لماذا تتحدى السنغال صندوق النقد الدولي؟ أخبار الديون

الخلاف مع صندوق النقد الدولي
السنغال في صراع مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ عاجلة تحتاجها لسد فجوة كبيرة في ماليتها العامة. الصندوق يطالب بإعادة هيكلة قاسية قبل أن يوافق على تمويل، بينما ترفض السلطات السنغالية، التي هبطت تصنيفاتها مؤخراً إلى مصاف “الأسهم المُشّكَّكة” (junk)، هذا النهج.

تدهور التصنيف والواقع المالي
في مطلع الشهر خفّضت وكالةستاندرد آند بورز (S&P) تصنيف السنغال إلى CCC+ مستندة إلى هشاشة أوضاع المالية العامة. قالت الوكالة في 14 نوفمبر إن مستوى الديون وحجم مدفوعات الفائدة يجعلان المالية العامة عرضة للخطر، لا سيما في غياب برنامج دعم رسمي شامل. بحسب مراجعة التصنيف الأخيرة، قُدِّرت مديونية الدولة بنحو 42.1 مليار دولار أو ما يعادل 119% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2024، باستثناء نحو 9% من الناتج المتأتية من ديون مؤسسات مملوكة للدولة.

جذور المشكلة وتداعيات جائحة كوفيد
منذ 2008 اعتمدت السنغال اعتماداً كبيراً على الاقتراض لتمويل مشاريع بنية تحتية. مع جائحة كوفيد-19 وارتفاع أسعار الفائدة عالمياً، ارتفعت تكلفة الدين بينما تراجعت الإيرادات، فتفاقمت الضغوط المالية.

كشف القصر وتجميد قرض الصندوق
في سبتمبر 2024 أمرت حكومة باسطوف (حزب باستف) بتدقيق الحسابات العامة، فوجدت هيئة مراقبة الحسابات أن الإدارة السابقة بقيادة ماكي سال قد قلّلت عمداً من حجم الديون. قُدّر العجز في الإفصاح بنحو 7 مليارات دولار نتيجة استبعاد التزامات بعض المؤسسات المملوكة للدولة، وكان التقدير القضائي بأن نسبة الدين الحقيقي إلى الناتج أقرب إلى 100% مقارنة بما أُعلن سابقاً عند نحو 70%. تبنّى صندوق النقد هذا الاستنتاج ووصفه بأنه “قرار متعمد” للتستر على حجم الديون، فأوقف برنامج تمويل بقيمة 1.8 مليار دولار كان قد أُقِرّ في 2023. بحلول توقيف البرنامج كان الصندوق قد صرف نحو 700 مليون دولار من إجمالي المبلغ، والآن يخضع المصير لمراجعة مجلس إدارة الصندوق الذي قد يُلزِم الحكومة بإرجاع المبالغ المصروفة إذا قرر رفض مواصلة البرنامج، أو قد يوافق على استمرار الصرف إذا تقبَّل خطتها.

يقرأ  «لماذا تُسبب الزلازل الضحلة دمارًا أكبر من العميقة؟»أخبار الزلازل

حجم العجز وأهداف الحكومة
ترمي الحكومة إلى خفض العجز المالي من 12.6% من الناتج في 2024 إلى 5.4% في العام التالي، ثم إلى نحو 3% بحلول 2027. لكن توقعات S&P أكثر تشاؤماً، فتتوقع عجزاً نسبته 8.1% في العام المقبل و6.8% في 2027، مع ذروة لنسبة الدين إلى الناتج عند 123% قبل أن تنخفض قليلاً لاحقاً.

السياسة والانتخابات
في مارس 2024 فاز باسيرو ديوماي فايي بالرئاسة عن حزب باستف، وقد خاض الانتخابات نيابة عن المعارض أوسمان سونكو الذي استبعد من الترشح لكنه أصبح لاحقاً رئيس وزراء فايي. هذا التحالف السياسي له أثر مباشر على صيغة التفاوض مع الصندوق وعلى الخيارات الاقتصادية المتاحة للدولة.

