شهدت مدن حول العالم احتجاجات واحتفالات تأبينية تضامناً مع الفلسطينيين المعانين في غزة وتكريماً لخمسة من العاملين في الإعلام—أربعة صحفيين تابعين لقناة الجزيرة واثنين من العاملين المستقلين—الذين قُتلوا في الحصار إثر ما وصفته تقارير بأنه اغتيال متعمد استهدفهم يوم الأحد.
تجمّع صحفيون وطلاب ونشطاء وأعضاء من المجتمع المدني، لا سيما في كيب تاون بجنوب أفريقيا، ومانلا، ولندن بالمملكة المتحدة، يوم الأربعاء، مطالِبين حكوماتهم بممارسة ضغوط على إسرائيل للسماح لوسائل الإعلام الدولية بدخول قطاع غزة ووضع حد لما وصفوه بـ«الحرب الإبادة» التي تشنها إسرائيل هناك.
في ساعة متأخرة من يوم الأحد، قُتل مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريّقة، إلى جانب مصوّريْن؛ ابراهيم زاهر ومحمد نوفل، جراء ضربٍ إسرائيلي استهدف خيمة إعلامية كانت قريبة من مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
كان أنس الشريف من أبرز الوجوه المعروفة في غزة، لالتزامه المستمر بتغطية الواقع الميداني منذ اندلاع حرب إسرائيل على غزة التي أعقبت هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل.
تشير تقديرات رسمية إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة أودت بحياة ما لا يقل عن 61,722 شخصاً وأصابت 154,525 آخرين. كما قُدّر عدد الذين قُتلوا في إسرائيل خلال هجمات 7 أكتوبر 2023 بنحو 1,139 شخصاً، فيما أُخذ أكثر من 200 رهينة.
وقُتل ما يقرب من 270 صحفياً وعاملاً في وسائل الإعلام الفلسطينية منذ اندلاع الحرب، وفق إحصاءات متواصلة.
جنوب أفريقيا
تجمّع أعضاء من المجتمع المدني وصحفيون أمام كاتدرائية سانت جورج في كيب تاون يوم الأربعاء للتعبير عن غضبهم من مقتل الشريف، حاملين لافتات من بينها «كان صوتك أعلى من قنابلهم». ووصفت فَهْميدة ميلر، مراسلة الجزيرة من كيب تاون، الموقع بأنه يحمل دلالة رمزية «ضد القمع هنا في جنوب أفريقيا، خصوصاً خلال عقود الفصل العنصري».
وقالت ميلر إن الحضور «قد أدانوا ما فعلته إسرائيل» وأكدوا رغبتهم في «دخول صحفيين دوليين إلى غزة إلى جانب عمل الصحفيين الفلسطينيين»، مضيفة أن «الناس هنا غاضبون».
قالت الصحفية زبيدة جعفر لميلر: «كنت إحدى الصحفيات اللواتي استُهدِفن، تلك الوسائل الإعلامية التي وثّقت الفصل العنصري… فالأمر يلقى صدى كبيراً عندي». وأضافت ميلر أن الحكومة الجنوب أفريقية سبق وأن أدانت قتل الصحفيين في غزة، لا سيما في عام 2022 حين قُتلت شيرين أبو عاقلة، واصفة الحادث بأنه «انتهاك للقانون الدولي».
أبو عاقلة كانت صحفية فلسطينية-أمريكية عملت مراسلة لدى الجزيرة لأكثر من خمسة وعشرين عاماً قبل أن تُقتل على يد القوات الإسرائيلية أثناء تغطيتها لاقتحام مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة.
في ديسمبر 2023، رفعت جنوب أفريقيا قضية أمام محكمة العدل الدولية متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.
المملكة المتحدة
نقابيون من فرع الاتحاد الوطني للصحفيين في المملكة المتحدة وضعوا أكاليل عزاء ونصبوا لافتات خارج مقر رئاسة الوزراء في رقم 10 داونينغ ستريت يوم الأربعاء، وفق تقارير مراسلي الجزيرة في لندن. وحمل المحتجون لافتات بأسماء الصحفيين الذين قُتلوا منذ بدء الحرب، وقرأوا أسماء كل منهم، و«أدّوا رمزياً الصلوات الجنائزية الإسلامية» على أرواح القتلى.
وقال المراسل إن الحاضرين «أدانوا بشدة حكومة بريطانيا … واعتبروا أنها متواطئة فيما يجري في غزة لعدم قيامها بالمزيد والتحدث بصورة أقوى». ورغم تصريح رئيس الوزراء كير ستارمر يوم الاثنين عن «قلقه العميق» إزاء مقتل صحفيي الجزيرة، فإن من طالبوا بالتحرك يوم الأربعاء «يرغبون في إدانة صريحة لا تقبل القليل»، وفق المراسل.
كما طالبوا الحكومة باتخاذ خطوات حازمة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لضمان سلامة الصحفيين في غزة والسماح بدخول صحفيين دوليين للعمل بحرية هناك، إضافةً إلى إجراء تحقيق مستقل من قبل المحكمة الجنائية الدولية لتأمين العدالة والمساءلة للمسؤولين عن هذه الجرائم.
وقد أدان ستارمر مؤخراً خطط إسرائيل للسيطرة على مدينة غزة، واصفاً إياها بأنها «خطأ» و«لن تجلب إلا مزيداً من إراقة الدماء». كما أعلن أن المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر ما لم تلِحِق إسرائيل شروطاً محددة، من بينها الاتفاق على وقف لإطلاق النار وإعادة إحياء آفاق حل الدولتين.
الفلبين
تجمّع طلاب وصحفيون جامعيون وناشطون في جامعة الفلبين يوم الأربعاء للتعبير عن الغضب من مقتل صحفيي الجزيرة. واعتبروا أن «الهجوم… محاولة متعمدة من إسرائيل للتغطية على جرائمها ضد الإنسانية» في قطاع غزة، بحسب مراسل الجزيرة في مانلا.
ووصف المحتجون الاتهام بأن أنس الشريف—أحد أبرز الأصوات الميدانية من داخل غزة—عضو في حركة حماس بأنه اتهام لا أساس له، معتبرين أنه «تكتيك قديم تستخدمه حكومات تهدف إلى إسكات الحقيقة». وقال الصحفي الجامعي كارل باتريك سويات إن «أي قوة إمبريالية تختار كبش فداء كذريعة، مهما كانت واهية».
وطالب المحتجون المجتمع الدولي بتصعيد الضغوط على إسرائيل لوقف ما وصفوه بالإبادة، ومن ضمن ذلك دعوة حكومة الفلبين إلى قطع العلاقات التجارية والدفاعية مع إسرائيل. وتُعد الفلبين ثالث أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية.
في يونيو، صوتت الفلبين لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، وأدان استخدام التجويع كسلاح حرب، ودعا إلى رفع الحصار عن المساعدات الإنسانية المتجهة إلى القطاع.