لم شمل يعطي الأمل
التقت فاطمة علي وأطفالها بأمل جديد بعد أن أعاد القدر جمعهم بوالدهم وشقيقهم شمعون إدريس وسط الأزمة الإنسانية المستمرة في السودان. فقدان الاتصال استمر ثمانية عشر شهراً حتى تعرّف شمعون على زوجته وأولاده في تقرير تلفزيوني لجهة إعلامية عربية، فتبدّل سير حياتهم.
كان شمعون يعيش مع فاطمة وأطفالهما في العاصمة الخرطوم، حتى تحولت المدينة إلى ساحة قتال بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع في أغسطس 2023، بعد اندلاع الصراع. مع اشتداد القصف قرب منزلهم، قرّر الزوجان أن تنطلق فاطمة مع الأطفال هرباً من الخرطوم، بينما يبقى شمعون لحراسة المنزل مع تقدّم قوات مسلحة شاركت في نهب المنازل ومهاجمة المدنيين.
«قرّرت أن يغادروا»، قال شمعون للصحافي الذي تناول قصتهم. «بقيت لأحرس البيت، ظننا أن الحرب ستنتهي قريباً وسيعودون». لكن العنف تزايد، واضطر شمعون لاحقاً هو أيضاً إلى الفرار؛ وفي خضم الهلع فقد الاثنان هواتفهم وانقطع كل اتصال بينهما، دون أن يعرف كل طرف مصير الآخر.
أصبح الزوجان من بين نحو ٧٧٠٠ سوداني يبحثون عن أقارب مفقودين، وفق ما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر. كانت فاطمة تحاول طمأنة أطفالها قائلة إن والدهم «في مكان ما لا يستطيع الوصول إلينا»، لكنها اعترفت بأنها كانت تائهة قلقاً وتشتدّها مخاوف حول ما أصابه، حتى أن اهتمامها بالأطفال لم يعد كالسابق.
وصلت فاطمة مع الأطفال في نهاية المطاف إلى ولاية سنّار جنوبي الخرطوم، ولجأوا إلى إحدى المدارس تحتمياً. وفي الوقت نفسه ظل شمعون يبحث عنهم بلا جدوى، حتى شاهد تقريراً تلفزيونياً نُشر في فبراير عن ذوي مفقودين، وكان في التقرير وجه فاطمة.
«قلت لنفسي: هذه عائلتي! والله إنها عائلتي»، روى شمعون عن لحظة المفاجأة والفرحة. وعندما استمعت فاطمة إلى تسجيل حكاية اللقاء، انهمرت بالبكاء من شدّة المشاعر التي تراكمت بسبب غياب زوجها.
الأمل الآن يرتكز على إعادة بناء الحياة. تقول فاطمة: «أرجو أن نتمكن من العودة والرجوع إلى حياتنا السابقة. كنت مطمئنة على أولادي ما دمت معهم، لكن غياب والدهم كان مشكلة حقيقية». قبل الحرب كانوا يذهبون إلى المدارس وكانوا سعداء؛ لم يغادر أي منهم المدرسة، وكانوا يدرسون حتى في مدارس خاصة لا عامة. والآن مضى أكثر من عامين دون أن يدخل الأطفال فصلاً دراسياً إلا كملجأ مؤقت.
منذ لمّ الشمل بنى شمعون رقعة صغيرة من الأرض في سنّار وأقام لعائلته عشة صغيرة بلا باب، لا تحميهم من المطر أو الريح أو الشمس، بينما يفتقر الآلاف من النازحين في السودان لأي مأوى على الإطلاق. وفي ظل كل ذلك، يشعر الزوجان بالامتنان لخصوصيةٍ بسيطة وحرّيةٍ ضئيلة يوفرها هذا المأوى المؤقت، ولفرحة الوجود معاً بعد طول غياب.
الان، تبقى الآمال مكدسة حول استعادة حياة كريمة للأبناء وإعادتهم إلى المدارس، وإيجاد استقرار يؤمّن لهم العيش والطمأنينة بعدما فرّقتهم الحرب ومزّقت أمانهم.