لدى البشر سؤال دائم: «ماذا لو…؟» خلال الأشهر المقبلة ستسبر الجزيرة أغوار بعض أكبر تحديات زماننا وتطرح على خبراء مرموقين هذا السؤال ذاته.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب منح حركة حماس مهلة تنتهي يوم الأحد للقبول باتفاق وصفه بأنه قد يضع حداً لحرب إسرائيل على غزة، مع السماح لإسرائيل بالبقاء في أجزاء من القطاع لفترة مؤقتة.
قصص موصى بها
المنتقدون، مشيرين إلى استمرار هجمات إسرائيل على لبنان بعد اتفاق وقف إطلاق النار هناك العام الماضي وغاراتها المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة، لا يقتنعون بأن هذا الاتفاق سيوقف إسرائيل فعلاً ويجلب السلام لغزة. وإذا فشل الاتفاق، يتوقع كثيرون أن تستمر الحملة العسكرية الإسرائيلية التي دمرت أجزاء واسعة من غزة وأسفرت عن مقتل أكثر من 66 ألف فلسطيني — ذلك على الرغم من إدانة عالمية لإجراءات إسرائيل.
في منتصف سبتمبر، خلصت لجنة أممية إلى ما توصلت إليه منظمات حقوقية داخل إسرائيل وخارجها بأن الحرب تبدو ذات طابع إبادي. ثم اقترحت المفوضية الأوروبية تعليق امتيازات تجارية تمنح لإسرائيل مع الاتحاد الأوروبي. وفي أغسطس، خلصت جهة تدعمها الأمم المتحدة إلى أن إسرائيل تسببت في مجاعة من صنع الإنسان في القطاع.
كما اعترفت عدة دول كانت تاريخياً حليفة لإسرائيل — من بينها فرنسا والمملكة المتحدة وكندا — بفلسطين كدولة في سبتمبر، بعد دول أخرى، بينها النرويج وإسبانيا وأيرلندا، اعترفت العام الماضي. وزعماء وبرلمانيون فرديون أدانوا سلوك إسرائيل؛ فقد دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى استبعاد إسرائيل من الهيئات الرياضية الدولية «حتى تنتهي الهمجية»، وفي مايو استخدمت رئيسة سلوفينيا ناتاشا بيرتش موسار مصطلح «إبادة» لوصف ما يجري.
فماذا لو قررت هذه الدول أن تذهب أبعد من ذلك؟ هل يمكنها التعاون لردع إسرائيل وإجبارها على التوقف عن الهجوم والانسحاب من غزة، حتى لو غاب عنها دعم امريكا؟
سألنا أربعة خبراء: مايكل لينك، أستاذ القانون الدولي في جامعة ويسترن أونتاريو؛ مايكل بيكر، أستاذ قانون حقوق الإنسان الدولي في كلية ترينيتي دبلن والذي عمل سابقاً في محكمة العدل الدولية؛ نيك كال، مؤرخ ومتخصص في المقاطعات الثقافية بجامعة جنوب كاليفورنيا؛ ودانييلي بيانكي، اقتصادي وخبير في العقوبات بجامعة كوين ماري بلندن.
ماذا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل؟
«تبقى الأمم المتحدة المسار الأكثر واقعية لوقف أعمال إسرائيل في غزة، وهناك سوابق تاريخية لذلك» يقول مايكل لينك. «إسرائيل منتهكة لميثاق الأمم المتحدة، ولاتفاقية 1948 لمناهضة الإبادة، ولنظام روما الأساسي 1998 الذي انضمت إليه دول عدة. وكل هذه الاتفاقات تضع التزاماً قانونياً على الدول للتحرك في مواجهة الفظائع أو الإبادة.»
ويشير إلى أن جهات فاعلة محدودة فقط — عبر استخدام الطائرات بدون طيار وقطع الكابلات وعرقلة الملاحة — تنتهج مثل هذه التكتيكات، مضيفاً أن اليمن، على سبيل المثال، يعد من أفقر دول العالم لكنه قام ببعض الإجراءات في هذا السياق.
