لماذا تعتبر روسيا تسليم صواريخ توماهوك الأميركية إلى أوكرانيا خطًا أحمر؟ أخبار دونالد ترامب

روسيا تقول إنها تراقب عن كثب طلب أوكرانيا من الولاات المتحدة الحصول على صواريخ بعيدة المدى من طراز «توماهوك» التي قد تعزز قدرة كييف على ضرب أعماق الأراضي الروسية.

يأتي هذا الطلب في ظل تبدل موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه دعم أوكرانيا في صراعها مع روسيا، بعد تزايد إحباطه من تصعيد الرئيس فلاديمير بوتين رغم عقد لقاءٍ لمناقشة السلام في ألاسكا خلال أغسطس الماضي.

متحدث الكرملين دميتري بيسكوف قال للصحفيين يوم الإثنين إن وصول هذه الأسلحة، إن حصل، «لن يغيّر قواعد اللعبة» بالضرورة، لكنه حذّر من احتمال أن تتجاوز الولايات المتحدة بذلك خطًا أحمر حدده الكرملين فيما يعتبره تدخلاً مباشراً من حلفاء أوكرانيا في الحرب المستمرة. وسأَل بيسكوف: «من سيُطلق هذه الصواريخ؟ هل الأوكرانيون وحدهم أم يجب أن يشارك الجنود الأمريكيون؟ ومن يحدد مهام الضربات والاستهداف: الجانب الأمريكي أم الأوكرانيون أنفسهم؟»

موسكو أكدت سابقًا أن تقديم بيانات استهداف أو معلومات استخباراتية لشن هجمات سيُعتبر تجاوزًا لهذا الخط، وكررت أنها قد تستأنف إنتاج أسلحة نووية متوسطة المدى أو تمركز صواريخ مماثلة على مقربة من الغرب رداً على أي تصعيد. وعلى تيليغرام، حذّر الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف من أن مثل هذا التدخل قد يجرّ إلى حرب «بأسلحة دمار شامل».

فيما يلي ما نعرفه حتى الآن عن موقف الولايات المتحدة من صواريخ توماهوك وما قد تعنيه أي عملية تسليم لكييف:

صورة من خدمة الطوارئ الأوكرانية تظهر فرق إنقاذ في موقع ضربة بطائرة مسيرة قرب مبنى سكني في دنيبرو بتاريخ 20 سبتمبر 2025، في سياق الغزو الروسي المستمر.

الأسلحة التي طلبتها أوكرانيا وكيف ردّت الولايات المتحدة
رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي قال إنه طلب صواريخ توماهوك خلال لقائه ترامب في نيويورك على هامش أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

في عهد إدارة جو بايدن، فرضت الولايات المتحدة قيودًا على استخدام الأسلحة الأمريكية لضرب عمق الأراضي الروسية تفادياً لتصعيد التوترات مع موسكو، وكان مسموحًا لكييف فقط باستهداف مواقع روسية داخل الأراضي المحتلة. لكن زيلينسكي صرّح في مقابلة مع Axios الأسبوع الماضي بأن ترامب أبلغه أن أوكرانيا قد ترد بنفس الأسلوب على الضربات الروسية، مثلاً باستهداف بنى تحتية طاقية إذا استهدفت روسيا موارد الطاقة الأوكرانية.

يقرأ  كيف وصلت هذه العائلة الأفغانية إلى الاحتجاز لدى وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية وسط مأزق بيروقراطي

نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس أكد على شبكة فوكس نيوز أن الحكومة الأمريكية تدرس طلب كييف الحصول على توماهوك، وأن ترامب سيُصدر القرار النهائي. كما قال المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا كيث كيلوج في تصريح منفصل إن الإدارة تسمح بالفعل في حالات محددة لكييف بضرب أعماق داخل روسيا وأن «لا وجود لمناطق آمنة» بالمعنى المطلق.

ما هي صواريخ توماهوك؟
صواريخ توماهوك هي صواريخ كروز دون صوتية بعيدة المدى يمكن إطلاقها من سفن وغواصات أو منصات أرضية. تتميز بقدرتها على الضرب العميق، إذ يمكنها الوصول لمسافات تتراوح بين 1,250 و2,500 كيلومتر. وتحمل رؤوسًا متفجرة عالية الانفجار مصممة لاختراق الأهداف المحصنة مثل الملاجئ العسكرية، كما تتفادى اكتشاف الرادار عبر تحليقها بسرعات دون صوتية عند مستويات منخفضة.

البحرية الأمريكية تستخدم توماهوك منذ السبعينيات، وهي حالياً تُصنَّع حصريًا من قبل شركة آر تي إكس الأمريكية.

لماذا تريد أوكرانيا صواريخ توماهوك؟
كييف طالبت منذ زمن بصواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب أعماق الأراضي الروسية، لكن حلفاءها الغربيين، ومن ضمنهم أعضاء حلف الناتو، تحفّظوا خوفًا من تكريس صراع أوسع. مع مرور الوقت خفّ بعض الحلفاء قيودهم وأتاحوا لأوكرانيا مزيدًا من الحرية في استخدام الأسلحة المزودة لها.

قبل نهاية ولاية بايدن الرئاسية، خفف بعض القيود على استخدام الصواريخ الأمريكية، جزئياً بسبب تصريحات ترامب أثناء حملته الرئاسية بأنه لن يواصل دعم أوكرانيا بنفس الدرجة. في مايو 2023 بدأت بريطانيا تزويد أوكرانيا بصواريخ «ستورم شادو» (المعروفة في فرنسا باسم SCALP)، وهي صواريخ بعيدة المدى تزن نحو 1300 كجم ومداها نحو 250 كيلومتر، وفي أغسطس 2024 سمحت بريطانيا أيضًا باستخدام أسلحتها مباشرة ضد أهداف داخل روسيا. وفي أبريل 2024 أرسلت الولايات المتحدة إلى أوكرانيا نظام الصواريخ التكتيكية للجيش (ATACMS) الذي يمكنه الوصول حتى نحو 300 كيلومتر.

مع ذلك، تبقى قدرات «ستورم شادو» وATACMS محدودة مقارنةً بتوماهوك من حيث المدى وحجم الرأس الحربي. وللتخفيف من قيود الحلفاء، طوّرت أوكرانيا منظومات صاروخية مسيرة محلية، منها الطائرة المسيرة النفاثة «باليانتسيا» التي تقول كييف إنها قادرة على الوصول إلى نحو 650 كم. وفي أغسطس كشفت أوكرانيا عن صاروخ أرضي أسمته «فلامنغو» وتزعم أنه قادر على ضرب مواقع حتى 3,000 كم، رغم أنّه غير واضح ما إذا جرت تجارب إطلاق فعلية.

يقرأ  بوتين يندد بـ«الاستعمار المالي الجديد»عشية زيارته إلى الصين

خلال تعليق لخبيرة من كلية كينغز بلندن، مارينا ميرون، قيل إن بيانات أوكرانيا توحي بأن «فلامنغو» قد يكون له مدى وقدرات تدميرية تفوق توماهوك، وفق التحليلات المتاحة. مع ذلك قالت إنها تدرك أن كييف قد تطلب من الولايات المتحدة صواريخ لأسباب استراتيجية بالأساس، من بينها اختبار رد فعل روسيا. كما قالت ميرون: «قد يكون الهدف أن نرى كيف ستتفاعل روسيا، لأن إطلاق صاروخ من هذا النوع قد يدفع موسكو إلى تصعيد القوة».

ورغم ذلك، يرى المحلّلون أن حصول كيف على صواريخ توماهوك سيغيّر بصورة ملموس قدرة أوكرانيا على الضرب، إذ سيمكنها من الوصول إلى أهداف عميقة داخل العمق الروسي، بما في ذلك قواعد عسكرية ومراكز لوجستية ومطارات ومراكز قيادة.

وأشار كير جايلز، الخبير في الشؤون العسكرية الروسية في معهد تشاثام هاوس، للجزيرة إلى أن هذه الصواريخ ستربك تكتيكات الدفاع الروسية على الخطوط الأمامية. وقال جايلز: «ستكون ضربات عميقة تستهدف منشآت عسكرية هامة، وتمنع روسيا من الاختباء وراء الخطوط الأمامية»، في إشارة إلى تكتيك الجيش الروسي بالتمركز خارج مدى صواريخ أوكرانيا.

