لماذا تتصاعد الاحتجاجات المناهضة للفساد في الفلبين؟ — تقرير توضيحي

تظاهرة حاشدة في مانيلا تطالب بمساءلة فساد حكومي

تجمع أكثر من نصف مليون فلبيني في العاصمة مانيلا يوم الأحد للمطالبة بمحاسبة متورطين في فضيحة فساد حكومية أشعلت سلسلة احتجاجات منذ أغسطس. تأتي المظاهرة كجزء من احتجاج ثلاثي الأيام نظّمته طائفة Iglesia Ni Cristo (كنيسة المسيح)، وهي قوة دينية وسياسية مؤثرة في البلاد. تحوّل موقف الجماعة هذا يمثل انقلابًا تامًا عن دعمها السابق للرئيس فيرديناند ماركوس جونيور، الذي كانت قد أيّدته في انتخابات 2022.

المطلب المركزي للمحتجين هو إجراء تحقيق “سليم وشفاف” بشأن شبهات سوء استغلال أموال بمليارات الدولارات مخصصة لمشاريع مكافحة الفيضانات أثناء ولاية ماركوس. في الوقت نفسه تكشف التحركات عن تصاعد الصراع السياسي بين ماركوس ونائبته السابقة وحليفته السابقة سارة دوتيرتي، التي لا تزال الجماعة تدعمها. التباعد بين ماركوس ودوتيرتي تحوّل إلى خلاف علني بعد أشهر قليلة من فوزهما الساحق.

الفضيحة شجّعت الاحتقان السياسي وحفّزت دعوات لإقصاء ماركوس قبل انتهاء ولايته عام 2028. يقود الحركة الداعية إلى الإقالة مناصرو دوتيرتي وبعض عناصر داخل INC وجماعات أخرى. تنفي INC مشاركتها رسمياً في مطالب الإطاحة بالرئيس، لكن تواجد أعضائها بكثافة في شوارع مانيلا يجعلها قوة لا يُستهان بها.

خلفية الغضب: بنية تحتية شبحية ومشروعات فاشلة

تزايد السخط الشعبي على ما وصف بـ«البنية التحتية الشبحية» ومشاريع مكافحة الفيضانات منذ أن وضع ماركوس الموضوع في صدارة خطاب حال الأمة في يوليو، عقب أسابيع من فيضانات مميتة. شهدت جلسات استماع برلمانية إفادات تحت القسم من مهندسين حكوميين ومسؤولين في الأشغال العامة ومديرين شركات إنشاءات مفادها أن نواباً ومسؤولين تلقوا عمولات من شركات المقاولات عبر تلاعب في عطاءات المشاريع لضمان عقود مربحة.

تشير بيانات حكومية إلى أن ما يعادل 26 مليار دولار صُرف على برامج مكافحة الفيضانات والتخفيف منها خلال 15 سنة ماضية، وشهدت إفادات المسؤولين أن نحو 25 إلى 30 بالمئة من هذا المبلغ سُوّرت كعمولات. وحتى الآن جمدت السلطات أصولاً تشتبه في صلتها بعمليات الرشوة بقيمة نحو 3 مليارات دولار فقط. التحقيقات المكثفة والتقارير التلفزيونية والجلسات العلنية زادت من حدة الغضب الشعبي، واتُّهِم ماركوس بالتراخي في مواجهة الفساد أو بتسامحه مع حلفائه السياسيين، ومن بينهم ابن عمه رئيس البرلمان السابق مارتن روموالديز.

يقرأ  عامان في القمة — سويتراش، المزود رقم واحد لدى إي إل آي

تصعيد الاتهامات

أطلق نائب برلماني سابق وقيادي سابق للروموالديز، الذي غادر البلاد بعد تورطه المزعوم في اختفاء ملايين الدولارات من أموال البنى التحتية، فيديو يزعم أن ماركوس نفسه متورط، وهو ما وصفته الإدارة بأنه “تكهنات جامحة”.

