لماذا تُسامِح الولايات المتحدة الصين وتشدّ الخناق على الهند بسبب استيراد النفط الروسي؟

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هدد بفرض عقوبات جديدة على روسيا وبـ«عقوبات ثانوية» على الدول التي تشتري الخام الروسي في محاولة للضغط لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

بينما فرض ترامب في وقت سابق شهر تعريفًا إضافيًا بنسبة 25% — ليصل الإجمالي إلى 50% — على واردات الهند مبرراً ذلك باستمرارها في استيراد النفط الروسي، لم يتخذ إجراءات مماثلة ضد الصين، التي تُعد أكبر مستورد للطاقة الروسية.

من يشتري نفط روسيا وكيف يريد ترامب منعه؟
الصين، بوصفها أكبر مشترٍ للنفط الروسي، استوردت نحو 109 ملايين طن من الخام العام الماضي، بما يمثل نحو 20% من وارداتها الطاقية الإجمالية، بحسب بيانات الجمارك الصينية. بالمقابل، استوردت الهند حوالي 88 مليون طن في 2024. لذلك تُعتبر الصين بمثابة شريان اقتصادي حيوي لروسيا، ما أدى إلى اتهامات بأنها تساعد موسكو بصورة غير مباشرة في حربها على أوكرانيا، التي دخلت الآن عامها الرابع.

يُدفع في أروقة الكونغرس مشروع قانون يُسمى «قانون معاقبة روسيا 2025» يستهدف أي دولة تشتري النفط والغاز الروسي. بموجب المشروع سيُمنح الرئيس سلطة فرض تعريفات جمركية تصل إلى 500% ضد دول يُنظر إليها كمُعينة لروسيا، ويُقال إن أعضاء مجلس الشيوخ ينتظرون موافقة ترامب لتحريك المشروع.

لماذا لم يفرض ترامب تعريفات جديدة على الصين؟
عندما سُئل من قبل قناة فوكس نيوز في 15 أغسطس عما إذا كان يفكر بفرض عقوبات ثانوية على بكين بعد فشل محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول وقف إطلاق النار في ألاسكا، أجاب ترامب: «حسنًا، بسبب ما حدث اليوم، أعتقد أنني لا أحتاج للتفكير في ذلك الآن». وأضاف أنه قد يراجع الأمر بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، لكنه لا يرى حاجة لاتخاذ قرار فوري.

يرجح المراقبون أن ترامب يكسب وقتًا لإتمام مفاوضات حول اتفاق تجاري أوسع قد يشمل المعادن الأرضية النادرة. هذه العناصر السبع عشر ضرورية لصناعات عديدة من قطع غيار السيارات إلى الطاقة النظيفة والتكنولوجيا العسكرية، وتسيطر الصين منذ زمن طويل على استخراجها ومعالجتها. وبما أن كثيرًا من الصناعات الأمريكية تعتمد على هذه المواد الصينية، فإنها تشكل محورًا أساسيًا في محادثات التجارة.

يقرأ  كيف شكّلت خريطة المكتب البيضاوي تصور ترامب لحرب أوكرانيا

لدى ترامب أسباب إضافية لتسهيل التعامل مع الصين مقارنة بالهند؛ فهو حريص على تجنّب ارتفاع مفاجئ في التعريفات قبل موسم تسوّق عيد الميلاد في ديسمبر، حين يقوم تجار التجزئة الأمريكيون بتخزين بضائعهم من الصين. وفي الأسابيع الأخيرة اتخذ خطوات لخفض نقاط الاحتكاك التجاري، ومنها تليين قيود التصدير لبعض أشباه الموصلات المتقدمة — مطلب رئيسي للصين. في 11 أغسطس سمح ترامب لشركة نفيديا ببيع رقائق متقدمة إلى الصين بشرط أن تدفع 15% من مبيعاتها هناك للحكومة الفيدرالية، إذ كان قد حظر الصفقة سابقًا.

دافع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أمام شبكة CNBC عن قرار عدم فرض عقوبات ثانوية على الصين، مشيرًا إلى أن حصة الصين من النفط الروسي كانت 13% قبل الحرب وارتفعت الآن إلى 16% — ما يعني أن الصين لديها مصادر نفطية متنوعة. وأكد أن الصين لم تمارس نوع «التحكُّم في الأسعار» أو «الاستغلال» (arbitrage) بالكيفية التي مارستها الهند.

اتهامات للهند بالاستفادة المفرطة
اتهم بيسنت الهند بـ«الاستفادة المالية»، مشيرًا إلى أن واردات الهند من النفط الروسي كانت أقل من 1% قبل الحرب، لكنها وصلت الآن إلى نحو 42% — ما أسماه «التحكُّم الهندي» في شراء النفط الروسي الرخيص ثم إعادة بيعه كمنتج مصفى. وأضاف أن بعض العائلات الثرية في الهند حققت أرباحًا فائضة تُقدّر بـ16 مليار دولار.

في الأيام الأخيرة اتهم مستشار التجارة في البيت الأبيض بيتر نافارو الهند بأنها تموّل حرب روسيا في أوكرانيا، فيما وصف ستيفن ميلر، نائب رئيس الطاقم في البيت الأبيض، شراء نيودلهي للخام الروسي بأنه «غير مقبول».

ماذا قال مسؤولون آخرون؟
في 12 أغسطس امتنع نائب الرئيس جدي فانس عن التأكيد ما إذا كان ترامب سيُقدِم على إجراءات ضد بكين كما فعل مع نيودلهي، موضحًا أن قضية الصين «أكثر تعقيدًا لأن علاقتنا معها تؤثر على أمور كثيرة لا علاقة لها بالموقف الروسي».

