لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة توصلت إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
يذكر التقرير الجديد أن هناك دلائل معقولة تدعم الاستنتاج بأن أربعة من الأفعال الخمسة المحددة في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 قد نُفِّذت منذ اندلاع الحرب مع حركة حماس في 2023: قتل أعضاء من المجموعة، إلحاق أذى بدني ونفسي جسيم بهم، فرض ظروف معروفة بأنها تحاسب على تدمير المجموعة، وفرض تدابير تمنع الولادة.
التقرير يستند إلى تصريحات صادرَة عن قادة إسرائيليين وإلى نمط السلوك الذي اتبعته القوات الإسرائيلية كدليل على وجود نية إبادة جماعية.
وزارة الخارجية الإسرائيلية رفضت التقرير رفضاً قاطعاً ووصفت نتائجه بأنها «مغلوطة وزائفة».
واحتجت إسرائيل بأن أعضاء اللجنة الثلاثة عملوا بوصفهم «وكلاء لحماس» واعتمدوا «بالكلية على أكاذيب حماس، أعادها آخرون وكرّروها» والتي، بحسبهم، «تم تفنيدها بشكل قاطع سابقاً».
وأضافت الوزارة: «على النقيض من الأكاذيب الواردة في التقرير، فإن حماس هي الجهة التي حاولت ارتكاب إبادة جماعية داخل إسرائيل — بقتل نحو 1,200 شخص واغتصاب نساء وإحراق عائلات وهم علناً يعلنون هدفهم بقتل كل يهودي».
وصف مسؤول عسكري إسرائيلي التقرير بأنه «لا أساس له»، قائلاً: «لا دولة أخرى عملت في مثل هذه الظروف وبذلت كل ما في وسعها لحماية المدنيين في ميادين القتال».
شن الجيش الإسرائيلي حملة واسعة على غزة رداً على الهجوم غير المسبوق الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص وأخذ 251 رهينة.
منذ ذلك الحين، تشير بيانات وزارة الصحة في غزة، التي تديرها حماس، إلى مقتل ما لا يقل عن 64,905 شخصاً جراء الضربات الإسرائيلية.
أُجبرت غالبية السكان على التهجير المتكرر؛ ويُقدَّر أن أكثر من 90% من المنازل تضررت أو دُمرت؛ وتوقفت منظومات الرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والنظافة؛ كما أعلن خبراء أمن غذائي تابعون للأمم المتحدة وجود مجاعة في مدينة غزة.
اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الأرض الفلسطينية المحتلة أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2021 للتحقيق في كل الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ووصفت اللجنة تقريرها بأنه «أقوى وأوثق نتيجة للأمم المتحدة حتى الآن». لكنها لم تمثل رسمياً موقف الأمم المتحدة، التي لم تستخدم بعد مصطلح «إبادة جماعية» رسمياً.
يرأس الهيئة الخبيرة ذات الثلاثة أعضاء نافي بيلاي، المفوضة السابقة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ورئيسة سابق لمحكمة محاكمة جرائم الإبادة في رواندا. وعضوا الهيئة الآخران هما كريس سيدوتي، محامٍ أسترالي في حقوق الإنسان، وميلون كوتهاري، خبير هندي في حقوق السكن والأرض.
كانت اللجنة قد خلصت سابقاً إلى أن حماس وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى ارتكبت جرائم حرب وانتهاكات جسيمة أخرى للقانون الدولي في 7 أكتوبر 2023، وأن قوات الأمن الإسرائيلية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة.
يتهم تقرير اللجنة السلطات والقوات الإسرائيلية بارتكاب واستمرار ارتكاب أربعة من الأفعال الخمسة المصنفة كأعمال إبادة بموجب اتفاقية 1948 ضد مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية—في هذه الحالة، الشعب الفلسطيني في غزة—وهي:
– قتل أعضاء من المجموعة عبر هجمات على منشآت محمية؛ واستهداف المدنيين والأشخاص المحميين؛ وإحداث ظروف مؤدية إلى الوفاة عمداً.
– إلحاق أذى بدني أو نفسي جسيم بأفراد المجموعة عبر هجمات مباشرة على المدنيين والمنشآت المحمية؛ وسوء معاملة خطير للمعتقلين؛ والتهجير القسري؛ والتدمير البيئي.
– فرض ظروف حياة مقصودة لحث على تدمير المجموعة كلياً أو جزئياً عبر تدمير البنى التحتية والأراضي الأساسية للفلسطينيين؛ وحرمانهم من الوصول إلى الخدمات الطبية؛ والتهجير القسري؛ ومنع وصول المساعدات الأساسية والماء والكهرباء والوقود؛ والعنف ضد الإنجاب؛ وظروف محددة تؤثر على الأطفال.
– اتخاذ تدابير تهدف لمنع الولادات، بما في ذلك الهجوم في ديسمبر 2023 على أكبر عيادة للتخصيب في غزة، والذي أُبلغ أنه دمر حوالى 4,000 جنين ونحو 1,000 عيّنة من الحيوانات المنوية وبويضات غير مخصبة.
لكي تكتمل عناصر تعريف الإبادة بموجب الاتفاقية، يجب أيضاً إثبات أن الفاعل ارتكب أيّاً من تلك الأفعال بنية خاصة تهدف إلى تدمير المجموعة كلياً أو جزئياً.
تقول اللجنة إنها حللت تصريحات قادة إسرائيليين وتدّعي أن الرئيس إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت «حرضوا على ارتكاب إبادة جماعية».
وتضيف أن «الاستنتاج المعقول الوحيد» الممكن الخروج به من نمط سلوك السلطات وقوات الأمن الإسرائيلية في غزة هو وجود نية إبادة جماعية.
تضمَّن نمط السلوك بحسب اللجنة: قتل وإيذاء عدد غير مسبوق من الفلسطينيين باستخدام ذخائر ثقيلة عن قصد؛ وهجمات منهجية واسعة النطاق على مواقع دينية وثقافية وتعليمية؛ وفرض حصار على غزة وتجويع سكانها.
يؤكد القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون باستمرار أن العمليات العسكرية في غزة تجري دفاعاً عن النفس لهزيمة حماس والفصائل المسلحة الأخرى وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
كما يؤكدون أن القوات الإسرائيلية تعمل وفق القانون الدولي وتتخذ كل الوسائل المتاحة للتخفيف من الأذى الواقع على المدنيين.
لكن في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية قالت بيلاي: «في وقت مبكر من 7 أكتوبر 2023 تعهد رئيس الوزراء نتنياهو بإنزال… “انتقام عظيم” على “كل الأماكن التي تنتشر بها حماس وتختبئ وتعمل فيها، تلك المدينة الخبيثة، سنحولها إلى أنقاض”».
وأضافت أن استخدامه تعبير «المدينة الخبيثة» في ذات التصريح يوحِي بأنه اعتبر مدينة غزة بأسرها مسؤولَة وهدفاً للانتقام، وأنه أمر الفلسطينيين «غادروا الآن لأننا سنتصرف بقوة في كل مكان».
نقلت اللجنة عن تصريحات جالانت بعد أيام من 7 أكتوبر 2023 بأنه «نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف على هذا الأساس». أما هرتسوغ فصرّح بأن «أمة بأسرها هناك مسؤولة».
قالت بيلاي: «استغرق منا جمع جميع الوقائع وإصدار النتائج عامين… الحقائق وحدها هي التي توجهك.» ولا يجوز إدراج هذه الأفعال ضمن اتفاقية الابادة الجماعية إلا إذا جرت بنية صريحة لارتكاب الإبادة.
تؤكد اللجنة أن أفعال القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين “قابلة للنسب إلى دولة إسرائيل”، وأن الدولة تتحمّل المسؤلية عن التقصير في منع الإبادة وعن ارتكابها وعن التقاعس في توقيع عقوبات عليها.
وحذّرت اللجنة أيضاً من أن على جميع الدول التزامات فورية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بـ”منع ومعاقبة جريمة الإبادة”، مستعينةً بكافة الوسائل المتاحة لها. وإذا أخفقت في ذلك فقد تصبح متواطئة.
“لم نبلغ حد تسمية أطراف معينة كمؤامرين مشاركين أو متواطئين في الإبادة. لكن هذا هو عمل اللجنة المستمر. هم سيصلون إلى ذلك”، قالت بيللاي.
في يوليو استقال جميع الأعضاء الثلاثة من اللجنة؛ إذ أرجعت بيللاي، البالغة 83 عاماً، قرارها إلى “العمر والمسائل الصحية وثقل التزامات أخرى متعددة”، بينما اعتبرت بيدوتي أن تقاعدها يشكّل “وقتاً مناسباً لإعادة تشكيل اللجنة”.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية يوم الثلاثاء إنه لا ينبغي استبدالهم ودعت إلى إلغاء اللجنة.
كما اتهمت عدّة منظمات حقوقية دولية وإسرائيلية وخبراء مستقلون لدى الأمم المتحدة وعلماء إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة بحق الفلسطينيين في غزة.
ومع ذلك، تنظر محكمة العدل الدولية في قضية قدمتها جنوب أفريقيا تتهم القوات الإسرائيلية بالإبادة. ووصفت إسرائيل هذه الدعوى بأنها “لا أساس لها مطلقاً” ومبنية على “ادعاءات متحيزة وكاذبة”.