ضحايا الفيضانات وتعهدات بالإجراءات

تأتي الاحتجاجات أيضاً بعد إعصارين قويين أوديا بحياة أكثر من 250 شخصاً، معظمهم بسبب الفيضانات وفشل أنظمة الحماية. وتعهد ماركوس الأسبوع الماضي بأن تُجرى اعتقالات في ملف الفساد قبل عيد الميلاد، في محاولة لتهدئة الغضب العام.

من هي INC؟

تأسست INC عام 1914 على يد فيليكس مانالو، وهو تحول من الكاثوليكية والميثودية، وتعلن الكنيسة أن عدد أعضائها يقترب من ثلاثة ملايين. بالمقارنة، يقدّر عدد الكاثوليك في الفلبين بحوالي 86 مليون نسمة. تختلف INC عن الطوائف الدينية السائدة في التزامها بالتدخل السياسي المباشر: فهي تؤيد مرشحين في الانتخابات وتحشد أعضائها للتصويت ككتلة واحدة، مما يمنحها نفوذاً انتخابياً واضحاً.

على مدى الأعوام دعمت INC تحالفات رئاسية مختلفة؛ ففي 2022 أيّدت تحالف ماركوس–دوتيرتي، وفي 2016 أيّدت روجيرو دوتيرتي قبل فوزه. وعندما انهار التحالف بين ماركوس ودوتيرتي، وقفت INC إلى جانب دوتيرتي. في يناير الماضي نظمت INC تظاهرة كبيرة في مانيلا ضد إجراءات عزْل نائبة الرئيس دوتيرتي، والتي اعتُبرت تقريبًا بموافقة ضمنية من ماركوس. في عهد ماركوس الأب، كانت الجماعة أيضاً مؤيدة للنظام الحاكم. حتى أن ماركوس أعلن عطلة رسمية غير عاملة للاحتفال بالذكرى الحادية عشرة والثلاثين — خطأ شائع في الإعلام — لمؤسّسة INC في 27 يوليو 2025، في دليل على ثقلها السياسي الكبير، كما لاحظ المحلل السياسي أليكس ماجنو.

مطالب الاحتجاج ووقوع التجمعات

مطالب التظاهرة التي تستمر ثلاثة أيام (16–18 نوفمبر) تتمحور حول تحقيق شفاف ومحايد في قضايا الفساد و”ديمقراطية أفضل”. تقول متظاهرون مثل إدوينا كاماتوي إن “عددًا كبيرًا من الناس يُغرقون بسبب الفساد وبالتالي يموتون”، بينما انتقد مشارك آخر، آريز كورتيز، بطء التحقيقات وانتقائيتها. أُقيم التجمع في مدرج كويرينو قرب خليج مانيلا، وقدّر مكتب إدارة المخاطر في المدينة تجمع نحو 300 ألف محتج صباح اليوم الثاني من الاحتجاجات، فيما أعلنت الشرطة الوطنية الفلبينية عن نشر ما لا يقل عن 15 ألف عنصر طوال مدة التظاهرات. رغم الحضور الكثيف، يؤكد منظمو الاحتجاج أن مطلبهم ليس الإطاحة بماغركوس بل محاسبة المسؤولين وإصلاح النظام. على رغم تزايد الاستياء داخل صفوفهم، أعرب كثيرون عن رفضهم الواضح لرئاسة ماركوس، لا سيما بعد توقيف الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي بموجب أمر من المحكمة الجنائية الدولية.

يقرأ  بدء حالة الطوارئ في بيروالجيش والشرطة ينتشران في شوارع العاصمة

من يقود الاحتجاجات الأخرى ضد ماركوس؟
تجمع نحو 2,000 شخص، من بينهم جنرالات متقاعدون، في مسيرة منفصلة لمكافحة الفساد مساء الأحد قرب نصب “قوة الشعب” في ضاحية كويزون سيتي. وهذه الفئة الأصغر، التي يُعرف كثير من أفرادها بتأييدهم لدوتيرتي، تطالب باستقالة ماركوس من منصبه بشكل صريح.

توقعت الشرطة حضور ما يصل إلى 30,000 متظاهر ضد ماركوس بعد ظهر الاثنين، لكن القنوات المحلية نقلت أن الحضور حتى الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش لم يتجاوز 3,000 متظاهر. والتحالف الوسطي اليساري وحلفاؤه المدنيون والدينيون قرروا مقاطعة التجمع عن سابق تصور، خشية أن يؤدي إلى عودة دوتيرتي إلى المشهد السياسي.

