مأساة في غزة: عاصفة شتوية تحوّل مأوى عائلة إلى ركام وسط الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

غزة — هطلت أمطار غزيرة على منزل أسامة الحسّاري، والعاصفة التي اجتاحت مدينة غزة في مطلع الأسبوع ألحّت على الاستمرار.

داخل منزل الرجل البالغ من العمر 57 عاماً في مخيم الشاطئ كان يقيمت معه زوجته روية وعشرة من أولاده، إضافة إلى أفراد من العائلة الممتدة، بينهم أبناء شقيقه، ليبلغ عدد الموجودين 25 شخصاً.

كان المنزل قد نجا من عامين من القصف الإسرائيلي لكنه تضرر بشدّة. تسربت مياه الأمطار من السقف فأغرقت الداخل، فحاول أسامة يوم الثلاثاء إصلاح الخلل. «اتصلت بجار وصديق يعمل في البناء كي يساعدني على فحص الأماكن التي تدخل منها المياه وإغلاق الفتحات»، قال أسامة للجزيرة.

وعندما صعدا إلى السقف للمعاينة وقع الكارثة. كان الجار محمد الحلو، البالغ أيضاً 57 عاماً، يفحص زاوية من السقف مستخدماً مطرقة، ثم انهار السقف فجأة. بقي محمد محاصراً تحت الأنقاض لساعتين، ولم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليه إلا بعد ساعتين، حين استُخرجت جثته. أصيب ستة آخرون، بينهم طفلان، بعضهم بعظام مكسورة.

يقول أسامة، ماسحاً الدموع: «كان الأمر مرعباً تماماً، كطغيان من الغبار والحجارة ينفجر في وجهي». «نجونا بمعجزة، لكن جاري الحبيب فقد حياته دون سابق إنذار، وفُقد عند أسرته في لحظة.»

انهار منزل عائلة الحسّاري صباح الثلاثاء نتيجة الأمطار الغزيرة وضعف بنية البيت بعد عامين من الحرب الإسرائيلية.

الانهيار

البيت في غزة صار شيئاً نادراً، إذ دُمّرت معظم المباني في القطاع خلال الحرب التي استمرت عامين. لهذا تمسّك أسامة بمنزله رغم حالته، بدلاً من العيش في خيمة كما يفعل آلاف الفلسطينيين، ولذا تجمّع حوله عدد كبير من أفراد العائلة بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار في أكتوبر إثر نزوحهم داخل قطاع غزة.

يقرأ  حظر وسائل التواصل الاجتماعي في أستراليا: لماذا لم تُشمل ألعاب الفيديو؟

«عندما وصلنا إلى بيتي تنفّسنا الصعداء لأنه ما زال قائماً، لكنه كان في حالة سيئة ومتأثر بشدّة، خصوصاً بعد أن فجّروا في المنطقة أكثر من ثلاثة روبوتات متفجرة»، يشير أسامة إلى قطع حديدية ملتوية قريبة ويقول إنها من مخلفات تلك التفجيرات. استُخدمت أسلحة روبوتية متفجرة على نطاق واسع خلال الغزو البري الأخير لشمال غزة في منتصف سبتمبر.

«المنطقة بأكملها مدمرة، وكل المباني المحيطة قُصفت بأقوى الأسلحة. بيتنا تضرر أيضاً بشدّة»، يضيف. ومع ندرة البدائل اختارت العائلة البقاء داخل جدران متهالكة، معتبرةً ذلك خيراً من العيش في خيام حيث يموت الناس من البرد. «كنا نقول إن السقف الخرساني أفضل من الخيمة. لا نستطيع حتى تحمل ثمن الخيام ومستلزماتها. لكن لم نتخيل أن ينهار فوق رؤوسنا ويكاد يقتلنا جميعاً».

الآن لا مكان للذهاب

روية الحسّاري، 41 عاماً، وصفت اللحظة المرعبة لانهيار المبنى. هربت على الفور مع خمسة من أطفالها وسط صراخ من حولها، ثم أُعلمت أن ابنها الأوسط محمد ما يزال تحت الأنقاض. «ركضت، ثم قالوا لي: ‘ابنك محمد تحت الأنقاض مع عمه’. فقدت صوابي ورجعت إليه»، تقول روية وهي تحبس الدموع وتضم ابنها البالغ 12 عاماً الذي نجا.

«صرخت بصوت عالي: ‘محمد، محمد، هل تسمعني؟’ فأجاب بصوت مكتوم: ‘أنا هنا، أنقذوني. أنا بخير’. أزلت الحجارة بمساعدة رجال وأقارب هرعوا للمساعدة. لكن الرجل الذي بجانبه لم يُجِب؛ بدا أنه مات على الفور».

ارتعشَت روية والأمهات الأخريات وهن يروين كيف نجين قبل أن ينهار البيت تماماً، ولم يتسنّ لهن أخذ أي متعلقات أو ملابس. «لا نعلم بأي طريقة سنموت — بالقصف أم بانهيار المباني فوق رؤوسنا»، تشير روية إلى الأنقاض. «انظروا إليه؛ كأن صاروخاً أو صاروخين ضرباه».

يقرأ  زوجان يسعيان إلى تحطيم رقم قياسي بالمشي حول بريطانيا لمدة عامين

مع انهيار منزل الحسّاري ارتفع عدد المنازل المنهارة في غزة منذ بدء الشتاء إلى 17 منزلاً، مع تحذيرات رسمية بزيادة محتملة في الأعداد. استجابة للخطر المتصاعد فعّلت فرق الطوارئ لجنة لفحص المباني المهددة بالانهيار وإخلاء السكان قبل قدوم العاصفة التالية.

تكافح عائلة الحسّاري لاستيعاب الصدمة، فإذا بها بلا مأوى بين ليلة وضحاها. «نمنا الليلة الماضية في الشارع، 12 طفلاً ونساء»، يقول أسامة بغضب. «نامنا جميعاً خارجاً بدون خيام وبدون أغطية. هذا هو مصيرنا: إما نموت تحت جدران منهدمة، أو نموت من البرد في الشارع». ويختتم بمرارة: «لو كنا متنا جميعاً داخل البيت لكنّا قد رحمنا من هذا العيش.»

أضف تعليق