ما مضمون مبادرة السلام الجديدة التي اقترحها رئيس وزراء السودان، كامل إدريس؟ أخبار الاتحاد الأفريقي

مقترح سلام سوداني عُرض على مجلس الأمن

قدّم رئيس الوزراء السوداني كمال إدريس، يوم الإثنين، مقترحاً أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يهدف إلى وضع حدّ للحرب التي تقترب من عامها الثالث والتي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية عالمية، مع نزوح نحو 14 مليون شخص.

خلفية النزاع

اندلعت الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023 إثر صراع على السلطة بين قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، وزعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (“حميدتي”). شهد الصراع تصاعداً دمويّاً، لا سيما في إقليم دارفور، حيث أثارت المجازر الأخيرة انتباه المجتمع الدولي ومطالب منظمات حقوق الإنسان بوقف العنف ودفع الأطراف المتنازعة إلى الحوار.

مضامين خطة إدريس

– وقف فوري لإطلاق النار تحت رقابة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
– انسحاب كامل لقوات الدعم السريع من المناطق التي تسيطر عليها.
– وضع عناصر الدعم السريع في معسكرات للخضوع لعمليات التحقق والتمحيص (vetting) بعد الانسحاب، مع إعادة إدماج المقاتلين الذين لا تُوجه إليهم تهم بارتكاب جرائم حرب.
– مرحلة انتقالية تمهّد لإجراء انتخابات حرة في نهاية الفترة الانتقالية، بهدف فتح “حوار سوداني ـ سوداني” واسع.

خريطة السيطرة العسكرية

بحسب محللين، تسيطر قوات الدعم السريع وحلفاؤها على نحو 40% من مساحة السودان، وتشمل مناطق واسعة من دارفور وكردفان. استحوذت قواتها في أكتوبر على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، في هجوم أسفر عن سقوط آلاف القتلى وادّعاءات بارتكاب فظائع واسعة النطاق. كما سيطرت على بنية تحتية استراتيجية، من بينها حقل هجلغ النفطي قرب حدود جنوب السودان، الذي استولى عليه في الثامن من ديسمبر.

تمتلك القوات المسلحة السيطرة على ما يقارب 60% المتبقية، بينها العاصمة الخرطوم، وتسيطر عملياً على شرق السودان ومنفذ بورتسودان على البحر الأحمر الذي بات مركزها الإداري الفعلي، إلى جانب أجزاء من الشمال والوسط، كما تحتفظ بتفوق جوي. وقد أعلنت الجيش السوداني يوم الإثنين استعادته إحدى البلدات جنوب غرب مدينة الرحّاد في شمال كردفان.

يقرأ  مستويات كوستا في صياغة الأسئلة: ما المقصود بها؟

ردود الفعل من الأطراف المحلية والإقليمية

رفضت قوات الدعم السريع الخطة على لسان مستشار حميدتي، الباشا تبيق، ووصفتها بأنها “إعادة تدوير لخطاب إقصائي متجاوز” لا تختلف عن موقف قائد الجيش. واعتبر تبيق أن فرض انسحاب من مناطق تحت سيطرة الدعم السريع أقرب إلى الخيال منه إلى السياسة.

على الصعيد الإقليمي والدولي، دفعت وساطات متعددة، إضافةً إلى الولايات المتحدة، بأطروحات بديلة كانت قد رُفضت سابقاً من قبل البرهان، بدعوى تحيّز مشاركة الإمارات لصالح الميليشيات ضد الجيش. تتهم الحكومة الانتقالية الإمارات بتزود الدعم السريع بالسلاح، فيما تنفي أبوظبي باستمرار مثل هذه الاتهامات وتعتبر رفع قضية ضدها في محكمة العدل الدولية حملة دعائية لا أخلاقية.

مبادرة “الرباعية” ومقترح الهدنة

تضمّ مجموعة “الرباعية” الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، وقد طرحت مبادرة لوقف إطلاق نار إنساني. حضّ السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة جيفري بارتوس الأطراف على قبول خطة هدنة إنسانية بديلة فوراً ودون شروط. أعلنت قوات الدعم السريع في نوفمبر قبوله لمقترح الرباعية، لكن القتال استمر.

إدريس أكد أمام مجلس الأمن أن مقترحه “محلي المنشأ” وليس مفروضاً عليه، في إشارة غير مباشرة إلى خطط الرباعية.

تقييم الخبراء

رأى رشيد محمد إبراهيم، مدير مركز دراسات العلاقات السياسية الدولية في الخرطوم، أن ما يميّز المقترح هو رؤيته الواضحة وإعادة صياغة الصراع كسلوك عدواني يستدعي ردّاً سياسياً وقانونياً. وأشار المحلّل فيصل عبد الكريم إلى أن نجاح أي مبادرة مرهون بقبول الطرف الخصم (أي الدعم السريع) وبحشد دعم القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الساحة السودانية. وصف بعض البنود بأنها منطقية بينما اعتبر آخرون أن أجزاء منها بعيدة عن التطبيق العملي.

انتقادات توقيت العرض وأطرافٌ داعمة

تطرّق محلل آخر، الواثق كامير، إلى سؤال حول توقيت مواصلة رئيس وزراء دولة ممزقة بالحرب السفر آلاف الكيلومترات لإلقاء كلمة في قاعة يغلب عليها رؤساء البعثات ووكلاؤهم، في وقت سياسي هادئ بسبب عطلات نهاية العام، ما يجعل تأثير الكلمة محل شك.

يقرأ  زعيم بافاريا يصف عقوبات الاتحاد الأوروبي على إسرائيل بأنها «أجواء المذابح»

على الجانب المؤيد، رحّب أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، بالمقترح، مؤكداً أهميته السياسية والإنسانية والأمنية وداعياً إلى تفاعل إيجابي معه.

الوضع الميداني الآن

تصاعدت المعارك خلال الأسابيع الماضية بعد تكثيف الدعم السريع هجماته حول الفاشر. استمر الحصار الذي استمر نحو 18 شهراً قبل استيلاء المجموعة على المدينة، ما قطع سبل وصول الغذاء والدواء والإمدادات الضرورية عن السكان، ورافقه اتهامات بارتكاب مجازر واختطافات وأعمال عنف جنسي واسعة النطاق وحفر قبور جماعية. ورغم عرض خطة إدريس، تواصلت المواجهات على الأرض.

الأسئله الجوهرية تبقى حول قدرة المجتمع الدولي والجهات الإقليمية على فرض تطبيق أي اتفاق وعلى مدى استعداد الأطراف السودانية لالتزامه، وما إذا كانت خارطة حلّية فعّالة قادرة على إنهاء دورة العنف الطويلة في السودان. احقًا لا يوجد شيء على الإطلاق داخلها؟

أضف تعليق