من المقرر أن يلتقي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارة رسمية إلى واشنطن هي الأولى له منذ ثماني سنوات. الزيارة تحمل طابعا استراتيجيا عاليا وقد تعيد تشكيل ملامح العلاقة الثنائية والمنطقة على حد سواء.
متى يُعقد اللقاء وما هو جدول الأعمال؟
اللقاء مقرر في 18 نوفمبر بالعاصمة الأمريكية واشنطن. من المتوقع أن يحظى ولي العهد باستقبال رسمي فخم لدى نزوله من الطائرة، يلي ذلك لقاء مباشر في المكتب البيضاوي للرئيس، ثم مراسم توقيع اتفاقيات ومأدبة غداء رسمية. كما ستُتاح فرصة للقاء أعضاء الكونغرس ورجال أعمال أمريكيين بارزين، ومن المحتمل أن يُختتم اليوم بعشاء رسمي في غرفة الشرق بالبيت الأبيض.
ما الذي يأمل محمد بن سلمان من هذه الزيارة؟
أولوية الزيارة ترتكز على الأمن والدفاع، صفقات تسليح، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري. أعلن ترامب قبل الزيارة بنية الموافقة على بيع مقاتلات F‑35 إلى السعودية — صفقة محتملة تشمل حتى 48 طائرة، ما يجعل المملكة أول دولة عربية تمتلك هذا الطراز المتقدّم. كما يُنتظر أن تُعلن الرياض عن مزيد من الاستثمارات في الولايات المتحدة، لا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية المدنية. سيبحث ولي العهد أيضاً ضمانات أمنية تُطمئن السعودية، في ظل التوتر الإقليمي المتصاعد وتصاعد بعض التحركات الإقليمية المدعومة أمريكياً.
ما الذي يسعى ترامب إلى تحقيقه؟
أولوية الإدارة الحالية هي جذب مزيد من الاستثمارات السعودية إلى السوق الأمريكية، وهو ما سيصعد على جدول الأعمال. ورغم ذلك، يبدي ترامب رغبة مستمرة في إدماج الرياض ضمن مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر اتفاقيات شبيهة باتفاقات أبراهام التي رعاها سابقاً (والتي شهدت تطبيع دولية مع إسرائيل مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان). السعودية تشترط مساراً واضحاً نحو تحقيق دولة فلسطينية قبل أي خطوة مماثلة. على هامش الزيارة، تبنّت الأمم المتحدة، بتشجيع أمريكي، قراراً يشير إلى شروط ينبغي أن تستكملها السلطة الفلسطينية لتهيئة طريق نحو تحقيق الدولة الفلسطينية.
ماذا عن أوجه العلاقات السعودية–الأمريكية؟
العلاقة بين الرياض وواشنطن ممتدة منذ قرن تقريباً، ارتكزت تاريخياً على النفط والدفاع. منذ ثلاثينات القرن الماضي تواصلت الشراكات النفطية الأمريكية في السعودية، وتبلورت لاحقاً تحالفات أمنية كان من أبرزها اتفاق المساعدة الدفاعية المتبادل عام 1951. شهدت عقود السبعينات والثمانينات تصاعداً ضخماً في مشتريات السلاح السعودية من الولايات المتحدة بالتوازي مع طفرة صادرات النفط. في السنوات الأخيرة تذبذبت العلاقة إثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي وأحداث أخرى، إلا أن مصالح الأمن والطاقة والاستثمار أعادت درجة من التقارب، وبدا ذلك واضحاً في زيارات متبادلة وضخ استثمارات ضخمة أعلن عنها سابقاً (من بينها التزامات استثمارية بمئات المليارات).
تطلعات وتجاذبات: رغم التقارب مع واشنطن، تبنت السعودية سياسة تنويع شركائها — فتوطدت علاقات اقتصادية وسياسية مع بكين — وفي الوقت نفسه أبرمت السعودية اتفاقات دفاعية أخرى، مثل توقيع ميثاق دفاعي مع باكستان، في مؤشر إلى سعي المملكة لتأمين خيارات متعددة في ملف أمنها الاستراتيجي.
ما هي أوجه التجارة والتبادل الاقتصادي؟
تمتد الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة إلى مئات مليارات الدولارات. أعلنت الرياض عن حزمة استثمارات واسعة تشمل، وفق بيانات البيت الأبيض، مئات المليارات، منها استثمارات مخصصة للذكاء الاصطناعي ومراكز بيانات بقيمة نحو 20 مليار دولار. كذلك فازت شركات أمريكية بعقود بنية تحتية ضخمة في السعودية، شملت مشاريع مطار الملك سلمان ومبادرات تنموية كبرى. وعلى الرغم من هذا التدفق الاقتصادي، تظل المباحثات قائمة بشأن اتفاقية أمنية شاملة تطمئن السعودية إلى التزام أمريكي صريح بالدفاع عن المملكة في حال التهديد.
ما هي النتائج المحتملة الأهم لهذه الزيارة؟
أولاً، تؤكد الزيارة أن السعودية شريك مرحب به لدى البيت الأبيض وأنها عنصر مهم في استراتيجية الإدارة الأمريكية. ثانياً، قد تؤدي المباحثات إلى صفقات تسليح واستثمارات كبيرة تعزز متانة العلاقات الاقتصادية والعسكرية. ثالثاً، من غير المتوقع أن تُجبر الولايات المتحدة السعودية على خطوات فورية نحو تطبيع كامل مع إسرائيل، كما أن السعوديين قد لا يحصلون على كامل الضمانات الأمنية التي يسعون إليها. ومع ذلك، يعتبر تأثير ولي العهد على سياسات إقليمية ملموساً؛ فقد ساهمت علاقته مع ترامب في قرارات سياسية إقليمية سابقة، ويحتمل أن تؤثر هذه الزيارة على ملفات مثل فلسطين ولبنان وسوريا.
خلاصة
زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن تحمل إمكانيات عملية لكسر جمود في ملفات اقتصادية وأمنية وكذلك لإعادة ضبط علاقة استراتيجية طويلة الأمد. النتيجة الفعلية ستعتمد على مدى تقاطع مصالح الطرفين بين استثمارات ضخمة وطلبات ضمانات أمنية وحسابات سياسية إقليمية، بينما تبقى مسألة التطبيع مع إسرائيل رهناً بتقدم واضح نحو حل عادل للقضية الفلسطينية — وهو شرط تصر عليه الرياض. كما أن تطورات توازن القوى الإقليمية والتحالفات المتعددة ستحدد في النهاية نطاق ما يمكن التوصل إليه خلال هذه الزيارة.