خيار إعادة الهيكلة ورفض الحكومة
بعثة صندوق النقد بقيادة إدوارد جمايل زارت داكار في أوائل نوفمبر، وصرّح رئيس البعثة بأن الصندوق “منخرط ومصمم على التحرك بأسرع ما يمكن للمساعدة”. مع ذلك، طالبت بعثة الصندوق بإجراء إعادة هيكلة للديون—أي تبادل الديون القديمة بأخرى آجالها أطول أو بفوائد أدنى أو بتخفيض صافي الدين—وهو ما يخفض عبء السداد لكنه غالباً ما يرافقه تقليص الإنفاق العام وبطء في النمو. في اجتماع لمسؤولي حزب باستف في 8 نوفمبر رفض رئيس الوزراء سونكو اقتراح إعادة الهيكلة، متبنّياً موقفاً قد يقيّد الخيارات أمام داكار لسد فجوة التمويل.

المسارات المحتملة والرهان على خطة مالية مقنعة
السيناريو الممكن أمام السنغال الآن يتطلب إقناع صندوق النقد بخطة مالية قابلة للتنفيذ تستعيد الاستقرار المالي من دون إعادة هيكلة. لكن صندوق النقد حذّر من أن مشروع موازنة 2026 يبدو “طموحاً للغاية” ويعتمد على زيادات ضريبية كبيرة، وهو أمر لم يُشاهد من قبل لدى الدولة، لذا طالب بالحذر. ما لم يقدّم الفريق الحاكم برنامج إصلاحي مقنعاً ومقبولاً من الصندوق، فإن إطلاق الشريحة التالية من القرض أو نجاح المفاوضات سيظل غير مضمون.

الآثار الاقتصادية والثقة الاستثمارية
رفض سونكو لاقتراح إعادة الهيكلة أثار توتراً في سوق المستثمرين. من دون التمويل الدولاري للصندوق، ستواجه السنغال عجزاً تمويلياً كبيراً يمكن أن ينعكس على الإنفاق العام والخدمات والاستثمار، كما أن فقدان ثقة المستثمرين سيزيد تكلفة الاقتراض ويحدّ من قدرة الحكومة على الحصول على تمويل خارجي بأسعار معقولة.

يقرأ  مجلس الشيوخ الإيطالي يقرّ إصلاحاً قضائياً مثيراً للانقسامبقيادة جورجيا ميلوني

الخلاصة
السنغال تمرّ بلحظة حرجة: مزيج من ارتفاع الديون، اكتشاف قروض مخفية، وتباين واضح بين رؤية الحكومة ورؤية صندوق النقد حول الحلّ الأنسب. المسار المستقبلي مرهون بقدرة داكار على تقديم برنامج مالي متوازن ومقنع، أو القبول بإجراءات قاسية قد تقلّص الدين لكنها تثقل كاهل النمو والإنفاق الاجتماعي. في كلتا الحالتين، تبقى الأزمة اختباراً لمدى قدرة القيادة الجديدة على إدارة مديونية الدولة واستعادة ثقة المانحين والمستثمرين. يوم الاثنين 10 نوفمبر — أول يوم تداول بعد اجتماع حكومة سونكو — تراجعت سندات السنغال الدولارية المستحقة عام 2031 بنسبة 4% إلى 73.1 دولار. وفي المقابل، هبطت سندات مستحقة في 2048 بمقدار 2.4 سنت لتسجل 60.30 دولار.

«تراجعت السندات بعدما تفاعل اللاعبون في السوق مع طلب صندوق النقد الدولي بإعاده هيكلة»، قال ليوونر إيسترهايزن، محلل شؤون أفريقيا في أوكسفورد إيكونوميكس. «الواضح أن هناك درجة عالية من الضائقة الديونية وقلة آفاق تمويلية من قبل الصندوق في المدى القريب».

«يبدو أن الصندوق يشترط قرضاً جديداً على قبول داكار بخطة لإعادة هيكلة»، أضاف إيسترهايزن لـ”الجزيرة”. «في الوقت الراهن، الحكومة لا تتجاوب… وهذا ما سيطيل أمد الجمود».

