واشنطن، دي سي — خلال العامين الماضيين كانت أيام سوزانا تملؤها صفحات كتب الصور، وترتيب خزائن اللعب، وقيادة جوقات صفية من الأغاني.
لكن عملها كمعلمة روضة توقف فجأة في أكتوبر عندما اكتشفت أن طلبها لتجديد تصريح العمل رُفض.
تستخدم سوزانا اسماً مستعاراً في هذه السطور خوفاً من تداعيات، وهي واحدة من نحو عشرة في المئة من المعلمين في الولايات المتحدة الذين وُلدوا في الخارج.
ومع تزايد اللجوء إلى السوق الدولية لسدّ نقص المعلمين، يقول بعض المدرسين المولودين خارج البلاد إن حملة الترحيل في ظل رئاسة دونالد ترمب هددت سبل رزقهم — وهددت بإحداث صدمات لدى التلاميذ.
سوزانا، طالبة لجوء فرت من العنف في غواتيمالا قبل نحو عقد، تقول إن فقدان تصريح العمل اضطرها إلى التوقف فوراً عن التدريس. تتذكر خبر الوداع أمام الاطفال، بعضهم لا يتجاوز الثالثة من العمر، والذين لم يكونوا قادرين على الفهم. «في أسبوع واحد خسرت كل شيء»، أخبرت سوزانا قناة الجزيرة بالإسبانية. «عندما قلت للأطفال وداعاً، سألوني لماذا، فأجبتهم: أستطيع فقط أن أقول لكم وداعاً. بعضهم عانقني، وكان ذلك موجعاً لقلبى.»
المدافعون عن الأطفال يحذرون من أن الرحيل المفاجئ للمعلمين قد يضر بنمو الصغار في المدارس.
البحث عن معلمين في الخارج
تختلف التقديرات حول عدد المعلمين المولودين في الخارج العاملين في الولايات المتحدة. لكن تقريراً صدر عام 2019 عن جامعة جورج ميسون وجد أن 857200 مهاجراً كانوا من بين 8.1 مليون معلم في البلاد، في وظائف تمتد من رياض الأطفال إلى الجامعة.
وللسنة الدراسية 2023–2024 فقط، جلبت الحكومة الأميركية 6716 معلماً بدوام كامل إلى البلاد عبر تأشرات تبادل مؤقتة لملء شواغر في مرحلة ما قبل الروضة والتعليم الابتدائي والثانوي.
جاء كثيرون من الفلبين، إضافة إلى بلدان مثل جامايكا وإسبانيا وكولومبيا.
إلا أن حالة عدم اليقين التي فرضها عهد ترمب الثاني أثّرت بشكل كبير على المدارس التي تعتمد على المعلمين المولودين في الخارج.
هذا ما حدث في الروضة التي كانت تعمل فيها سوزانا، «كوميونيكيدز» CommuniKids، وهي مؤسسة تقدم برامج غمر لغوي في واشنطن.
يقدّر المؤسس المشارك ورئيسها راوول إتشيفاريا أن المهاجرين — مواطنين وغير مواطنين يعملون بتصاريح قانونية — يشكلون نحو 90 في المئة من طاقم عمل كوميونيكيدز. لكنه قال للجزيرة إن السعي لإلغاء المسارات القانونية للهجرة عرض وظائف عدة أعضاء هيئة تدريس للخطر.
تأثّر خمسة معلمين آخرين في المدرسة بتغيرات برنامج الحماية المؤقتة (TPS). جميعهم، كما أوضح إتشيفاريا، من فنزويلا في الأصل. وفي أكتوبر أنهت إدارة ترمب وضع TPS لأكثر من 350000 مواطن فنزويلي، بمن فيهم المعلمون في كوميونيكيدز. ووفق موقع خدمات المواطنة والهجرة الأميركية فإن صلاحية عملهم القانونية ستنتهي في الثاني من أكتوبر 2026.
«هؤلاء المعلمون فقدوا وسيلتهم لكسب الرزق»، قال إتشيفاريا، مشدداً على أن المدرسة تحتاج إلى معلمين ذوي خبرة في لغات مثل الإسبانية والفرنسية والماندرين.
روابط قوية
بالنسبة للمدارس، يمكن أن تكون الخسائر مدمرة. أبلغت كل ولاية في الولايات المتحدة الحكومة الفيدرالية بنقص في المعلمين.
لكن المدافعين يشيرون إلى أن الضغوط العالية والأجور المتدنية في قطاع التعليم تجعل تجنيد المعلمين واحتفاظهم أمراً صعباً. ذلك يدفع بعض الولايات إلى البحث عن عمال تعليم من الخارج. في كارولاينا الشمالية، على سبيل المثال، عمل 1063 أجنبياً بدوام كامل كمعلمين في المدارس الابتدائية بتأشيرات J-1 خلال العام الدراسي 2023–2024. وكانت الوجهات العليا لهذه التوظيفات ولايات جنوبية: تلت كارولاينا الشمالية فلوريدا التي استقبلت 996 معلماً بتأشيرات J-1، ثم تكساس بـ761 معلماً.
