مأزق اعتراف بيرني ساندرز بوصف الأحداث «إبادة جماعية» — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

بعد قرابة عامين من الفظائع الرهيبة في غزة، اعترف السيناتور بيرني ساندرز أخيراً بأن ما يجري إبادَة جماعية. في مقال رأي نشره على موقع مجلس الشيوخ الأميركي كتب بأن النية واضحة والاستنتاج حتمي: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

كما حصل مع تصريحات سابقة — من الأمم المتحدة وجمعية علماء الإبادة الجماعية الدولية — جاء هذا الاعتراف متأخراً. والأسوأ من ذلك أنه جاء في سياق إشكالي للغاية. فقد افتتح ساندرز مقاله بتبرير بدا كأنه يقول إن «حماس بدأت الأمر». هذا ليس مجرد إلقاء اللوم على الضحايا فحسب، بل يُمحِي أيضاً ثمانية عقود من النهب والتشريد والتطهير العرقي.

هذا التشويه ليس فحسب أخلاقياً فاسداً، بل هو قانونياً غير ذي صلة ويُرسّخ سابقة خطيرة مفادها أن أي شعب محتَل أو مُستعمَر يرفض قرار المقاومة عليه أن يلقِي سلاحه أو يواجه مصيراً مشابهاً لما حلّ بغزة. إنه يهمس لكلّ شعبٍ مضطهد أن بقائه لا يعتمد على القانون الدولي أو على الإنسانية، بل على إخضاعه الكامل لأولئك الذين يسعون إلى محوه.

اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تُعرّف الإبادة بأنها «أحد الأفعال التالية المرتكبة بنية تدمير كلي أو جزئي لمجموعة قومية أو عرقية أو دينية». الأفعال الخمسة المحظورة تمتد عبر طيف التجربة الفلسطينية في غزة والضفة الغربة والتاريخ الفلسطيني: قتل أعضاء من المجموعة، إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير، خلق شروط محسوبة لإحداث دمار مادي، فرض تدابير لمنع الولادات، والنقل القسري للسكان.

الإطار القانوني لا يقرّ استثناءات ولا يضع نجمات توضيح. لا توجد فقرة تقول «إلا إن اعتقدت أن الطرف الآخر بدأ الأمر». لا توجد «إبادة متناسبة» ولا بند يشرح متى يمكن تبرير أو فهم الإبادة.

يقرأ  كندا وأستراليا تنضمان إلى المملكة المتحدة في الاعتراف بدولة فلسطينأخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

يعترف ساندرز بحق إسرائيل في «الدفاع عن نفسها»، وهو حق لا ينطبق في هذه الحالة. وفقاً للقانون الدولي، لا يمكن للدولة أن تمارس سيطرة فعلية على إقليم ثم تهاجمه مدعية أنه «أجنبي» ويهدد أمنها القومي.

محكمة العدل الدولية أكدت ذلك بنفسها في قرارها عام 2004 بشأن الجدار الفاصل الذي كانت تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية. قضت المحكمة بأن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تبيح حق الدفاع عن النفس، لا تنطبق على إسرائيل في حالة التهديد المزعوم من الفلسطينيين لأنها تحتلهم.

اسرائيل مارست منذ 1967 سيطرة كاملة ومطلقة على حدود غزة ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية. على مدى عقود تحدد ما يدخل وما يخرج، من يعيش ومن يموت. لا تملك «حقّ الدفاع عن نفسها» ضد شعب تسيطر عليه بالكامل.

ما يرفض ساندرز وآخرون أيضاً الاعتراف به هو أن القانون الدولي يمنح الفلسطينيين حق مقاومة الاحتلال. أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 37/43 «مشروعية النضال من أجل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من سيطرة أجنبية واحتلال أجنبي بجميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح».

هذا لا يبرر استهداف المدنيين. المقاومة الفلسطينية، كأي مقاومة، يجب أن تمتثل للقانون الدولي وأن تميز بين المقاتلين والمدنيين. لكنها تعني أن المقاومة بحد ذاتها ليست بطبيعتها غير مشروعة، ولا يمكن أن تُستغل ذريعة لتبرير الإبادة رداً عليها.

