تدخّل الحكومة الهولندية للسيطرة على مجموعة «نيكسبيريا»
ما أُعلن
أفادت وزارة الشؤون الاقتصادية الهولندية أنها استندت يوم 30 سبتمبر إلى «قانون توافر السلع» واستكفت بصيغة استثنائية لاستصدار أمر تدخّل بهدف تولي السيطرة الفعلية على شركة نيكسبيريا، المملوكة لمجموعة وينغتيك الصينية. يتيح هذا القانون للحكومة التدخّل في شركات مملوكة للقطاع الخاص في حالات استثنانية، إذما دعت الضرورة لحماية الأمن الاقتصادي أو لضمان استمرار توفّر سلع حيوية.
لماذا جرى التدخّل؟
جاء القرار بعد جلسة استماع طارئة أمام غرفة الشركات الهولندية في 7 أكتوبر، التي أبدت مخاوف من «أسباب مبررة للشك في جودة الإدارة» تحت قيادة الرئيس التنفيذي السابق تشانغ شيوتشنغ، وفق بيان للشركة. وزارة الشؤون الاقتصادية اعتبرت أن ثمة «قصورًا إداريًا خطيرًا» في نيكسبيريا يهدد استمرارية وحفظ المعرفة والقدرات التكنولوجية الحسّاسة على الأراضي الهولندية والأوروبية، وأن فقدان هذه القدرات قد يعرض الأمن الاقتصادي الهولندي والأوروبي لمخاطر.
ما الذي سيحصل الآن؟
بحسب الأمر الحكومي، يمكن الاستمرار في العمليات الإنتاجية العادية للشركة، لكن السلطات ستملك صلاحية حظر أو عكس قرارات داخلية إذا اعتُبرت مضرة بمصالح الشركة أو بمكانتها كشركة هولندية/أوروبية أو بالمحافظة على سلسلة القيمة الاستراتيجية لأوروبا. كما أتاح الأمر للجهات المعنية الطعن عليه قضائيًا. وفرضت الحكومة قيودًا لمدة سنة تمنع نقل أصول الشركة أو إقالة مدراء تنفيذين أو اتخاذ قرارات جوهرية بدون موافقة صريحة من الدولة.
من هي نيكسبيريا وكيف ردّت؟
نيكسبيريا شركة عالمية لصناعة أشباه الموصلات مقرها نايميخن بهولندا. جذورها تعود إلى عمليات فيليبز في أوائل القرن العشرين، ثم تحوّلت إلى NXP التي انفصلت في 2006، وبعد سلسلة من الصفقات استحوذت عليها مجموعة وينغتيك في 2018 بمبلغ نحو 3.63 مليار دولار. تشير مواقع الشركة إلى أنها توظف نحو 12,500 شخصًا في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وتدير منشآت تصنيع تمتد لأكثر من 80,000 متر مربع بطاقة إنتاجية تتجاوز 50 مليار مكوّن سنويًا، إلى جانب مراكز مبيعات وبحث وتطوير في الصين.
أعلنت نيكسبيريا تعليق تشانغ، مؤسس وينغتيك، من منصب مدير ورفع صلاحياته كرئيس تنفيذي، وتعيين ستجان تيلغر، المدير المالي، مديرًا تنفيذيًا مؤقتًا. وأكدت الشركة ثقتها في استمرار سير عملياتها اليومية بصورة طبيعية، بينما أوضح بيانها أن الجمع بين سلوك تشانغ ومخاوف توافر منتجات أشباه الموصلات في هولندا وأوروبا هو ما دفع الحكومة لإصدار الأمر الاستثناني بموجب قانون توافر السلع.
خلفية أوسع: تصاعد التوترات التكنولوجية
في السياق ذاته، شدّدت الصين في 9 أكتوبر ضوابط الصادرات على المعادن النادرة الحيوية مستندةً إلى مصالح الأمن القومي، مع إلزام الشركات الأجنبية بالحصول على موافقات لاستخدام وتصدير هذه المواد أو المنتجات التي تحتويها. أثار ذلك تهديدًا بأن تفرض الولايات المتحدة، بحسب تصريحات آنية، رسومًا جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية.
تُستَخدم المعادن النادرة في تصنيع الهواتف والسيارات الكهربائية والأسلحة، ولها دور محوري في تصنيع أشباه الموصلات الضرورية لتقنيات الذكاء الاصطناعي. من جانبها، فرَضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في السنوات الأخيرة قيودًا على وصول الصين إلى تقنيات أشباه الموصلات الغربية، خشية أن تُعاد هندسة هذه التقنيات وتُستخدم لتسريع التقدّم التكنولوجي الصيني. في 2022 فرضت إدارة الرئيس السابق قيودًا موسّعة على وصول الصين إلى أشباه الموصلات والأدوات الداعمة لصناعة الشرائح، وتم تشديد هذه القيود في أكتوبر 2023 وديسمبر 2024.
