فرقة اللصوص التي اقتحمت متحف اللوفر في باريس صباح الأحد وسرقت ثماني قطع نابليونية من المجوهرات الثمينة في عملية سلب استغرقت أربع دقائق، لم تكن سوى أحدث حلقة في سلسلة طويلة من السرقات الجريئة التي استهدفت هذا الصرح الرمزي.
استخدم المهاجمون سلمًا مُثبتًا على شاحنة للوصول إلى صالة أبولون المذهّبة في الطابق الثاني، ثم استعملوا قاطع زاوية لكسر نافذة والوصول إلى جواهر التاج الفرنسي. وقعت السرقة في الساعة 9:30 صباحًا، أي بعد نصف ساعة من فتح المتحف للزوار. لا يزال الجناة طلقاء والمتحف مغلق مؤقتًا.
قالت وزارة الداخلية الفرنسية إن قطعة تاسعة — تاج الامبراطورة يوجيني، زوجة نابليون الثالث — عُثر عليها بالقرب من المكان بعدما أسقطها اللصوص خلال فرارهم.
لطالما كان اللوفر قصرًا ملكيًا لأكثر من قرنين، وتحول إلى متحف عام عام 1793 في خضم الثورة الفرنسية. لقد جعلت الثورة من رموز التاريخ الملكي أهدافًا معرضة للنهب، وكان المتحف، إلى جانب منح الناس العاديين فرصة الاطلاع على هذه الكنوز، يسعى لحماية الإرث الثقافي للأجيال القادمة.
لكن هذا لم يمنع اللصوص؛ على مر الزمن وقعت محاولات عديدة لسرقة قطع ثمينة من اللوفر، وبعضها نجح.
1911 — سرقة الموناليزا
في 21 أغسطس 1911 سُرقت لوحة “الموناليزا” لليوناردو دا فينشي في ما وُصف حينها بـ«عملية القرن». آنذاك كانت الموناليزا واحدة من أعمال دا فينشي الأقل شهرة، وقد عُرضت منذ 1797. يرى كثيرون اليوم أن السرقة نفسها هي التي منحت اللوحة شهرتها المعاصرة. كانت اللوحة معروضة على جدار في غرفة تُدعى «صالون كارّي».
نفّذ العملية فينتشنزو بيروجيا، مهاجر إيطالي عمره 29 عامًا كان قد عمل لفترة قصيرة في اللوفر. دخل المتحف في مساء 20 أغسطس بزيّ موظفيه القديم دون أن يثير الشكوك، واختبأ طوال الليل في خزانة أدوات. صباح اليوم التالي، حين كان المتحف مقفلاً وخالياً إلى حد بعيد، خرج من الخزانة، نزع اللوحة من جدارها ولفّها بقطعة قماش بيضاء. وعندما وجّه إلى باب السلم الذي يؤدي إلى الفناء فوجدَه مقفلاً؛ لكن سباكًا في المتحف ظنه زميلاً وساعده على فتح الباب.
كان مستوى الحماية آنذاك أقل صرامة، وغالبًا ما تُنقل اللوحات للصيانة أو للتصوير، لذا لم ينتبه أحد لغياب لوحة دا فينشي طوال أكثر من يوم. ورفع قلق الغياب فنان زائر جاء إلى صالون كارّي للّوح؛ وعندما لم يجد الحراس اللوحة أُخطرَت الشرطة فاندلعت حملة بحث واسع النطاق وتغطية إعلامية مكثفة.
لم تسفر التحريات الأولية عن كثير من الدلائل. اعتُقل الشاعر الطليعي غيوم أبولينير واستُجوب بسبب صلته بسرقات سابقة من اللوفر، ثم أشار إلى صديقه الشاب بابلو بيكاسو الذي استُجوب بدوره. أُبرئ بيكاسو لاحقًا من تهمة سرقة الموناليزا، لكن الكشف المفاجئ أن لديه رؤوس تماثيل أيبيرية كانت قد سُرقت من المتحف دفعه إلى إعادتها للّوفر لتلافي مزيد من المتاعب.
توالت الشائعات عن تهريب العمل إلى الخارج، بينما كانت الحقيقة أن الموناليزا بقيت طوال الوقت في شقة بيروجيا المكونة من غرفة نوم واحدة في باريس. استعيدت اللوحة أخيرًا عام 1913 عندما حاول بيروجيا بيعها إلى معرض في إيطاليا؛ اعتقد أن الصفقة نجحت، وسافر حاملًا اللوحة معه، لكن المعرض بدّل القصد وأبلغ السلطات فاعتُقل في غرفته بفنيسيا — ثم نُقِل إلى فلورنسا حيث جرى توقيفه.
