قبل خمس سنوات كان نحو 650 مليون إنسان يعيشون في فقر على مستوى العالم، والآن ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 800 مليون — أي إن واحداً من كل عشرة أشخاص على هذا الكوكب لا يزال يكافح لتأمين احتياجاته الأساسية. هذه الحقائق الصارخة تفرض واجبات عاجلة على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع العالمي بأسره.
في خضم هذا التحدّي العالمي، جعلت أوزبكستان محاربة الفقر أولوية وطنية. وفي إطار هذه الجهود احتضنت الدولة في نامانغان المنتدى الدولي الثالث بعنوان «من الفقر إلى الازدهار»، الذي جمع ما يقرب من 200 خبير وصانع قرار وممثلين عن مؤسسات مالية رائدة.
من الفقر إلى الازدهار: نموذج للمستقبل
عند افتتاحه للمنتدى، استعرض الرئيس شوڤكات ميرزياييف مساراً طموحاً لبلاده، معتبراً أنه بالإمكان بناء نموذج أوزبكي لخفض الفقر يستند إلى دروس العالم الناجح، وأن الهدف بإمكانه أن يكون أعلى: القضاء الكامل على الفقر المطلق داخل البلاد بحلول عام 2030 وفق المعايير الدولية — وهو هدف قابِل للتحقيق ولا بد أن يتحقق.
هذا النهج نال إشادة من شركاء دوليين؛ فقد رأى ليو جون ون، المدير العام لمركز الصين الدولي لتقليل الفقر، أن منظومة السياسات المقترحة تمثّل إطاراً مثالياً لمكافحة الفقر.
برنامج وطني شامل: «من الفقر إلى الازدهار»
لتحويل الرؤية إلى واقع أطلقت أوزبكستان برنامجاً وطنياً متكاملاً بعنوان «من الفقر إلى الازدهار»، يغطي سبع محاور أولية — من بناء مصادر دخل مستدامة إلى تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية. يركّز البرنامج ليس على فرص العمل المؤقتة بل على توطيد التوظيف الدائم الذي يؤمن دخلاً مستقراً للأسر.
أوبيـد خاكيـموف، مدير مركز البحوث والإصلاح الاقتصادي، بيّن خصوصية هذا الأسلوب، مشيراً إلى أن البرنامج بدأ تنفيذ سياسات مكثفة منذ 2020 وأن التجربة كانت ناجحه لأن العمل انطلق من مستوى المحلة المحلية. هناك نحو 10 آلاف محلة، وفي كلٍ منها تعيّن الدولة مسؤولاً مختصاً لديه الخبرة والمعرفة لمتابعة ملفات الحدّ من الفقر. حين قيس الفقر وفق خط الفقر الوطني لأول مرة في 2021 كان نسبته 17%، أما الآن فقد انخفضت إلى أقل من 7%.
نموذج القاعدة الشعبية هذا أثبت تأثيره التحويلي: تحصل العائلات على دعم فردي وتوجّه الموارد لرفع دخل الأسر. سنوياً تُستثمر بين 2.3 و2.8 مليار يورو في تطوير المحلات، وتحسين ظروف المعيشة، وتوسيع بنى الأعمال المحلية.
نتائج ملموسة وتأثير إقليمي
النتائج واضحة: بحسب البنك الدولي تراجع معدل الفقر في أوزبكستان من 32% عام 2016 إلى 8.9% عام 2024، مما رفع 7.5 مليون شخص من دائرة الفقر. أوبرت بيمهيدزاي، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، أكد أن ما يميز تجربة أوزبكستان هو وتيرة التقدّم المستمرة حتى بعد جائحة كوفيد؛ ففي فترة 2021–2024، حين شهدت دول أخرى جموداً أو تردّداً، حققت أوزبكستان انخفاضات ملحوظة ومستدامة.
هذا العام وحده جرى استثمار ما يقارب 30 مليار يورو، أُنشئت بموجبه 300 ألف وظيفة جديدة وتوسّعت برامج خاصة بالنساء والشباب. من الأدوية المجانية والمدفوعات الاجتماعية إلى التدريب المهني وقروض الأعمال، فتحت الدولة أبواب الفرص على مستويات متعددة.
وعلى مستوى المنطقة، تلعب أوزبكستان دوراً محورياً في خفض الفقر في وسط آسيا؛ إذ تفسّر تقدمها نحو 20% من الانخفاض الإقليمي الإجمالي، وما سيحصل مستقبلاً يعتمد إلى حدّ كبير على استمرار تقدّمها.
دروس دولية: نمو شامل وأخضر
أبرز الخبراء أن إصلاحات أوزبكستان تربط بين النمو والشمولية والاستدامة. سانغهون لي من منظمة العمل الدولية رأى تشابهاً كبيراً مع التجربة الصينية في الجمع بين أهداف اقتصادية طموحة وسياسات شاملة وإجراءات موجهة على المستويين الوطني والمحلي، مع تقدّم ملحوظ في الانتقال إلى اقتصاد أخضر.
الخلاصة أن كسب المعركة ضد الفقر يتبلور عندما يقترن النمو بالعدالة: حين تستثمر الدول في التعليم، وتزوّد الناس بالمهارات اللازمة، وتضمن وصول الفرص لجميع فئات المجتمع.