يستدعي لينك سابقة قرار «التوحد من أجل السلام» الذي اعتمده الجمع العام للأمم المتحدة عام 1950 للتدخل في كوريا بعدما كانت كل المحاولات السابقة عبر مجلس الأمن مُعرقلة بالفيتو السوفييتي. ذلك القرار منح الجمعية العامة سلطة قانونية لتمكين الأمم المتحدة من التدخل في النزاع الكوري، واستعادة استقلال كوريا الجنوبية، والمساعدة في تأمين وقف إطلاق نار وإن لم يؤدِ إلى سلام دائم.
وبناءً على هذا السابِق، يرى لينك أن للأمم المتحدة الآن صلاحية لإرسال قوة عسكرية إلى غزة؛ قوة تستطيع بدء عمليات الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار واستصلاح الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والتفاوض على شكل من أشكال الحكم المؤقت. كما أن للأمم المتحدة — استناداً إلى المادة السادسة من ميثاقها — صلاحية طرد أعضاء انتهكوا مبادئها باستمرار، لكن ذلك يتطلب دعم مجلس الأمن (وبالأخص الولايات المتحدة). وفي السبعينيات جرت محاولات متكررة لطرد جنوب أفريقيا من الأمم المتحدة فكان الفيتو من نصيب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا؛ إلا أن الجمعية العامة اعتمدت قراراً عملياً بعدم الاعتراف بمصداقية جنوب أفريقيا فعلياً، ما أدى إلى حظرها لمدة عشرين عاماً. «حان الوقت لأن تدرس الجمعية اتخاذ إجراء مماثلاً تجاه إسرائيل»، يختم لينك.
ماذا يمكن للدول الفردية أن تفعل من دون الأمم المتحدة؟
«لا توجد إجابات جيدة هنا»، يقول أحد الخبراء. مبادئ مثل التدخل الإنساني ومسؤولية الحماية أثارت اهتماماً منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن الرأي السائد لا يزال أن الاستخدام المشروع للقوة يتطلب تفويضاً من مجلس الأمن أو حقاً مشروعاً في الدفاع عن النفس.
اتفاقية الإبادة 1948 تلزم الأطراف بمنع الإبادة لكنها لا تمنح أساساً قانونياً مستقلاً للاستخدام القسري للقوة. وهناك فكرة الدفاع الجماعي أو مفهوم «التدخل بدعوة»؛ هذا الخيار يفترض أن تكون فلسطين معترَفاً بها كدولة قادرة على ممارسة سيادتها بدعوة دول ثالثة للمشاركة في حملة دفاعية ضد إسرائيل.
معظم الأمثلة التاريخية لا تخص نزاع دولة مع دولة بل نزاعات غير دولية حيث تدعو دولة أخرى مساعدة عسكرية ضد جماعة مسلحة داخلية. حدث هذا في التسعينيات عندما دعت جمهورية الكونغو الديمقراطية أوغندا إلى تدخل في شرق الكونغو، ثم تحول الخلاف إلى نزاع بين الطرفين عندما سحبت الكونغو موافقتها فرفضت القوات الأوغندية الانسحاب.
أمثلة أكثر حداثة تشمل الائتلاف الذي قادته الولايات المتحدة ضد «داعش» في العراق بوجود موافقة الحكومة العراقية؛ في سوريا لم يكن الأساس القانوني للعمل ضبابياً إلى حد أكبر. فهل يمكن لفلسطين دعوة دولة إلى مساعدتها غداً؟ «نعم، يمكن ذلك إذا ما ادعت فلسطين أنها تمارس حق الدفاع عن النفس بموجب المادة 51»، لكن ثمة مشكلات معقدة هنا؛ أولها أن مسألة مَنْ يمثّل دولة فلسطين ليست واضحة. القانون وإعلان «الدفاع عن النفس»
إذا كان المقصود هنا هو الجهاز الرسمي في رام الله، فقد لا يحمل إعلان حماس — بوصفها فاعلاً غير دولي يمارس سلطات حكومية في قطاع غزة — صِبغةً قانونية تُعتد بها. ولا أستطيع الجزم تمامًا بكيفية تأثير قواعد قانون الاحتلال على هذه المسألة، إذ تتداخل مبادئ القانون الدولي مع ظروف التطبيق الواقعي وتوازنات السلطة. — مايكل بيكر
ما الذي يمكن أن تحققه العقوبات والحظر التجاري؟
تخيلوا حالة روسيا: لقد فُرضت عليها عقوبات دولية واسعة، ومع ذلك استطاعت البقاء بفضل دعم شريك دولي قوي مثل الصين. وفي حالة إسرائيل، من المرجح أن يكون التدخل الأمريكي معوِّقًا لأي إجراءات قاطعة مماثلة. عمليًا، ومن دون مشاركة الولايات المتحدة — الشريك الأكبر لتصديرات إسرائيل — قد تُلحق العقوبات أذىً باقتصادها، لكنها لن تكون بالضرورة قادرة على إيقاف سياساتها.
لو تضافرت جهود الصين والاتحاد الأوروبي وربما الهند، فمن الممكن أن تُلحق هذه الكتلة أضرارا ملموسة بالاقتصاد الإسرائيلي، لكن احتمال إيقاف الدولة بالكامل سيبقى ضئيلاً. وعلى نحوٍ جوهري، لا تعتمد إسرائيل بالدرجة نفسها على صادرات سلعٍ أولية قابلة للمقاطعة الجماهيرية، بل على منتجات تكنولوجية عالية القيمة يصعب استبدالها بسرعة.
حتى بعد اثنين وعشرين شهرًا من الحرب، لا يزال الاقتصاد الإسرائيلي يظهر قدرة على الصمود: ثمة مشكلات متعلقة بالديون ونمو أبطأ مما كان عليه سابقًا، لكن التوقعات التي تنبأت بانهيار كامل بدا أنها أصابتها أخطاء في التقدير. — دانييلي بيانكي
ماذا يمكن أن يفعل المجتمع العام؟
المقاطعات الثقافية والرياضية تعمل على تغيير المناخ العام في بلد الهدف وتجميع الرأي العام ضده. فالمقاطعة الثقافية وسيلة لإيصال رسالة واضحة إلى دولة بأسرها: سلوككم خرج عن المألوف لدرجةٍ لا تستحق التعامل الطبيعي، ولا حاجة لمنحكم الغطاء الذي يجعل من تصرفاتكم مجرد حالةٍ عابرة بين دول عديدة.
فكرة المقاطعة الثقافية لجنوب أفريقيا طُرحت لأول مرة على يد تريفور هادلستون عام 1954، ثم اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1968. الثقافة بطيئة في تأثيرها؛ السمعة الوطنية تُبنى وتنهار عبر سنوات وعقود، وهو إيقاع يختلف عن تصورات الجمهور أو صانعي السياسة الذين يتوقعون نتائج فورية. المقاطعات الثقافية تسير وفق نفس المنهج: تأثيرها تدريجي، وتعمل كقوة تآكلية على سمعة الدولة، تُنزع عن سلوكها طلاءَ «الطبيعية» وتحوّلها إلى منطقة منبوذة.
أطلق مندلا — أو لنقل مندلا كما ذُكر في كثير من الروايات — على دولة الأبارتايد وصف «السنك» العالمي، للتأكيد على نبذها. المقاطعة الثقافية لجنوب أفريقيا فرضت أربعة عقود من الضغوط، لكن الضربة الحاسمة جاءت مع العقوبات الاقتصادية الشاملة من الولايات المتحدة التي أجبرت أولاً قادة الأعمال ثم النخبة السياسية على الدخول في مفاوضات. — نيك كول
حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) تعمل على إنهاء الدعم الدولي لقمع إسرائيل للفلسطينيين والضغط عليها للالتزام بالقانون الدولي. [Martin Pope/SOPA Images/LightRocket]