في تطور ذي صلة، مدّد مكتب الصناعة والأمن الأمريكي في 29 سبتمبر 2025 قيود تصدير الولايات المتحدة لتشمل جميع الشركات التي يملكها أو تسيطر عليها، بنسبة 50% أو أكثر، كيان واحد أو أكثر مدرجين في «قائمة الكيانات» الأمريكية، وهي لائحة تشمل مؤسسات وكيانات أجنبية تُعد عرضة للمشاركة في أنشطة تتعارض مع الأمن القومي أو السياسة الخارجية الأمريكية، وتُخضع هذه الكيانات لعقوبات أو قيود تصدير أو متطلبات ترخيص. بينما لم تُدرَج نيكسبيريا نفسها على القائمة، أُضيفت شركة وينغتيك في ديسمبر 2024.
في 4 أكتوبر أعلنت وزارة التجارة الصينية قيود تصدير تمنع نيكسبيريا الصين ومقاوليها الفرعيين من تصدير بعض المكونات الجاهزة والتجميعات الفرعية المصنّعة في الصين.
«تعمل نيكسبيريا حالياً على الانخراط مع السلطات الصينية للحصول على إعفاء من هذه القيود وقد وفّرت كل الموارد المتاحة لهذا الغرض»، جاء في بيان الشركة.
«وبينما اتخذت نيكسبيريا التحضيرات الكافية لضمان استمرارية الأعمال — ووفقاً لقواعد مكتب الصناعة والأمن (BIS) التي تنص على مهلة سماح تبلغ 60 يوماً — نحن واثقون ان حلّاً سيُعثر عليه»، قالت نيكسبيريا في بيانها يوم الثلاثاء.
مضاعفةً على ذلك، وفي وقت سابق من العام فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 145% على واردات صينية إلى الولايات المتحدة، وردت الصين برسوم بنسبة 125% على بضائع أميركية. وخفّضت الدولتان بعد ذلك رسومها لمدة 90 يوماً في مايو لإتاحة مجال للمباحثات التجارية. وفي أغسطس اتفقتا على وقف آخر لمدة 90 يوماً، وأُجريت أحدث جولة من المباحثات بين مسؤولين أميركيين وصينيين في إسبانيا الشهر الماضي.
إلى جانب ذلك، فرضت الولايات المتحدة قيوداً على بيع معظم السيارات الصينية في السوق الأميركية، شملت رسوماً عالية على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين.
وبالإضافة إلى الرسوم الجمركية الاعتيادية المستحقة على السيارات بنسبة 10%، أعلنت الاتحــاد الأوروبي العام الماضي سلسلة من الرسوم الإضافية على السيارات الكهربائية، تراوحت بين 7.8% لسيارات تسلا و35.3% على سيارات الشركة الصينية المملوكة للدولة SAIC (شركة شنغهاي لصناعة السيارات).
كيف ردّت وينغتيك والصين على إعلان الحكومة الهولندية؟
أصدرت وينغتيك بياناً على وسائل التواصل الاجتماعي قالت فيه إنها «تعارض بقوة تسييس القضايا التجارية».
ووصف المنشور تحرّك الحكومة الهولندية بأنه «تدخل مفرط يستند إلى تحيّز جيوسياسي بدلاً من تقييم مخاطر قائم على الوقائع»، وأن القرار مبني على «ذرائع لا أساس لها تتعلق بالأمن القومي».
هبطت أسهم وينغتيك بنسبة 10% في بورصة شنغهاي منذ الإعلان، ما اضطر الشركة إلى تقديم توضيح للبورصة قالت فيه إن قرار الحكومة الهولندية «يقيّد مؤقتاً» سيطرتها على نيكسبيريا.
قال لين جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، يوم الإثنين إن بكين «تعارض دوماً توسيع مفاهيم الأمن القومي وتطبيق ممارسات تمييزية تستهدف شركات من دول معيّنة».
«وعلى الدول المعنية أن تلتزم فعلاً بمبادئ السوق وتتجنب تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية»، أضاف المتحدث.
كيف تفاعل الآخرون؟
قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أولوف جيل إن الاتحاد الأوروبي كان ينسق عن كثب مع المسؤولين الهولنديين، وسيعمل الآن مع هولندا لتقرير الخطوات التالية لحماية القدرات التكنولوجية الحيوية في أوروبا.