يقرأ  إير كندا تبدأ في إلغاء الرحلات تحسباً لإضراب قد يؤثر على مئات الآلاف

وحذر وزير الخارجية ماركو روبيو من أن أسعار الطاقة قد ترتفع إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات ثانوية على الصين بسبب تكريرها للنفط الروسي. وقال في مقابلة مع فوكس نيوز: «إذا فرضت عقوبات ثانوية على دولة — لنفترض أنك ستستهدف مبيعات النفط الروسي إلى الصين — فالصين ببساطة تقوم بتكرير ذلك النفط…» (انقطع الاقتباس). «يُباع ذلك النفط بعد ذلك في السوق العالمية، وأي من يشتريه سيدفع ثمنه أعلى».

في غضون ذلك، قالت سفارة بكين في واشنطن إن تجارة الصين مع روسيا تندرج ضمن إطار القانون الدولي.
«المجتمع الدولي، بما في ذلك الصين، أجرى تعاوناً طبيعياً مع روسيا في إطار القانون الدولي»، قال ليو بنغيو، المتحدث باسم السفارة، في 6 يوليو.

كيف ستؤثر الرسوم الجمركية المشددة على الاقتصادين الأميركي والصيني؟

اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، وما قد يترتب عليه من تخفيف للعقوبات على روسيا، سيُضفي مزيداً من الاستقرار على النظام الدولي وسيشكّل دفعة لاقتصاد الصين، لا سيما بعد بيانات يوليو الهادئة نسبياً.

الشهر الماضي تباطأ نموّ الاقتضاد الصيني مع تراجع نشاط المصانع والاستثمار ومبيعات التجزئة مقارنةً بيونيو، ما يشير إلى أن تداعيات تعريفات ترامب تلقي بظلالها على الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وفي مكان آخر، ارتفعت نسبة بطالة الشباب في الصين إلى أعلى مستوى لها خلال 11 شهراً في يوليو، إذ سجّلت نسبة البطالة الحضرية للفئة العمرية 16–24، باستثناء الطلبة، 17.8% مقابل 14.5% في يونيو.

أليشيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصادية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك ناتيكسيس في هونغ كونغ، قالت للجزيرة إن «الشروخ بدأت تظهر في الاقتصاد الصيني والصورة العامة ليست مشجعة». وأضافت أن «البنوك والشركات الصينية كانت تستعد لاحتمال فرض عقوبات ثانوية منذ وقت طويل. لقد بدؤوا يشعرون بالقلق من هذا خلال إدارة بايدن».

يقرأ  هل هناك من داخل إسرائيل يؤيّد خطة تصعيد هجومها على غزة؟— أخبار بنيامين نتنياهو

في السنوات الأخيرة كثفت بكين جهودها لتنويع طرق التجارة وبناء عدد أكبر من المنتجات الاستراتيجية محلياً، مما يجعل اقتصادها «أصعب خنقاً عبر عقوبات مرتفعة أو ثانوية»، بحسب غارسيا هيريرو. وشدّدت قائلة: «من الواضح أنه بالنظر إلى المستوى العالي لواردات السلع من الصين إلى الولايات المتحدة، فإن الرسوم الأعلى سترفع أيضاً التضخم للمستهلك الأميركي».

في العام الماضي، بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين 295.4 مليار دولار، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 5.8% عن عام 2023.

ما هي حالة التجارة بين الولايات المتحدة والصين حالياً؟

في 12 أغسطس، مدّت الولايات المتحدة والصين توقفاً سابقاً على الرسوم الجمركية — وتجنبتا حرباً تجارية شاملة — لمدة 90 يوماً. ومع هذا التمديد، أُرجئت فرض رسوم أميركية أعلى على الصين حتى 10 نوفمبر، مع بقاء جميع بنود الهدنة الأخرى على حالها.

اتفقت الدولتان على أول توقف للرسوم في 11 مايو. في أبريل فُرضت رسوم نسبتها 145% على بضائع صينية بينما ردّت بكين برسوم مقابلة بنسبة 125% على الصادرات الأميركية — وهي نسب قاربت على إقامة حظر تجاري فعلي بين البلدين.

دفعت الرسوم العالية إلى تقلص العجز التجاري الأميركي مع الصين ليبلغ أضيق مستوياته منذ 2004 في يونيو، وفق بيانات مكتب التعداد الأميركي. فقد انخفضت فجوة التجارة الأميركية مع الصين بمقدار 22.2 مليار دولار من مارس إلى أغسطس، ما يعادل هبوطاً بنسبة 70% مقارنةً بالعام السابق.

لكن هدنة مايو المتفق عليها في جنيف خفّفت من حدة التوتر عبر خفض مؤقت للرسوم الأميركية على الواردات الصينية إلى 30%، بينما تراجعت الرسوم الصينية على الصادرات الأميركية إلى 10%. كما وافقت بكين على استئناف تصدير بعض المعادن الأرضية النادرة.

«أعتقد أن هناك صفقة من نوع ما قريبة»، قالت غارسيا هيريرو. «ليس أمراً دراماتيكياً، لأن مستويات الثقة لدى الطرفين منخفضة. لكن الولايات المتحدة والصين بحاجة إلى بعض الأخبار الإيجابية وإلا فستواجهان اصطداماً بجدران اقتصادية».

أضف تعليق