أُعيدت الموناليزا إلى اللوفر عام 1914 ووجّهت إليه تهمة السرقة؛ ادعى أنه دفعه شعور وطني لأن اللوحة نُهبت من إيطاليا، رغم أن دا فينشي أتم اللوحة في فرنسا وبيعت للعائلة المالكة الفرنسية.
1940s — محاولة النازيين لنهب اللوفر
في 1940، ومع الغزو النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، بدا أن المتحف معرض للنهب. كإجراء استباقي أمر جاك جوجار، مدير المتاحف الوطنية الفرنسية، بنقل أكثر من 1800 صندوق تحتوي على روائع اللوفر، بينها الموناليزا، إلى الريف الفرنسي. أنقذ هذا القرار المتحف من خسارة ثقافية جسيمة عندما دخل النازيون متحفًا خاليًا إلى حد كبير.
مع ذلك نهب النازيون خلال احتلالهم لفرنسا العديد من الأعمال الفنية المملوكة لليهود؛ عادت كثير منها إلى أصحابها لاحقًا، وشرع اللوفر في عرض بعض هذه القطع منذ 2018 سعياً لإعادة ربط الأعمال المسروقة بأصحابها الشرعيين.
1960s–1990s — سرقات أخرى
في 1966 سُرقت خمس قطع من المجوهرات اليدوية العتيقة من مطار جون إف. كينيدي في نيويورك خلال نقلها عائدة إلى باريس بعد أن أعارتها إدارة اللوفر لعرض في ريتشموند بفيرجينيا؛ عُثر لاحقًا على الحلي في كيس من البقالة واعتُقل ثلاثة رجال بتهمة استلام مسروقات.
وفي 1990 قُطعت لوحة لبير أوجوست رينوار بعنوان «بورتريه امرأة جالسة» من إطارها وسُرقت من الطابق الثالث للّوفر. في الوقت نفسه اكتشف المتحف أن بعض المجوهرات الصغيرة كانت مفقودة وربما منذ وقت طويل. كما أعرب مدير المتاحف الفرنسي آنذاك عن اعتقاده أن اختفاء هذه الأشياء، وهي غالبًا لا تُعتبر ذات قيمة سوقية عالية وتظهر في الأسواق، يعود إلى فترة قديمة. غير واضح ما إذا كانت هذه القطع قد جرى استردادها.
ما المختلف هذه المره؟
تتميز سرقة المجوهرات هذا الأسبوع عن السرقات البارزة السابقة في متحف اللوفر، التي كانت في الغالب تستهدف اللوحات الفنية. قال المؤرخ الفني امريكي نواه تشارني لقناة الجزيرة إن «سرقة مجوهرات تُعدّ حالة مختلفة جداً من ناحية الاعتبار، بسبب القيمة الجوهرية المرتفعة للغرض المسروق». وأوضح أن اللوحات غالباً ما تحمل قيمة غير جوهرية، إذ تُمنح قيمتها بسبب أهميتها الثقافية.
وأضاف تشارني أن «اللوحة عادةً لا تتمتع بقيمة جوهرية عالية لأنها مكوّنة في العادة من لوح وبيجمنت والقماش ولا أكثر. بينما المجوهرات تمتلك قيمة جوهرية مرتفعة؛ فلو فككت ما سُرِقَ وبيعت مكوّناته، لظلّ ثمنها كبيراً».
وأوضح أيضاً: «القيمة المتعلقة بالتراث الثقافي، وهي التي تشكل الجزء الأكبر من قيمة القطعة، ليست شيئاً يأخذ اللصوص في الحسبان على الأرجح».
هل يجعل هذا الجواهر المسروقة أصعب في التتبع؟
نعم. يمكن تفكيك مجموعات المجوهرات وإعادة قطعها وصقلها ثم بيعها بطريقة لا تربطها بالقطع المسروقة بحالتها الكاملة، ما يجعل تتبعها شبه مستحيل ومع ذلك ذات قيمة كبيرة.
وليس من الضروري أن تكون على السوق السوداء إذا جرى إعادة قص الأحجار بشكل ملحوظ بحيث تصبح غير قابلة للتحديد.
وقال تشارني: «الأمل الوحيد للشرطة، كما أظهرت قضايا سابقة، هو أن تعرض مكافأة لاسترداد جميع الجواهر بحالتها الكاملة أعلى من قيمة مكوّنات المجوهرات». قد يمنح هذا التحرك أجهزة الأمن مزيداً من الوقت لتعقّب القطع والقبض على المسؤولين بينما يفكّر اللصوص في خطوتهم التالية.
وإلا، يخشى تشارني، أنه لا أمل كبير في استعادة هذه القطع، ومن المرجح أن تُقصّ خلال ساعات قليلة من وقوع السرقة.