لحظة فاصلة في تاريخ البرازيل: أُدين الرئيس السابق جايير بولسونارو بمحاولة انقلاب وقيادة جماعة إجرامية مسلحة بعد خسارته الانتخابات الأخيرة، والتي تكللت بهجوم أنصاره على مبانٍ حكومية.
المحكمة العليا البرازيلية توصلت إلى الأغلبية اللازمة — ثلاث أصوات — لإدانته، ما يعرّضه لاحقاً لعقوبة سجن مطولة قد تطول بقية حياته. الحكم فتح فَصْلاً جديداً من الانقسام العميق الذي أطاح بالبلد سنوات طوال، إذ لقد حوّل بولسونارو البرازيل إلى شطرين: من يحبه ومن يكرهه.
أنصاره، ومن بينهم من أعرب عن تضامنه علناً دونالد ترامب، اعتبروا المحاكمة «اضطهاداً سياسياً». ترامب استغل القضية ذريعةً لفرض تعرفة جمركية بنسبة 50% على البرازيل، وفق ما ذُكر. وعلى النقيض، اعتبر منتقدوه مجريات المحاكمة ضرورية لإغلاق ذلك الملف وإرساء سابقة مفادها أن المساس بالديمقراطية لا يُحتمل.
المحاكمة اجتذبت اهتمام الملايين عبر البث المباشر على وسائل التواصل والتلفزيون، وسارت أحداثها درامية كما لو أنها مشهد من سلسلة تلفزيونية. كثيرون استعادوا صور 8 يناير 2023 حين اقتحم آلاف من مؤيدي بولسونارو مبانٍ حكومية — مشاهد استحضرت ذاكرة اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021.
خلال المحاكمة انكشفت أدلة مدهشة: وثيقة خطط — وضعها حلفاء لبولسونارو — تضمنت استهداف عناصر من قوى النخبة لاغتيال الرئيس المنتخب لويس إيناسيو «لولا» دا سيلفا، ونائبته، وقاضٍ بالمحكمة العليا ألكسندر دي مورايس؛ وقد وُجدت نسخة مطبوعة من الخطة في القصر الرئاسي، أدرجت «التسميم» كوسيلة محتملة لاغتيال لولا.
محامي بولسونارو بدوره أعرب عن استيائه دفاعاً عن موكله، مُصراً على غياب أدلة تربط الرئيس السابق مباشرة بهذه المؤامرة أو بأحداث 8 يناير. ورغم ذلك، ذُكرت أيضاً محاولاته المتكررة الطعن في نزاهة النظام الانتخابي: لقاء بسفراء أجانب في القصر الرئاسي قبل الانتخابات لزرع شكوك حول آلات التصويت الإلكترونية، وممارسات أعاقت وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع بحجج تفقد «حالة المركبات» في يوم الاقتراع.
المحاكم أحياناً استحضرت ذاكرة البرازيل القريبة، فديمقراطيتها شابة نسبياً — استعادت وضعها المدني عام 1985 بعد عقدين من حكم استبدادي انطلق بانقلاب عسكري دعمته الولايات المتحدة. بالنسبة لمنتقدي بولسونارو، كانت الموازيات مخيفة.
القاضي الموكل بالقضية، ألكسندر دي مورايس، حذر من أن البرازيل قد «تنسى تدريجياً» مدى قربها من الرجوع إلى دكتاتورية، لأن «منظمة إجرامية مكونة من مجموعة سياسية لا تعرف كيف تخسر الانتخابات». تاريخ البلاد مليء بالانقلابات والمحاولات الانقلابية، لكن قلّما جلس مَن خططوا لتلك المحاولات في قفص الاتهام: كثيرون نالوا العفو. لكن خصوم بولسونارو يأملون أن تكون هذه الإدانة رسالة قاطعة: إلى المتاعب لا عودة.
ماذا سيحدث الآن؟ لا يزال ملف العقوبة مفتوحاً؛ قد يُحكم عليه بسجن يستمر مدى الحياة. من المرجح أن يطعن للمحكمة العليا مجتمعة، والتي تضم قضاة عيّن بعضهم أثناء رئاستِه، لكن لِقبول إعادة النظر مطلوب أن يعثر اثنان من أصل خمسة قضاة على سبب لإدانة غير صحيحة — بمعنى آخر، معوقات قانونية صارمة. في البرازيل لا تُنفَّذ العقوبات إلا بعد استنفاد كل درجات الطعن.
بولسونارو لم يحضر جلسة النطق بالأحكام، ومحاموه استندوا لاعتبارات صحية؛ إذ يعاني منذ تعرضه للطعن خلال حملة انتخابية عام 2018، وأصيب إثرها بمشكلات صحية متكررة. ثمة سابقة تمنح المحكومين السجن المنزلي لأسباب عمرية أو صحية، وقد يطالب بها عند صدور الحكم.
الكونغرس، حيث يتمتع حزب بولسونارو بأغلبية، يحاول أيضاً تمرير تشريعات تمنحه العفو. وأحد أبرز الوجوه اليمينية المرشحة للانتخابات الرئاسية المقبلة، الذي يطلب تأييد بولسونارو، أعلن أنه سيمنحه العفو إذا انتُخب.
باختصار، هذا الحكم يعد محطة مهمة في تاريخ البرازيل الحديث، لكنه لا يترجم فوراً إلى جزاء محدد؛ جزاؤه النهائي مرهون بمسار الطعون، بموازين القوى السياسية، وبقرارات تشريعية قد تُغيّر المشهد — والبلد قد يخرج من هذه المرحلة أكثر انقساماً أو، على العكس، بعدالةٍ سياسية تضع أسساً لحماية ديموقراطيته.