زيارة ميرز لإسرائيل
يزور المستشار الألماني فريدريش ميرز إسرائيل لأول مرة منذ تسلمه منصبه في مايو، وتأتي الزيارة بعد أيام من قرار ألمانيا رفع تعليق استمر ثلاثة أشهر على تصدير أسلحة قد تُستخدم في قطاع غزة. القرار أعيد بصيغته الرسمية عقب تقييم دولي وإقليمي لوقف إطلاق النار وتقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق.
موقف وقف تراخيص التصدير ورفعها لاحقاً
في 8 أغسطس أعلن ميرز تعليق إصدار رخص تصدير الأسلحة لإسرائيل، مشدداً على أن بلاده لم تعد قادرة على تجاهل الخسائر المتزايدة في صفوف المدنيين في غزة، معَ إبقاء تأكيده على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وضرورة إطلاق سراح المختطفين لدى حماس. رد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن القرار يكافئ حماس ويضر بموقف إسرائيل في حربها التي وصفها بأنها عادلة. في 24 نوفمبر أنهت المانيا القيود مشيرةً إلى أن الوضع في غزة بات “مستقراً” نسبياً، مع تحفظ على استمرار الالتزام بوقف النار وتوصيل مساعدات إنسانية واسعة.
محادثات آجلة ومحاور الزيارة
من المتوقع أن يلتقي ميرز نتنياهو لمناقشة العلاقات الثنائية، آفاق تثبيت وقف إطلاق النار، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. الزيارة تندرج ضمن سلسلة اجتماعات تهدف إلى إعادة ضبط العلاقات الدفاعية والاقتصادية بين البلدين بعد نقاشات داخلية ومخاوف دولية بشأن تأثير الأسلحة المصدَّرة على المدنيين.
مبيعات الأسلحة والدوران السلاحـي
وفق معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، كانت الولايات المتحدة المورد الأكبر للأسلحة لإسرائيل بين 2019 و2023 بنسبة تقارب 69% من المعدات العسكرية، بينما كانت ألمانيا المورد الثاني بنحو 30%، ليشكّل البلدان معاً نحو 99% من واردات إسرائيل العسكرية. في 2023 أذنت الحكومة الألمانية بـ308 رخص تصدير عسكرية لإسرائيل بقيمة 326.5 مليون يورو، بارتفاعٍ يقارب عشرة أضعاف مقارنةً بـ32.3 مليون يورو في 2022. منذ 2003 بلغت صادرات ألمانيا إلى إسرائيل نحو 3.3 مليار يورو، شملت تجهيزات بحرية مثل فرقاطات من طراز صaar-6 (Sa’ar 6) التي شاركت في عمليات بحرية وأسهمت في فرض الحصار البحري على غزة. اسرائيل أيضاً تشغّل غواصات من طراز دولفين التي تُعدّ الدعامة الأساسية لأسطول الغواصات لديها.
كما شملت الصادرات أنواعاً من الذخائر الصغيرة، ومنها قاذفة الكتف الألمانية “ماتادور” التي استُخدمت منذ 2009، بالإضافة إلى صواريخ ومحركات للدبابات والمركبات المدرعة. وفي تطور لافت، نقلت تقارير بلومبرغ في 3 ديسمبر أن إسرائيل سلّمت ألمانيا منظومة الدفاع الصاروخي الباليستي الطويل المدى Arrow 3، في صفقة تُعد من أكبر عقود التصدير الدفاعي الإسرائيلية بقيمة تفوق 3.6 مليار يورو، شاملة أنظمة إطلاق وذخائر ورادارات.
