهذه ليست الحادثة الأولى من نوعها: استخدمت الجيوش وأجهزة الاستخبارات عبر التاريخ تعطيل وتشويش أنظمة الملاحة لحماية الأصول العسكرية والحسّاسة. إلا أن روسيا وسعت في السنوات الأخيرة نطاق استخدام هذه الوسائل لتشمل البنية التحتية المدنية وتعطيل النقل الجوي والبحري، لا سيما في شرق أوروبا.

عندما أُبلغ عن تشويش طائرة فون دير لاين، كشف قائد الجيش الألماني جنرال كارستن بروير أنه تعرّض أيضاً لهجمات مماثلة خلال الأشهر الماضية. وفي يونيو الماضي طالبت 13 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي المفوضية بـتكثيف جهودها لمواجهة هذه التهديدات. والآن أصبحت المفوضية نفسها ضحية مباشرة لهذه التكتيكات.

تُشكّل الأساليب الهجينة جزءاً مركزياً من أهداف بوتين الأوسع. فبينما يخوض الروس حرباً تقليدية في أوكرانيا، فإن بوتين لا يفضل بالضرورة الخيار العسكري عندما تتوفر بدائل أقل كلفة وأكثر قابلية للإنجاز. فالقوة العسكرية مكلفة ومحدودة الإمكانيات بالنسبة لروسيا، لذا تميل موسكو إلى الوسائل الهجينة كلما أمكن، بدءاً من الهجمات الإلكترونية والتخريب ومروراً بحملات التضليل وتدخّل الانتخابات.

يقرأ  الناشط ساتيفا يروي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) كيف أُطلق عليه النار وترك ليموت

للحصول على تغطية أعمق وتحليلات خبراء حول الشؤون العالمية من WPR، يمكنكم الاشتراك في نشرة Daily Review المجانية.

حتى الآن أثبتت الاستراتيجية العسكرية الروسية محدودية الفاعلية: بعد ثلاث سنوات ونصف من الغزو، لم تُحرز موسكو سوى مكاسب إقليمية صغيرة وبطيئة للغاية مع تكلفة بشرية واقتصادية باهظة، وكان هجوم الصيف الأخير مثالاً صارخاً على ذلك.

— أوروبا لم تجد بعدّ تدابير مواجهة فعالة ضد تدخلات الانتخابات وحملات التضليل والهجمات الهجينة الروسية.

في مقابل ذلك، ثبت أن الوسائل الهجينة أرخص وأنجح في تحقيق أهداف موسكو. هنغاريا وسلوفاكيا ما زالتا في انسجام واضح مع موسكو، وجورجيا تخلّت لغاية الآن عن مسارها نحو الديمقراطية والاندماج الأوروبي. كانت انتخابات رئاسة رومانيا الربيع الماضي وشبه فشل، كما حصل في مولدوفا العام الماضي مع استفتاءها، ولكن بوتين لا يستسلم؛ استثمارات روسيا في شراء الأصوات وحملات التضليل قبيل انتخابات البرلمان المقررة نهاية سبتمبر تفوق الدعم الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي للقوى الموالية للديمقراطية والأورو-مؤيدة في البلاد.

أوروبا تمتلك اليوم خطة لمواجهة التهديد العسكري، وارتفاع الإنفاق الدفاعي في عدة دول خلال الشهور الأخيرة هو الإشارة الأكثر وضوحاً على ذلك. يمكن انتقاد مبادراتها الدفاعية بأنها متأخرة وضعيفة، لكن هناك الآن خططاً ملموسة تُنفذ بالفعل. وبالمثل، فإن المآزق القانونية المتعلقة باستخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم دفاع أوكرانيا تتجه أخيراً نحو خطوات أوروبية أكثر حزمًا، لأن الأوروبيين لا يملكون رفاهية التخلي عن تلك الأموال.

رغم ذلك، لم تفكّك الاتحاد بعد شيفرة الحرب الهجينة. لدى الأوروبيين رؤية عامة، تجلّت بوضوح في تقرير الاستعدادت الذي كلفت فون دير لاين الرئيس الفنلندي السابق ساولي نينيستو بإعداده العام الماضي، لكن، كما جرت العادة مع تقارير بارزة أخرى مثل ورقة ماريو دراجي حول التنافسية أو تقرير إنريكو ليتّا بشأن السوق الموحدة، بقيت توصيات نينيستو إلى حدّ كبير حبيسة الأدراج.

يقرأ  قمة ألاسكا: ما الذي يسعى إليه بوتين وترامب؟

السبب أن أوروبا لم تتمكن حتى الآن من صياغة تدابير فعالة لمواجهة دعم روسيا للأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية، وللتدخل في الانتخابات وحملات التضليل والهجمات على شبكات الاتصالات والبنى التحتية الحيوية. صعوبة نسبة هذه الهجمات ووضوح قدرة الجهة المعتدية على التنصل منها تجعل أنواع الدفاع التقليدي أقل نجاعة مقارنة بالمعارك العسكرية الواضحة. كما أن ميل الأوروبيين إلى عدم التصعيد والامتناع عن المواجهة — والتصرف كأن شيئاً لم يحدث — ساهم في تغليف المشكلة وتجاهلها.

الأمر الأكثر خطورة هو أن الديمقراطيات الليبرالية ومؤسساتها لم تحسم بعد معضلة جوهرية: كيف تواجه تهديدات هجينة من دون التنازل عن سيادة القانون والحريات الأساسية؟ في هذا الميدان، تتمتع الأنظمة الاستبدادية بميزة هيكلية على الديمقراطيات الليبرالية؛ فلو استُخدمت الأدوات نفسها وبنفس الشدة، لربما أمكن حماية الديمقراطيات بشكل أفضل، لكن ذلك سيكون على حساب الجوهر الذي تُحاول هذه الأنظمة حمايته: الديمقراطية الليبرالية نفسها.

ناتالي توتشي هي مديرة معهد الشؤون الدولية (Istituto Affari Internazionali)، وأستاذة متفرّغة جزئياً في مدرسة الحوكمة العابرية (المعهد الجامعي الأوروبي)، وأستاذة فخرية في جامعة توبنغن. عملت مستشارة خاصة للممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، وعمودها في WPR يُنشر شهرياً.

نُشر هذا المقال أولاً على موقع World Politics Review.

أضف تعليق