وقال إتشيفاريا إن أكبر التأثيرات الناجمة عن حملة الترحيل يشعر بها التلاميذ أنفسهم. «تطوّر طلابنا روابط قوية مع معلميهم، وفجأة، بين ليلة وضحاها، فقدوا معلميهم»، أضاف. «قوتهم العظمى هي قدرتهم على التعاطف وبناء علاقات فعّالة مع أشخاص من أي خلفية». ولكن حين تُقَطَع هذه الروابط قد تترتب عواقب نفسية وتأخيرات في التحصيل التعليمي، لا سيما لدى الأطفال الأصغر سناً.
دراسة أُصدرت عام 2024 عن الجمعية الأميركية لأبحاث التعليم (AERA) وجدت أن مغادرة المعلمين في منتصف العام تُحدث ضربة قابلة للقياس في نمو اللغة لدى الأطفال. بعبارة أخرى، فقدان معلم مألوف — شخص يعرف روتين الطفل ونقاط قوته ومخاوفه — قد يعرقل تقدمه بصمت، وتمتد آثار ذلك إلى إحساس الطفل بذاته واستقراره.
عواقب على الصحة النفسية
بالنسبة لأولياء أمور مثل ميشيل هاول، والدة طفل يلتحق بكوميونيكيدز، جعل رحيل المعلمين بيئة الفصل تبدو هشة. «المعلمون هناك ليسوا مجرد مدرسين لهؤلاء الصغار»، قالت هاول، وهي أميركية من أصل صيني. «هم كعائلة ممتدة. يحتضنونهم، يعتنون بهم، يفعلون ما يفعله الأهل. عندما يختفي هؤلاء الناس، لا يكون الأمر صعباً على الأطفال فحسب، بل على الجميع.»
ذكّرتها هذه الاختفاءات المفاجئة بتاريخ أسرتها: «كنت أقرأ عن أمور مثل هذه تحدث في الصين، البلد الذي غادرت منه عائلتنا بحثاً عن الأمان»، قالت. «من المزعج جداً أن ندرك أن ما هربنا منه آنذاك أصبح واقعنا الآن. الناس تختفي.»
أشارت مرشدة نفسية مدرسية تُدعى ماريا، طلبت إخفاء هويتها لحماية عملها في مدارس عامة بولاية تكساس، إلى أن الأطفال الذين تعمل معهم يعانون من عدم الاستقرار الناجم عن حملة الترحيل. فقدان شخص محب أو مرشد — مثل معلم مفضّل — قد يفيض بجسم الطفل بهرمون الكورتيزول، الهرمون الذي يُفعل لحمايته في لحظات الخطر. ولكن عندما يصبح هذا التوتر مزمناً، يبدأ نفس الهرمون في إلحاق الضرر أكثر مما ينفع؛ إذ يتداخل مع الذاكرة والانتباه والتنظيم العاطفي.
«عند بعض الأطفال يظهر ذلك كقلق، وعند آخرين كاكتئاب أو نوبات تفجّرية مفاجئة»، قالت ماريا. «إنهم في وضع القتال أو الهروب طوال اليوم.» وأضافت أن الطفولة الانتقائية للحديث، وهي اضطراب قلق، آخذة في الارتفاع بين الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين خمس واثنتي عشرة سنة. «كان هذا نادراً سابقاً، ربما حالة واحدة في المدرسة، لكني أراه الآن باستمرار.» «إنه عرض صامت للخوف.»
الاستعداد للأسوأ
في مركز “كوميونيدز”، أوضح إيتشيفاريا أنّه وزملاءه من الموظفين أعدّوا خطط طوارئ احتياطية تحسّبًا لاحتمال وصول عناصر إنفاذ قوانين الهجرة إلى الحضانة. والهدف، كما قال، أن يشعر كل من الموظفين والأطفال بمزيد من الأمان عند حضورهم الصف.
«دوّنا تلك الخطوات كتابة لأننا أردنا أن يعرف موظفونا أنهم ليسوا وحدهم،» قال. «لدينا محامون على أهبة الاستعداد. نحن شركاء مع الشرطة المحلية. لكن قبل كل شيء، مهمتنا حماية أطفالنا.»
كإجراء احترازي إضافي، يُنصح المعلمون والمعلمات بحمل جوازات سفرهم أو تصاريح العمل معهم.
حتى إيتشيفاريا نفسه، المواطن الأمريكي المولود في ولاية فرجينيا، قال إنه يحمل الباسبور أينما ذهب؛ فخوف الترحيل يميل إلى البقاء.
«أنا ثنائي اللغة ومن أصول هسبانية،» قال. «نظراً لما يجري، أريد ان أتمكن من إثبات مواطنيتي إذا ما شكّ أي شخص في ذلك.»