حين يبدأ ساندرز اعترافه بالإبادة بعبارة «لكن حماس»، فهو لا يرمى باللوم على الضحايا فحسب، بل ينكر على الفلسطينيين الحقوق التي يمنحها لهم القانون الدولي بينما يمنح لإسرائيل حقوقاً ينفيها عنها القانون صراحة.

هكذا، تقديم الإبادة في غزة بعبارة «لكن حماس» أمر خطير بشكل إبادي؛ يوحي بأن حق شعب في الوجود الخالي من الإبادة مشروط بـ«سلوكه المثالي»، بسلميته التامة، وبرضوخِه لقهره. هذا المنطق يبرر بأثرٍ رجعي كل إبادة استعمارية في التاريخ. مقاومة شعوب هيريرو وناما للاستعمار الألماني في ناميبيا — هل برّرت إبادةهم؟ مقاومة الأمريكيين الأصليين للمستوطنين الأوروبيين — هل شرّعت إبادتهم الشاملة؟ مقاومة اليهود في أوروبا المحتلة النازية — هل كانت مبرراً للمحرقة والمعسكرات الغازية؟

يقرأ  ملف الأحداث الرئيسية للحرب الروسية الأوكرانيةاليوم ١٣٠٤ — أخبار وتحديثات

وأيضاً، عند الانخراط في حجة «لكن حماس»، يمحو ساندرز أكثر من قرن من التاريخ.

الإبادة الراهنة لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023. إنها أحدث وأشد تصعيد لمشروع بدأ أواخر القرن التاسع عشر مع وصول مستوطنين صهيونيين مصممين على إقامة دولة يهودية بأكثر عدد ممكن من اليهود وأقل عدد ممكن من الفلسطينيين. شهدت النكبة عام 1948 طرد قوى صهيونية نحو 750,000 فلسطيني — أكثر من خمسين بالمئة من السكان الأصليين — من بيوتهم، وتدمير أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية والاستيلاء على 78 بالمئة من فلسطين التاريخية. قُتل أكثر من 15,000 فلسطيني بين 1947 و1949.

على مدى السبع عشرة عقود التالية — تصحيح: على مدى العقود السبعة التالية — لم تتوقف حكومات إسرائيل عن وضع خطط لتطهير فلسطينيي الباقين عرقياً وتحقيق رؤية «إسرائيل الكبرى» الممتدة من سيناء إلى الفرات. إسرائيل لم تُصب فجأة بالعدوانية الإبادية في 7 أكتوبر 2023؛ كان جريمة تُحضّر لها زمنٌ طويل.

ومع ذلك، ما زال هناك من يختارون لوم الفلسطينيين على إبادتهم بأنفسهم.

الإبادة تُسمى «جريمة الجرائم» لسبب. تمثل اعتراف البشرية بأن هناك خطوطاً لا يجوز تجاوزها وأفعالاً لا تقبل التبرير، مهما كانت السياقات أو الاستفزازات. في اللحظة التي نبدأ فيها بوضع استثناءات، ونقول «لكنهم بدأوا»، نكون قد جعلنا حياة مجموعةٍ ما أكثر تقديراً من حياة أخرى.

سيحكم التاريخ علينا بحسب ما إذا استطعنا رؤية الإبادة على حقيقتها، بلا نجومٍ توضيح، بلا استثناءات، وبلا الأكاذيب المريحة التي تتيح للأقوياء أن يناموا بينما تموت الأطفال جوعاً أو تُمزق الأجساد. إذا فشلنا في إدراك هذه الحقيقة الأساسية، فإننا لا نخذل الفلسطينيين فحسب؛ بل نخذل كل شعب محتَل أو مستعمَر أو مضطهد قد يُقال له يوماً ما إن مقاومته تبرر إبادةَه.

يقرأ  وزارة العدل الأميركية تنشر نصوص مقابلات غيسلين ماكسويل

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق