إسلام أباد — تسعى الحكومه الإقليمية في البنجاب، الأكثر اكتظاظًا بالسكان في باكستان، للحصول على موافقة اتحادية لحظر حزب “تحریکِ لبیک پاکستان” (TLP) الموصوف بتيار اليمين المتطرف، وذلك في خضم حملة قمع عنيفة طالت متظاهريه هذا الأسبوع.
ترأست مريم نواز شريف، نائبة رئيس الوزراء وحفيدة شهباز شريف، اجتماعًا اتفق فيه المسؤولون على قرارات وصفوها بأنها «تاريخية» و«استثنائية».
لم تذكر الرئاسة الإقليمية اسم الحزب صراحة، لكن بيانًا أصدرته أفاد بأن السلطات ستسعى لحظر «حزب متطرف»، وأن كل من يتورط في التحريض على العنف، ونشر الكراهية، وانتهاك القانون سيُقبَض عليه «فورًا». وأضاف البيان أن قيادة الحزب ستدرَج في «الجدول الرابع» من قانون مكافحة الإرهاب، وهو سجل يضم أشخاصًا محظورين يُشتبه في ارتكابهم أعمالًا إرهابية وطائفية بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب في باكستان.
جاء الإعلان بعد أربعة أيام من عملية نفذتها قوات إنفاذ القانون فجر الاثنين لتفكيك مخيم احتجاجي لحركة التيار في موريدكي، على بعد نحو 60 كيلومترًا من العاصمة الإقليمية لاهور. وكانت موريدكي قد شغلت العناوين في مايو الماضي عندما أطلقت الهند صواريخ على البلدة، مُستهدفة ما قالت إنه ملاجئ لجماعات مسلحة مقرّها باكستان وزُعم أنها مسؤولة عن هجمات على أراضيها.
وبعد العملية قالت السلطات إنها اعتقلت أكثر من 2700 شخص، وأدرجت نحو 2800 آخرين على قائمة مراقبة مغادرِي البلاد (قوائم الخروج).
قاد الحزب احتجاجات مرتبطة بقضايا التجديف، وهي ملفات شديدة الحساسية في دولة ذات أغلبية مسلمة، وقد وُجِّهت إليه اتهامات بشن هجمات ضد أقليات دينية، لا سيما المسيحيين والأحمديين.
لماذا كانت التيار يحتج؟
في 29 سبتمبر كشف الرئيس الأمريكي خطة من 20 بندًا، برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تهدف إلى وضع حد للحرب المستمرة منذ عامين في قطاع غزة. وقد صادقت دول عدة، بينها باكستان، لاحقًا على هذه الخطة في 13 أكتوبر، التي قضت بوقف فوري للقتال، وإعادة جميع المحتجزين لدى حماس منذ 7 أكتوبر — أحياء وأموات — في غضون 72 ساعة، بالإضافة إلى إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين. كما نصت الخطة على إدارة مؤقتة لتسيير شؤون غزة بقيادة حكومة فلسطينية تكنوقراطية من دون مشاركة لحماس، وأكدت أنها لن تسمح بضم غزة، مع دعوات أمريكية لتشكيل قوة دولية مؤقتة للانتشار في القطاع.
لكن الخطة لم تتضمن التزامًا صريحًا بدولة فلسطينية، وهو مطلب تحظى به غالبية المجتمع الدولي ويشكل ركيزة في سياسة باكستان تجاه القضية الفلسطينية. إثر الإعلان أعلن حزب التيار رفضه للاتفاقية ودعوته إلى مسيرة احتجاجية اعتبرها «مؤامرة لإذلال الشعب الفلسطيني»، فأعلن تنظيم «مسيرة الأقصى ـ غزة» التي كان مقرَّرًا أن تنطلق من لاهور، معقل الحزب، في 10 أكتوبر، متجهة على الطريق السريع الوطني نحو إسلام أباد حيث كان مخططًا أن تُنظم تظاهرة أمام السفارة الأمريكية. وقال متحدث باسم الحزب، رافضًا الكشف عن اسمه خوفًا من الاعتقال، إن هدف المسيرة هو «تجديد التضامن مع الشعب الفلسطيني والوقوف مع مأساة غزة فقط».
كيف تطورت الاحتجاجات؟
تجمّع أنصار الحزب في لاهور يوم الجمعة الماضي، وخاطب سعد حسين رضوي آلاف المشاركين وحثهم على اختراق العوائق التي وضعتها السلطات ومواصلة المسيرة. كانت الشرطة في لاهور قد نشرت حواجز وحفرت خنادق على طول الطريق السريع لقطع دابر الحشد، لكن العمال الحزبيين نجحوا، رغم الاشتباكات، في الوصول إلى موريدكي بحلول الأحد.
تقول السلطات إن بعض أنصار الحزب أطلقوا مواجهات أدت إلى إصابة عشرات من عناصر الشرطة، فيما أفاد صحفي محلي يغطي المسيرة بأن الأنصار وصلوا المدينة على الرغم من الحواجز الكثيفة التي صعّبت الحركة. وبحسب روايته، بدا واضحًا وجود استعداد لشن عملية أمنية كبيرة في المنطقة، وأُبلِغ قادة الحزب بذلك، لكن العمال ظلوا متمسِّكين بمواقعهم حتى نحو الساعة الثانية فجرًا عندما بدأت الشرطة عمليتها بإطلاق أول قذيفة مسيل للدموع. وامتدّت الاشتباكات لساعات قبل الفجر، إذ شَهدت مواجهات متبادلة أوردت تقارير أن بعض عناصر التيار تصدّوا لقوات الأمن في مجموعات صغيرة وحركة سريعة، فيما نفى متحدث باسم الحزب وقوع أي هجمات مضادة وندد بـ«عنفٍ مفرط» مارسته السلطات ضد متظاهرين سلميين. وأعلنت شرطة البنجاب مقتل ما لا يقل عن عنصر شرطة واحد وإصابة عشرات من أفرادها، بعضهم في حالات خطرة.
أعداد الضحايا محل نزاع
منذ انتهاء العملية يوم الاثنين بدأت حسابات مرتبطة بالتيار على وسائل التواصل تزعم مقتل المئات من أنصار الحزب، بينما أفاد بيان حكومي رسمي بمقتل ثلاثة فقط من أنصار التيار. ونفى متحدث عن الحزب هذا الرقم، مؤكّدًا أن «مئات العمال قتلوا ونُقلت جثثهم من المكان بواسطة المسؤولين لإخفاء الجريمة»، من دون تقديم أدلة.
وساهمت قيادات في حزب البعثة الشعبية باكستان (PTI)، المعارضة الأكبر، في تضخيم هذه الادعاءات؛ علماً أن حزب PTI نفسه سبق أن نفّذ عمليات ضد التيار خلال ولايته بين 2018 و2022. ويواجه PTI منذ إقالته من السلطة في أبريل 2022 حملة قمع يقودها الدولة. في نوفمبر الماضي قُتل ما لا يقل عن 12 من عناصرهم خلال تظاهرة في إسلام آباد.
في خضم الجدل حول حصيلة القتلى في المواجهات بين قوات الأمن وحزب تحريك لبّیک (TLP) في موردكي، قال فواد شودري، الوزير الاتحادي السابق للمعلومات في حكومة حزب العدالة (PTI)، للجزيرة إنه تواصل مع عدد من قيادات المجتمع المحلي وسياسيين في مدن قرب لاهور حيث تجمّع مناصرو الحزب. وأضاف أنه تحدث إلى أكثر من عشرين قائداً مجتمعياً للتحقق من وقوع وفيات في دائرتهم بعد حملة القمع على أنصار الحزب، فلم يأتِه إلا تأكيد واحد بخلاف ذلك.
ما هو حزب تحريك لبّیک؟
تحريك لبّیک هو تنظيم ديني-سياسي يتبع المدرسة البريلوية من أهل السنة، تأسس عام 2015 على يد خادم حسين رضوي، والد القائد الحالي، الذي كان مقعداً على كرسي متحرك. تعود جذور المدرسة البريلوية إلى مدينة بريلي في ولاية أتر برديش شمال الهند.
اشتهر الحزب كقوة يمينية متطرفة وشعبوية من خلال احتجاجات مثيرة للجدل وغالباً ما شهدت عنفاً، وركّزت على قضايا التجديف مطالباً بعقوبة الإعدام الفورية لكل من يتهم بهذه الجريمة. برز اسمه بشكل لافت إثر دعمه الشديد لممتاز قادري، الشرطي الذي اغتال حاكم البنجاب سلمان تاسيَر عام 2011 بعد إعرابه عن تعاطف مع آسية بيبي، المرأة المسيحية المتهمة بالتجديف.
واصل الحزب تعبئة قواعده حول قضايا حرمة الدين، وكان أول احتجاج كبير له في نوفمبر 2017. وبعد ذلك نفّذ احتجاجات مماثلة غالباً ما تخلّلتها أعمال عنف في 2020 و2021 اعتراضاً على نشر رسوم اعتُبرت مسيئة، وخلال تلك الاحتجاجات قُتل عدد من عناصر الشرطة.
خاض الحزب الانتخابات في 2018 و2024؛ ورغم عجزه عن الظفر بمقعد في الجمعية الوطنية، حصد أكثر من مليوني صوت في كلٍ من الاستحقاقين. في 2018 احتل المرتبة الخامسة من حيث مجموع الأصوات وفاز بثلاث مقاعد إقليمية من السند، وفي 2024 حلّ رابعاً من حيث الأصوات وفاز بمقعد إقليمي واحد في البنجاب.
توفي مؤسس الحزب رضوي في نوفمبر 2020 لظروف طبيعية عن عمر ناهز 54 عاماً، وتولّى بعده سعد حسين رضوي قيادة الحزب ثم انضم إليه شقيقه الأصغر أنس حسين رضوي.
قضية التجديف حسّاسة للغاية في باكستان ذات الأغلبية المسلمة؛ فقد قُتل ما لا يقل عن 85 شخصاً منذ 1990 على خلفية اتهامات بالتجديف وفقاً لتقارير إعلامية وبحثية محلية. وبحلول 2023 كان نحو 53 شخصاً رهن الاحتجاز في أنحاء باكستان بتهم تتعلق بالتجديف، بحسب اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية. وصعود حزب تحريك لبّیک رافقته زيادة ملحوظة في حالات العنف وقضايا التجديف المسجلة في البلاد. استهدف الحزب خصوصاً جماعة الأحمدية، الأقلية الدينية التي تعتبر نفسها مسلمة لكن أُعلن دستورياً عن عدم انتمائها للإسلام عام 1974، وقد تعرّضت دور عبادتهم ومقابرهم لاعتداءات وتدنيس.
أين الأخوان رضوي؟
بعد حملة الشرطة صباح يوم الاثنين، اختفى قادة الحزب، الأخوان سعد وأنس. تكررت على منصات التواصل شائعات عن مقتل أحدهما بطلقات نارية، لكن شرطة البنجاب نفت ذلك. قال محمد فيصل كامران، مسؤول شرطة لاهور رفيع، لقناة إخبارية في 14 أكتوبر إن كلا الأخوين لا يخضعان حالياً للاعتقال، وإن السلطات نجحت في “تتبع مكانهما” وسيلقون القبض عليهما قريباً. الصحفي شامي ذكر أن الشرطة تنفي احتجازهما لكن من المرجح أن تعلن اعتقالهما رسمياً خلال أيام، موضحاً: “ربما الغرض من عدم إظهارهما فوراً الآن هو تخفيف الغضب بين أنصارهما وضمان بقاء الوضع تحت السيطرة، إذ ثمة انطباع بأن محجينهم قد يغضبون لو قُدّما فوراً.”
هل أخطأت الحركة في حساباتها؟
لحزب ارتكزت علامته السياسية على قضايا التجديف و”السياسة الاحتجاجية”، حاول بعض المراقبين تفسير تحوّله المؤقت إلى قضايا أخرى على أنه مضاهاة واستراتيجية أعقبتها أخطاء حسابية. عبد الباسط، باحث في مركز سراجاراتنام بأكاديمية سنغافورة للدراسات الدولية، الذي تابع نشاط الحركة منذ بروزها، يرى أن الحزب اعتمد دوماً سياسة مواجهة، لكن ربما هذه المرّة حاول الانخراط في قضايا بعيدة عن التجديف.
وقال: “الاحتجاج والاضطراب جزء من حمضية حزب تحريك لبّیک، وحاول الابتعاد عن النشاط المرتبط بالتجديف.” من جانبه، فواد شودري، الوزير السابق، قال إنه لم يشهد أي تعبير علني عن استياء تجاه اتفاقية سلام غزة يبيح ربط الحزب بهذه القضية، مع أنه أيد تحرك الدولة ضد الحزب اليميني المتطرف، متسائلاً: “هل نكافئ من يخرج شعارات «افصل الرأس عن جسد المُجدِف»؟ هل نمنح مشاعر التسامح السياسي لمن يحرق ممتلكات الناس ويستهدف الأقليات؟”
في المقابل، يرى البعض أن لكل مجموعة سياسية أو حركة اجتماعية “الحق الديمقراطي الأساسي في الاحتجاج” بغض النظر عن أجندتها. والسؤال الآن، وفق هذا الطرح، هو ما إذا كانت احتجاجات الحزب سلمية أم لا؛ فماضٍه الملطّخ بأعمال العنف يمنع منحه رصيداً، ومع ذلك توجد أساليب أقل عنفاً لضبط الحشود، ومن الممكن أن تكون الدولة قد استخدمت قوة مفرطة في تعاملها مع الأمر.
قال محمد أمير رنا، محلل أمني ومدير معهد باك للدراسات السلمية، إن الحزب لم يُحاسب سابقاً على أعمال العنف التي ارتكبها في احتجاجاته الماضية، والتي أوقعت إصابات ووفيات بين رجال شرطة البنجاب في مناسبات متعددة. «هذه المرة، وبدعم كامل من الدولة، أُتيحت للشرطة الفرصة لملاحقة الحزب»، قال رانا المقيم في إسلام أباد لقناة الجزيرة.
هل فشل احتجاج حركة تحريك لبّيك الباكستانية بشأن غزة في إحداث صدى لدى الجمهور؟
المعانَدة الشعبية في باكستان للصفقة التي أعلنها ترامب بشأن غزة ظلت خافتة إلى حدّ بعيد، رغم وجود انتقادات وتساؤلات حول جدواها العملية. الأحزاب الدينية الرئيسية في البلاد عقدت تجمعات في مطلع أكتوبر، لكن محورها كان تأكيد التضامن مع أهالي غزة أكثر من مساءلة بنود الصفقة أو شروط تطبيقها.
ربما شعرت حركة تحريك لبّيك بأن مساحتها وأهميتها السياسية في تراجع، فبادرت بتنظيم احتجاج لاستعادة بعض الانتباه العام، بحسب ما قال رانا، المحلل الأمني. أما الخبير باسط، المقيم في سنغافورة، فرأى أن القضية الفلسطينية تبقى مسألة عاطفية لدى كثيرين في باكستان، إلا أن محاولة التيار جَسّ نبض الشارع حول هذه الصفقة لم تُكلّل بالنجاح.
لم تحتج أي جهة سياسية أو دينية أخرى علناً على الصفقة أو على أي مشاركة باكستانية فيها. لو انضمت مجموعات أخرى إلى مسيرة التيار لكان ذلك مؤشرًا قويًا على وجود موقف شعبي رافض يَستحق الخروج إلى الشوارع، لكن هذا لم يحدث، بحسب بساط. وهذا، بوضوح، يشير إلى أن الاحتجاج كان في جوهره محاولة لتعبئة القاعدة الخاصة بالحزب وحدها.