نظم هؤلاء، يوم الأحد، مسيرة منفصلة بعنوان “الجري ضد الفساد” في جامعة الفلبين، كما ينظمون مسيرات أصغر أسبوعياً كل يوم جمعة. أما التحرك الكبير الذي شهدته سبتمبر الماضي، والذي حشد مئات الآلاف، فقادته بالأساس الكتلة الوسطي-اليسارية التي أطلقت على نفسها حركة “مسيرة التريليون بيزو”.

في ذات اليوم أيضاً نجح تنظيم أصغر في إجراء مسيرة بالقرب من القصر الرئاسي، ما أدى إلى حملة قمع شرطة عنيفة أسفرت عن وفاة شخص واحد على الأقل وإصابات واعتقالات بالعشرات.

الكنيسة الكاثوليكية أصدرت خلال الأيام الماضية بياناً دعت فيه إلى الشفافية الحكومية، لكنها حذرت من استخدام وسائل “غير دستورية” لتحقيق العدالة.

إيغليسا ني كريستو شاركت أيضاً في تظاهرة مناهضة للفساد في مِنىلَا في 16 نوفمبر 2025، ضمن تحركات مدنية متعددة الأوجه ضد الفساد.

كيف كانت ردود فعل الحكومة؟
في مقابلة إذاعية الاثنين، وصف المتحدث باسم الرئاسة ديف غوميز المطالبين بإقالة ماركوس بأنهم “مجموعة صغيرة جداً”، وألمح إلى احتمال تورط بعضهم في التحقيق الجاري. وأضاف أن الحكومة تراقب الأشخاص والسلوكيات التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار.

يقرأ  الهند تهزم سريلانكا في السوبر أوفر على أعتاب نهائي كأس آسيا 2025 — أخبار الكريكيت

واستهان غوميز أيضاً باتهامات النائب السابق زالدي كو التي نسبت اتهامات مباشرة للرئيس في قضية الرشوة، مشيراً إلى ما اعتبره ثغرات عديدة في تلك الادعاءات. وفي وقت متأخر من يوم الاثنين أعلن القصر استقالة أمين السر التنفيذي للأنتظام ووزير الميزانية بعد اتهام كلاهما بالصلات بقضية الرشوة.

ما أثر ذلك على حكومة ماركوس الابن؟
الشعب الفلبيني متحد في الغضب من إدارة ماركوس لكن منقسم حاداً بشأن الدعوات لإزاحته من السلطة. يخشى البعض أن تؤدي أي تسوية تأتي عبر تولي نائبة الرئيس سارا دوتيرتي إلى تكرار نفس السياسات، إذ تواجه هي الأخرى اتهامات بالفساد.

الفارق الأيديولوجي الواسع بين قوى المعارضة أعاق توحيد جهودها ضد ماركوس؛ وغالباً ما تُظهر الكتلة الوسطي-اليسارية موقفاً شرساً ضد دوتيرتي أكثر منه ضد ماركوس، مما يضعها في مواقع سياسية معقدة أحياناً.

كما صرح رئيس أركان القوات المسلحة الجنرال روميو براونر الابن قبل تظاهرة بقيادة الكنيسة بأن الجيش لن يساند أي محاولة انقلابية أو تقويض للدستور، ما يقلل من احتمالات إزاحة ماركوس بالقوة.

ما القادم؟
أعلنت حركة “مسيرة التريليون بيزو” التي نظمت احتفال 21 سبتمبر لمكافحة الفساد أنها ستعقد تجمعها في 30 نوفمبر، وهدفت إلى “تحويل حملة دعاء إلى حركة” لملاحقة جميع المتورطين في فضيحة الفساد الجارية. وتُعتبر الحركة مدافعة عن دستور 1987 الذي شكّل أساساً لاستعادة الديمقراطية في البلاد التي يزيد عدد سكانها على 110 ملايين نسمة.

أضف تعليق