ورغم أن ميرون تعترف بأن توماهوك ستلحق ضرراً بروسيا، فقد قللت من أثره الاستراتيجي قائلة: «هل سيجبر ذلك روسيا على الانسحاب من أوكرانيا؟ أشكّ في ذلك».

حتى الرئيس فولوديمير زيلينسكي ألمح إلى أن امتلاك صواريخ بعيدة المدى من الولايات المتحدة قد لا يعني بالضرورة استخدامها، إذ بدا أنها قد تعمل كوسيلة ضغط بحتة لدفع روسيا إلى التفاوض. وفي مقابلة مع Axios قال زيلينسكي: «نحتاجها، لكن هذا لا يعني أننا سنستخدمها. لأن وجودها سيزيد الضغط على بوتين ليجلس ويتفاوض».

كيف قد ترد روسيا إذا أرسلت واشنطن توماهوك إلى أوكرانيا؟
ترى موسكو أن الدعم الغربي لأوكرانيا يشكل «تهديداً بالقوة»، لكن المحلّلين يستبعدون اتخاذها إجراءات جذرية مباشرة. ورغم التهديدات المبطّنة من جانب الكرملين، واصلت الدول الغربية تقديم المساعدات الإنسانية والعسكرية لكييف.

يقرأ  أوكرانيا تتعرض لعدة ضربات روسية وسط مساعٍ تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب— أخبار الحرب الروسية الأوكرانية

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كرر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف موقف بلاده قائلاً إن «تهديدات استخدام القوة ضد روسيا أصبحت متكررة»، وأن «روسيا لم ولن تنوي العدوان، لكن أي عدوان ضد بلادنا سيقابل برد حاسم».

ومن وجهة نظر جايلز، كثيرٌ من تصريحات موسكو تأتي كإستعراض أو وسيلة تخويف، وأن روسيا تحرص خصوصاً على تجنّب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. ومع أي هجوم يتعرّض له عضو في حلف الناتو، يُتوقع أن ترد واشنطن وحلفاؤها. وأشار جايلز إلى أن خيار التصعيد النووي «ليس من مصلحتها»، وأن آخر ما تريد روسيا هو الانخراط في مواجهة مع تكتل موحّد، لا سيما مع الولايات المتحدة، لأنها تدرك مدى الكارثية التي قد تترتب على ذلك.

كيف تستجيب أوروبا لتهديدات روسيا؟
لم يصدر عن قادة أوروبا تعليق موحّد بشأن نقاش صواريخ توماهوك، لكن الاتحاد الأوروبي قلق جرّاء سلسلة من الانتهاكات المتكررة لمجالاته الجوية بطائرات وطائرات من دون طيار روسية.

ففي حادثة حديثة، أغلقت بولندا جزءاً من أجوائها مؤقتاً أثناء ضرب روسي لأوكرانيا، فيما سبق أن أسقطت طائرات بولندية وحليفة للناتو عشرات الطائرات المسيرة الروسية في سمائها في 9 سبتمبر، في أول اشتباك مباشر بين عضو في الناتو وأصول عسكرية روسية منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022.

كما سجّل استونيا دخول ثلاث مقاتلات ميغ-31 روسية «مزوّدة بصواريخ وجاهزة للقتال» إلى مجالها الجوي لبضع دقائق، ما دفعها إلى طلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن وإدانة الحلفاء لموسكو. ودنماركياً، حُظرت رحلات الطائرات المسيرة لأسبوع بعد تكرار رصدها فوق أجوائها، ما أدى إلى إغلاق بعض المطارات مؤقتاً. رومانيا ولاتفيا والنرويج وألمانيا وفرنسا أبلغت أيضاً عن رصد طائرات مسيرة مريبة في سبتمبر.

وفي كلمة بمدينة دوسلدورف، حذر المستشار الألماني فريدريش ميرتس من محاولات موسكو تقويض الوحدة الأوروبية، مؤكداً أن ألمانيا ما زالت ترفض تسليم صواريخ تاوروس بعيدة المدى إلى كييف خشية تصعيد الصراع مع روسيا ولم تغيّر موقفها. وختم ميرتس قائلاً إن أوروبا «ليست في حالة حرب… لكنها لم تعد في حالة سلام» مع روسيا.

أضف تعليق