ما الذي جعل أمطار الهند هذا العام أكثر فتكا؟

أمطار استثنائية وجرف يغير الخريطة

شهدت أجزاء واسعة من الهند منذ أسابيع هطولاً مطرياً غير مسبوق أدّى إلى انهيارات أرضية وفيضانات جارفة، أودت بحياة المئات وغمرت قُرى ومدناً، بينما تواجه ولايات مثل البنجاب أسوأ فيضان منذ عام 1988.

تغيّر في سلوك الموسمي

أصبح مونصِف الهند أكثر تطرّفاً بفعل أزمة المناخ. تحمل الطبقات الدنيا من الجو الآن رطوبة أكبر بكثير، مصدرها المحيط الهندي وبحر العرب المتدفّئان، ما يزيد من طاقة السحب وهطولها. بدلاً من أن تتوزع أمطار الموسم بشكل منتظم على شهور يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر، يلحظ علماء الأرصاد أنها تتكثف في نوبات عنيفة قصيرة المدى بعد فترات جفاف ممتدة، فتنتج سيولاً مركزة في أماكن محدودة — ما يُعرَف بـ«الانفجار السحابي» أو cloudburst — خصوصاً في المناطق الجبلية.

الاضطرابات الغربية واجتماع الأنظمة الجوية

في أغسطس الماضي تسبب تراكب نظام الموسم مع اضطرابات غربية قادمة من حوض البحر المتوسط في هطولات مطرية مطوّلة وشديدة فوق ولايات الشمال مثل البنجاب وهاريانا. تحمل هذه الاضطرابات كتل هواء باردة من الطبقات العليا، وعند التقاءها بجو أدنى دافئ ورطِب تُصبح الوصفة جاهزة لطقس عنيف. يصف بعض الباحثين هذا التلاقي بأنه «تَناسُق جوي نادر» دفع رياح الموسم إلى حالة انفجار هطولي.

تفسير آخر يكمن في تغير مسار التيارات النفاثة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي: الاحترار العالمي يزيد من تموّجات هذه التيارات، فتنعطف أسرع أو أبعد عن مسارها المعتاد، حاملةً أنظمة جوية إلى مناطق غير متوقعة — ومن هنا جاء دفع الاضطرابات الغربية جنوباً إلى أجزاء من شمال الهند.

جبال غير مستقرة ومخاطر متعدّدة

ليست الأمطار وحدها مصدر الكوارث؛ فالهيمالايا باتت أقل استقراراً مع ذوبان الأنهار الجليدية وتآكل الحقول الثلجية والبرمافروست. يعمل الجليد والثلوج كقُضبان تماسكٍ للمنحدرات؛ ومع ذوبانها يتفكك التربة وتزداد قابلية الانزلاقات. تنضاف إلى ذلك ظواهر مثل انفجار بحيرات جليدية مملوءة فوق قمم الجبال، أو انسداد مجاري الأنهار بواسطة انهيارات تُكوّن بحيرات اصطناعية قد تنفجر لاحقاً مُطلِقة موجات فيضانية.

يقرأ  انطلاق النسخة الافتتاحية لمهرجان أوفّفي مونتريال هذا سبتمبر

أسئلة أخرى تُثار حول فيضانات حدثت في مناطق لم يسجل فيها هطول استثنائي، ما يدفع العلماء للبحث في اسباب مثل تحرّر مياه جوفية مفاجئ أو انهيار سدود طبيعية ناجم عن زلازل طفيفة أو ذوبان مفاجئ للجليد.

العامل البشري: تفاقم الأضرار وتقلّل من قدرة التعافي

تفاقم تأثير الكوارث بفعل تدخلات بشرية مباشرة: توسّع المستوطنات على سواحل وأحواض الأنهار وممرات الفيضانات، مشاريع بنية تحتية كثيفة في سلاسل جبلية هشة، ومحطات كهرمائية وأنفاق والطرق التي تضعف استقرار المنحدرات. كذلك تُسهم شبكات الصرف المهترئة ومخلفات البلاستيك في المدن في انسداد ممرات المياه، مما يزيد من حدة الفيضانات الحضرية.

التدابير الواجب اتخاذها

المشهد الراهن يفرض تعاملاً متعدد الوجوه: تعزيز منظومات الإنذار المبكر، صيانة السدود والمصارف القديمة، احترام خطوط الفيضانات والمناطق المحظورة للبناء، وإعادة تقييم مشاريع البنية التحتية في المناطق الجبلية. إلى جانب ذلك، يتطلب الأمر سياسة مناخية عالمية تحدّ من تسارع الاحترار، لأن أنماط الرياح والحرارة والرطوبة هي المحرك الرئيس لتقلبات الطقس المتطرفة.

الخلاصة

ما نشهده في الهند تحذير واضح من كيف يمكن لتغيرات مناخية دقيقة أن تعيد تشكيل ديناميكيات النظام الهيدرولوجي والجغرافي: مزيج من رطوبة متزايدة، تفاعلات جوية غير معتادة، جبال تضعفها الحرارة والمياه، وأنشطة بشرية لا تكترث لخطورة المواقع — كل ذلك يتحول إلى وصفة لكوارث متكررة ما لم تتضافر جهود التخفيف والتكيّف.

أضف تعليق