لماذا رفضت الهند تسلّم كأس آسيا بعد فوزها على باكستان؟

توتّر بين الهند وباكستان أشعل عالم الرياضة يوم الأحد، بعد أن رفض منتخب الهند في الكريكيت استلام كأس بطولة آسيا عقب فوزه على الجار بأقل من خمس ويكيت في النهائي الذي أقيم في دبى.

لماذا رفضت الهند استلام الكأس؟
رفض المنتخب الهندي استلام الكأس لأن مراسم التسليم أداها محسن نقوي، رئيس مجلس كأس آسيا للّعبة (ACC) ورئيس مجلس إدارة اتحاد الكريكيت الباكستاني (PCB)، والذي يشغل أيضاً منصب وزير الداخلية الفيدرالي في باكستان. قال ديفاجيت سايكيا، رئيس مجلس رقابة الكريكيت في الهند (BCCI)، لوكالة ANI إنّ القرار اتُّخذ «بعدم قبول كأس آسيا من رئيس ACC الذي يصنّف أيضاً كأحد القيادات السياسية البارزة في باكستان». وأضاف بأن ذلك لا يعني أن الرجل سيأخذ الكأس معه «مع الميداليات»، معبّراً عن أمله بأن تُعاد الكأس والميداليات إلى الهند في أقرب وقت ممكن.

ماذا جرى خلال حفل تسليم الجوائز؟
انتهت المباراة قرابة العاشرة والنصف مساءً (18:30 بتوقيت غرينتش)، لكن مراسم تسليم الجوائز تأخّرت حتى منتصف الليل تقريباً. بدا محسن نقوي في لقطات التلفزيون يتحدّث مع مسؤولي المباراة، وبعد تجهيز المنصة أُزيل كأس البطولة من على العارضة المرتفعة بلا تفسير واضح. استلم بعض اللاعبين الهنود جوائز فردية من شخصيات أخرى على المسرح، وكان نقوي على المسرح حينها، غير أن اللاعبين لم يقوموا بتحيته كما لم يصفق هو لهم. استلم قائد المنتخب الباكستاني سلمان آغا شيك المركز الثاني من نقوي.

قال سيمون دول، اللاعب النيوزيلندي السابق ومقدّم حفل ما بعد المباراة، إنه أُبلغ من قبل ACC بأن فريق الهند «لن يتسلّم جوائزه هذا المساء»، ثم أعلن انتهاء الحفل. احتفل الفريق الهندي بطريقة رمزية متخيّلاً أنه يرفع الكأس. لم يؤكد المسؤولون مكان الكأس حالياً؛ عادة ما يحتفظ منظمو البطولة بالكأس حتى يُسلم للفائزين، وحتى وقت متأخر من ليلة الأحد لم يكن الكأس قد وُسّل إلى الهند.

تصريحات قائد الهند
عبّر قائد الهند سورياكومار ياداف عن استغرابه قائلاً إنه لم يشهد منذ أن بدأ متابعة ولعب الكريكيت أن يُحرم فريق بطل من كأسه بعد مجهود كبير. وأضاف أن قرار رفض الكأس كان قرار الفريق ولا أحد ألزمه عليه.

يقرأ  الجيش الكولومبي يحرر ٢٧ جنديًا مخطوفًا.. وعشرات الجنود لا يزالون محتجزين — أخبار الجماعات المسلحة

خلفية الصراع
تدهورت علاقات الهند وباكستان منذ سنوات، واشتدّت بعد هجوم 22 أبريل في موقع سياحي بولاية جامو وكشمير التي تدار من الهند، والذي أودى بحياة 26 شخصاً فيباهالغام. تبنّت جماعة تُدعى «جبهة المقاومة» (TRF) المسؤولية، وهي مجموعة تطالب باستقلال كشمير، فيما تتهم نيودلهي الجبهة بأنها فرع من جماعة «لشكر طيبة» التي تتخذ مقراً في باكستان — اتهام تنفيه إسلام آباد. عقب الهجوم خفّضت الدولتان تمثيلهما الدبلوماسي، وعلّقت الهند مشاركتها في معاهدة مياه إندوس. في السابع من مايو شنت الهند ضربات صاروخية متعددة استهدفت مواقع في باكستان والأراضي الباكستانية المُدارة، في حملة أطلقت عليها اسم «عملية سندور»، وذكرت أنها ضربت تسعة أهداف بينما قالت باكستان إنّ عشرات المدنيين قُتلوا. وردّت باكستان في العاشر من مايو بـ«عملية بونيان مارصوص» مستهدفة مواقع هندية عدة وأدّت وفق بيانات هندية إلى مقتل خمسة جنود على الأقل. في اليوم نفسه تمّ التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أعلن عنه رئيس الولايات المتحدة آنذاك دونالد ترامب.