دليل آخر على قلق الأسواق هو ارتفاع تكلفة التأمين ضد التخلف عن السداد — على شكل مبادلات تخلف ائتماني — والتي تضاعفت تقريباً في الأيام التي سبقت 12 نوفمبر، إذ صعدت من 750 إلى 1,120 نقطة أساس، أي بزيادة تعادل 3.7 نقطة مئوية.

خلال خطاب في تجمع شعبي في داكار في 11 نوفمبر، قال سونكو بحزم: «السنغال أمة فخورة. لن نتعامل كدولة فاشلة. تعبئة الإيرادات الضريبية أفضل من قبول إعادة هيكلة الديون».

منذ 2020، اضطرت زامبيا وغانا وإثيوبيا وتشاد جميعها إلى إعادة هيكلة ديونها. لكن عملية إعادة الهيكلة الطويلة والممتدة والمعاناة الاقتصادية المصاحبة لها جعلت إعادة كتابة الديون أمراً سيئ السمعة لدى حكومات أفريقية أخرى.

يقرأ  مطالب بتخفيف عاجل لديون إفريقيا مع تفاقم أزمة القطاع العامأخبار الديون

أما كينيا، التي تعاني أيضاً من ضغوط ديونية، فاختارت بدلاً من ذلك في العام الماضي موازنات مكلفة من رفع ضرائب وتقليص الدعم. هدفت الإجراءات إلى تقليص عجز الميزانية، لكنها أشعلت احتجاجات دامية، مما أبرز المخاطر السياسية المرتبطة بسياسات التقشّف.

ملصق انتخابي لمرشح الرئاسة السنغالي باسيرو ديوماي فايي، المدعوم من زعيم المعارضة أوسمان سونكو، في دكار، السنغال، في 20 مارس 2024 [لوك غناجو/رويترز]

كيف أثر ذلك على المشهد السياسي في السنغال؟

سونكو يعارض إجراء إعادة هيكلة مدعومة من صندوق النقد الدولي لأنه «لا يريد تقويض وعد حملته الانتخابية لعام 2024 باستعادة سيادة السنغال»، بحسب بول ميلي، زميل استشاري في برنامج أفريقيا بمجلس التشاتام هاوس.

كما أشار ميلي إلى وجود «توترات» بين سونكو والرئيس فايي. في وقت سابق من الشهر كشف أن حزب سونكو رفض محاولة فايي لقيادة ائتلاف مُجدَّد، وهو ما فُسّر على أنه محاولة لتجميع السلطة.

ومع أن سونكو يشغل منصب رئيس الحكومة تحت فايي، إلا أنه يُنظر إليه على نطاق واسع كفاعل رئيسي في الساحة السياسية، وغالباً ما يصوغ السياسات وفق شروطه الخاصة. «لم يكن سونكو ليقبل أن يكون رئيس وزراء خاضعاً»، قال ميلي لـ”الجزيرة”.

ومن ثم، تمثل الوضعية المالية للبلاد تحدياً سياسياً كبيراً لسونكو. هو لا يزال متمسكاً بخطابه حول «السيادة»، لكنه قد يضطر لفرض تقليصات إنفاقية غير شعبية ليتمكن من مواكبة دفعات الدين.

كيف يمكن للسنغال معالجة مشكلة ديونها؟

خلال الأسابيع الأخيرة، فرضت الحكومة رسومًا جديدة على التبغ والكحول والقمار والتحويلات عبر الهواتف المحمولة التي يستخدمها كثيرون. كما حاولت تقليص نفقات السفر وشراء السيارات كجزء من إجراءات داخلية لخفض الإنفاق.

«توازن دقيق»، قال ميلي. «التوقعات ما تزال مرتفعة رغم أن التحديات الاقتصادية هائلة».

إذا استجابت الحكومة لصندوق النقد الدولي، «قد يؤدي ذلك إلى استياء الناخبين في الانتخابات البلدية المرتقبة في أوائل 2027»، وقد يكون لذلك أيضاً انعكاسات على السلم الأهلي.

أضف تعليق