دعا رئيس وزراء المملكة المتحدة كير ستارمر قادة أوروبا إلى المضيّ أبعد في تحديث الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR)، مؤكداً أن نصوصها الحالية باتت «غير مناسبة للغرض» في ظل موجات الهجرة غير النظامية وصعود أحزاب يمينية متطرفة في عدة دول.
في اجتماع وزراء العدل الذي عقد يوم الأربعاء في ستراسبورج، اتفقت دول أوروبية على إطلاق عملية لتحديث الاتفاقية، بهدف تيسير إجراءات ترحيل المهاجرين غير الموثّقين. وتتصدر بريطانيا أصوات المطالبة بهذه التعديلات، معتبرة أن الحماية التي توفِّرها الاتفاقية—وخاصة ما يتعلق بحظر التعذيب وحماية الوحدة الأسرية—تعقّد قدرة الدول على ضبط حدودها وحماية مؤسساتها الديمقراطية.
ماذا يطالب ستارمر والقادة الأوروبيون؟
ستارمر وحلفاؤه يدعون إلى إحداث استثناءات أو إعادة تفسير قانونية لمواد محددة من الاتفاقية، لا سيما المادة 3 (المتعلقة بمن يواجه خطر التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية في بلده) والمادة 8 (التي تحمي الحياة الأسرية وتستخدم أحياناً كمسوّغ لطلبات لمّ شمل العائلة). الهدف المعلن هو تسهيل إجراءات الطرد لمعظم القادمين عبر طرق غير معتمدة رسمياً، والحدّ من ما يعتبره بعض الحكومات توسعاً قضائياً في تعريفات «الحاجة إلى الحماية».
خلفية بريطانية وسياسات مقارنة
تعاني المملكة المتحدة منذ سنوات زيادة في أعداد اللاجئين والمهاجرين العابرين القنال الإنجليزي على متن قوارب صغيرة، ما جعل الملف الهجري قضية انتخابية مركزية. هذا العام أبرمت لندن صفقة «واحد يخرج، واحد يدخل» مع فرنسا لإعادة مهاجر واحد لا صِلة له بالمملكة مقابل إبقاء آخر يأتي عبر طريق معتمد ويمتلك روابط عائلية أو ارتباطات في المملكة المتحدة؛ إلا أن حالات الإعادة كانت قليلة، وعاد بعض المرحّلين لاحقاً.
في سياق البحث عن سبل أكثر صرامة، أرسلت وزيرة الداخلية شابانا محمود وفداً لدراسة نظام اللجوء والهجرة الدانماركي، الذي يُعدّ من الأكثر تشدداً في أوروبا، ويُقيّد لمّ شمل العائلات ويطيل متطلبات الحصول على الإقامة الدائمة. سياسات كهذه وُصفت من منظمات حقوقية بأنها ترقّي إلى صفّ التصنيف العرقي والتمييز ضد مواطنين من أصول «غير غربية».
ما الذي تعنيه التعديلات للمهاجرين وطالبي اللجوء؟
تضييق نطاق تطبيق المادة 3 والمادة 8 سيجعل من الصعب على كثيرين الاعتماد عليهما كذريعة لوقف الترحيل. هذا يعني زيادة في احتمالات الإعادة حتى في حالات عائلات معقّدة أو قضايا إنسانية دقيقة. مع ذلك، تشير تحليلات إلى أن التأثير العملي للاتفاقية على إيقاف عمليات الطرد قد يكون مبالغاً فيه إعلامياً؛ فالنسبة الكبيرة من حالات الطرد لا تُمنع قانونياً بمقتضى الاعتراضات الحقوقية، وأن نسبة الاستئنافات الناجحة لأسباب حقوقية تبقى محدودة.
القيادة البريطانية ومحاولة احتواء اليمين
التحرك نحو تعديل الاتفاقية يعكس ضغوطاً داخلية قوية على ستارمر، خاصة من قِبل اليمين المتطرف وحزب Reform UK، الذي يطالب بالانسحاب الكامل من الاتفاقية. يأمل ستارمر أن يقدّم مخارج وسياسات أكثر صرامة ترضي ناخبين قلقين دون الوصول إلى خطوة الانسحاب، وبهذا يقلّل من جاذبية خطاب اليمين المتطرف. بحسب محللين، هذا التوازن دفع حكومات أوروبية أخرى إلى اتخاذ مواقف تشدّد من سياسات الهجرة.
الانتقادات الرئيسية
1) تقويض حقوق الإنسان: تحذّر منظمات كبرى—منها منظمة العفو الدولية ومنظمات معنية باللاجئين—من أن استحداث استثناءات للمادة 3 سيمثّل تآكلاً في أحد أرقى الضمانات القانونية التي تحمي حياة وكرامة الأفراد، وأن التخفيف من هذه الحمايات «تراجع أخلاقي» لا حلّ حقيقي للمشكلة.
2) محاكاة سياسات اليمين: نواب يساريون داخل حزب العمال اعتبروا تبنّي سياسات دانماركية نموذجاً خطراً يقارب سياسات اليمين، خصوصاً ما يتعلق بمفهوم «المجتمعات الموازيّة» وقيود لمّ الشمل، ووصف بعضهم هذه الخطوات بأنها عنصرية بطبيعتها.
3) الانحراف عن قيم الحزب التاريخية: يَرى منتقدون أن محاولة احتواء قضايا الهجرة عبر تشديدات أمنية تُبعد حزب العمال عن مبادئ العدالة الاجتماعية والحماية التي لطالما دافع عنها.
دور الردع والمسارات القانونية البديلة
خبراء هجرة يقولون إن الردع جزء من التركيبة لكنه يجب أن يقترن ببدائل قانونية وحماية اجتماعية حقيقية؛ ومن ضمن ذلك فتح مسارات منظمة للوصول—مثل برامج الكفالة الإنسانية ومسارات منظمة من فرنسا—لتحقيق توازن بين الحد من الحوافز للهجرة غير النظامية وتوفير حماية فعّالة لمن يحتاجها.
هل اليمين المتطرف يشكّل تهديداً سياسياً لحزب العمال؟
نعم. صعود أحزاب كـReform UK واستغلالها لقضايا الهجرة جعل من الملف أولوية سياسية لستارمر وحكومته. الخوف من خسارة أصوات لصالح أحزاب يمينية متشددة حدّ من هامش المناورة في تبني سياسات أكثر اعتدالاً أو انسانية، ودفع عدة حكومات أوروبية إلى تشديد مواقفها لتأمين دعم الناخبين.
خلاصة
السعي لتحديث الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان يعكس تلاقحاً بين ضغوط انتخابية داخلية وخطاب أمني حول الهجرة، ويثير صراعاً محورياً بين السعي لضبط الحدود وبين الحفاظ على مكتسبات حقوقية اعتُبرت طوق نجاة للأفراد المعرضين للخطر. التعديلات المطروحة قد تغيّر واقع الكثيرين، لكن منسوب التأثير القانوني والعملي يظل موضوع نقاش بين صانعي السياسات والمنظمات الحقوقية.