توترات كروية متصاعدة
لم تكن المواجهة في الدوري مجرد حادث عابر، بل ذروة أسابيع من التوتر داخل إطار بطولة آسيا. ضغوط سياسية داخل الهند دعت لعدم خوض مباريات مع باكستان، وهاجمت قنوات مؤيدة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي قرار الـBCCI بالمشاركة في كأس آسيا إلى جانب باكستان. برّرت الهيئة مشاركتها بأن الحكومة الهندية تمنع المباريات الثنائية مع باكستان لكنها تسمح بمواجهة الفرق الباكستانية ضمن بطولات متعددة الدول. في نهاية المطاف واجهت الهند باكستان ثلاث مرات خلال المسابقة وفازت في جميع المواجهات، لكن اللاعبين رفضوا مصافحة خصومهم الباكستانيين، ما أثار انتقادات من جانب باكستان.

حالات فردية وتصعيد لفظي
بعد المباراة الأولى في 14 سبتمبر أهدى ياداف الفوز للقوات المسلحة والضحايا في باهالغام، قائلًا إنّهم «مع الضحايا وعائلاتهم». من جهته ردّ الرامي الباكستاني هاريس راف على سخرية الجمهور الهندي بإشارة «6-0» بيديه وتمثيل إسقاط طائرة، في إشارة إلى مزاعم باكستان بأنها أسقطت طائرات هندية خلال الاشتباكات في مايو — وهو ما اعترفت الهند بأن طائراتٍ هندية سقطت منه لكن بدون تحديد عدد دقيق. وبعد المباراة الثانية احتفل السريع الباكستاني صاحبزادة فرحان بوصوله إلى خمسين بفعلٍ أثار استياء بعض المشجعين الهنود حين حمل مضربه وكأنه رشّاش ومثل إطلاق النار.

يقرأ  كييف في حداد بعد الضربات — الحلفاء يتباحثون حول تقديم دعمٍ عسكريٍ

الخلاصة
ما حدث في دبي هو انعكاس واضح لتدوّخ العلاقات السياسية والأمنية بين البلدين التي امتدّت الى الملاعب، حيث تحوّلت مباراة رياضية إلى ميدان لتبادل الرسائل السياسية والرمزية ورفض تقاليد الاحتفاء الرياضية التقليدية. هجوم باهالجام
في الهجوم الذي وقع في باهالجام سأل المسلحون السياح إذا كانوا مسلمين، ثم أطلقوا النار على من لم يكونوا من أتباع الدين الإسلامي.

نقطة فارق صامتة
يوم الأحد، وصل فرحان إلى علامة الخمسين مرة أخرى، لكنه احتفل بإنجازه بهدوء سامتًا على نحو يعكس حساً شخصياً مختلفاً عن الاحتفالات الصاخبة.

سلوك نقوي وردود الفعل الهندية
أثارت تصرفات شعيب نقوي تساؤلات في الهند، لا سيما أنه يتولى رئاسة اتحاد الكريكيت الآسيوي بينما يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس الكريكيت الباكستاني؛ ومن المتوقع أن يكون محايداً بصفته رئيس الـACC، لكن موقعه المزدوج أعطى لخطواته أبعاداً سياسية. عندما رفض المنتخب الهندي مصافحة المسؤولين عقب المباراة الأولى، كتب نقوي على منصة X رسالة انتقدت ما وصفه بنقص الروح الرياضية، فيما ردت الهند بتباعد واضح عن الاحتفاء به وتولّي تسليم الكأس.