لماذا استؤنفت تصديرات الأسلحة؟
قرار ميرز بتعليق رخص التصدير شكّل تحولاً ملحوظاً في سياسة برلين الدفاعية، لكنه شُرِط لاحقاً رفع هذا التعليق بالتزام الطرف الإسرائيلي بدقة بنود وقف النار وبتسهيل وصول المساعدات. المعطيات الميدانية تُشير إلى هشاشة هذا التهدئة: تقارير حكومية في غزة وثّقت مئات حالات خرق لوقف النار من قبل القوات الإسرائيلية، مع سقوط مئات القتلى والجرحى المدنيين واستمرار قيود على دخول المساعدات—فقط نسبة ضئيلة من الشاحنات المقررة سمِحَ لها بالدخول.
تحذيرات دولية وإقليمية
خلال منتدى الدوحة حذر رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني من أن وقف النار يمرّ بلحظة حرجة وقد ينهار دون تقدم سريع نحو اتفاق سلام دائم، واصفاً الوضع على الأرض بأنه “توقُّف مؤقت” أكثر منه وقف إطلاق نار حقيقي.
التبادل التجاري بين البلدين
تعد ألمانيا الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل في أوروبا والخامس عالمياً كسوق تصدير لإسرائيل. عام 2023 صدرت إسرائيل سلعاً إلى ألمانيا بقيمة نحو 2.64 مليار دولار، ركزت أساساً على تقنيات متقدمة وإلكترونيات. في المقابل صدّرت ألمانيا إلى إسرائيل سلعاً بقيمة نحو 5.5 مليار دولار، بقيادة الماكينات والإلكترونيات ثم السيارات والمنتجات الصيدلانية. تستثمر ألمانيا بنشاط في التكنولوجيا الإسرائيلية عبر صناديق رأس المال المُخاطِر، وبرامج البحث والتطوير، وشراكات شركات كبرى مثل سيمنز وباير.
الاحتجاجات والسياسة الداخلية الألمانية
بعد هجمات 7 أكتوبر 2023 زار أولاف شولتس إسرائيل وأكد حقها في الدفاع عن نفسها، فيما أثار موقف ألمانيا الداخلي جدلاً واسعاً؛ فقد شَهِدت الساحة الألمانية تقييدات على عرض التضامن مع الفلسطينيين طيلة عامين من الحرب، مع احتجاز متظاهرين وحظر فعاليات نصرة فلسطين، وفق منتقدين من منظمات حقوقية. كما أعلنت الحكومة أنها لا تنوي الاعتراف بدولة فلسطينية على نحوٍ مماثل لعدد من الدول الأوروبية التي فعلت ذلك هذا العام. منذ أكتوبر 2023 سجّلت قواعد بيانات ACLED نحو 801 احتجاجاً مرتبطة بالصراع داخل ألمانيا، 670 منها مؤيدة لفلسطين و131 مؤيدة لإسرائيل.
موقف ألمانيا في المحافل الدولية
تُقرأ علاقة ألمانيا بإسرائيل في ضوء سياق تاريخي خاص؛ إذ حملت برلين بعد الحرب العالمية الثانية التزاماً أخلاقياً وسياسياً تجاه المجتمع اليهودي، تجلّى في اتفاقات تعويضية منذ عام 1952. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبع ألمانيا سياسة تصويت حذرة غالباً؛ تميل للامتناع عن التصويت في حالات عدة لتفادي عزْل إسرائيل كلياً، وفي الوقت نفسه تؤيّد قرارات تُعيد التأكيد على حل الدولتين واحترام القانون الدولي. منذ أكتوبر 2023 عالجت الجمعية العامة ما لا يقل عن سبع قرارات مرتبطة بقطاع غزة والقضية الفلسطينية، وصوّتت ألمانيا لصالح أربعة منها بينما امتنعت عن ثلاثة.
خلاصة
زيارة ميرز تمثل محطّة سياسية ودبلوماسية تهدف إلى إعادة تنظيم علاقات برلين مع تل أبيب على مستويات عسكرية وتجارية وإنسانية، وسط توترات داخلية وضغوط دولية حول التزام إسرائيل بوقف النار وضرورة حماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات إلى غزة.