في منشور لاحق بتاريخ 15 سبتمبر كتب نقوي: «لا شيء أهم عندي من شرف وهيبة بلادي»، مرفقاً رمزية العلم الباكستاني.

ماذا قال القادة؟
نشر رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي على منصة X بعد المباراة عبارة تحمل وسمًا أقرب إلى النبرة الاحتفالية العسكرية: «#عملية_سندور على أرض المباراة. النتيجة نفسها — الهند تنتصر! تهانينا للاعبي منتخبنا.»
واستشهد نقوي بهذه التصريحات ليرد قائلاً: إن تحويل مفردات الحرب مقياساً للفخر لا يمحو هزائم تاريخية سجلتها الوقائع أمام باكستان، وأن جرّ الحرب إلى الرياضة يشي باليأس ويهين روح اللعبة.

الكريكيت كجسر دبلوماسي
لم تكن العلاقات الرياضية دائماً ساحة للتصادم. على مر عقود استُخدمت المباريات بين الهند وباكستان كأداة دبلوماسية لتخفيف التوتر وتهيئة مناخ عام للحوار. أصل مفهوم «دبلوماسية الكريكيت» يُنسب غالباً إلى فترة حكم محمد ضياء الحق في باكستان (1978–1988)، حين استخدم تبادل الزيارات الرياضية كوسيلة للاقتراب السياسي.

يقرأ  الدنمارك تعتذر لضحايا الإينويت في غرينلاند الذين أُجبروا على استخدام وسائل منع الحمل

في فبراير 1987 زار ضياء الحق الهند لمتابعة مباراة اختبار رغم توتر كبير بشأن كشمير، وفي يناير 1999 شهدت تشيناي مباراة متوترة انتهت بتصفيق جماهيري هتّافاً بعد أن أدار لاعبو باكستان لفة الشرف، مما أبرز دور اللاعبين كرموز للدبلوماسية العامة. بين 2003 و2008 بلغت دبلوماسية الكريكيت ذروتها، وزار بيرفيز مشرف في أبريل 2005 الهند لحضور محادثات مع مانموهان سينغ وحضرا سوياً مباراة كريكيت. وفي مارس 2011 دعا سينغ رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا غيلاني لحضور نصف نهائي كأس العالم بين المنتخبين، فلبّى الدعوة وزار الهند.

هل كان رفض الهند مستغرباً؟
يرى محللون أن ما جرى يوم الأحد كان متوقعاً إلى حد كبير. الجهات المنظمة أعلنت أن نقوي، كرئيس للـACC، سيتولى تسليم الكأس، وكانت ردّة فعل الهند — رفض المصافحة أو قبول الكأس من نقوي — متوقعة في ضوء التوترات الراهنة.

يقول الباحث ماثيو جون مولّاكاتو، الذي تناول في دراسته للدكتوراه موضوع دبلوماسية الكريكيت: «غالباً ما يُقال إن السياسة الدولية والرياضة يجب أن تظلّا منفصلتين، لكن التطبيق العملي على أرض الواقع أصعب بكثير». وأضاف أن التوترات الجارية بين البلدين كانت تُحتّم ظهور هذه الشقوق حتى في ساحة الرياضة. أشار مولّاكاتو أيضاً إلى أن قائد المنتخب الهندي ياداف أعلن تبرعه بكامل مكافأة المباراة للجيش الهندي، وبيّن أن الفريق أوضح موقفه: هم فخورون بالفوز، لكنهم لن يقبلوا الكأس من نقوي بسبب الخلافات والقضايا العالقة بين البلدين.

دلالات أوسع وخاتمة
موقف الهند يعكس رغبة أوسع في الابتعاد على المستويين الرمزي والسياسي عن باكستان — في التجارة، السياسة، الحدود، وحتى الرياضة — إلى حين اقتناع نيودلهي بخطوات واضحة من جانب إسلام آباد لوقف ما تصفه بدعم الإرهاب عبر الحدود؛ وتكرر باكستان رفضها لهذه الاتهامات. مع ذلك يرى مولّاكاتو أن نهاية كأس آسيا بهذه الصورة «تقوّض أي نتائج دبلوماسية إيجابية كان من الممكن أن تثمر عن البطولة».

أضف تعليق