بواسطة آدم أنتوس
أجرى آدم أنتوس أكثر من ثلاثمائة مقابلة على مدار أكثر من عام مع مسؤولين حكوميين وعسكريين وأمنيين في أوكرانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وإستونيا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا وتركيا.
30 ديسمبر 2025
قطار مخصص للشحن غادر مستودع الجيش الأميركي في غرب ألمانيا متجهاً إلى بولندا ومن ثم إلى الحدود الأوكرانية — آخر ثمانمئة ميل في سلسلة إمداد عابرة للأطلسي كانت تغذي أوكرانيا لأكثر من ثلاث سنوات من الحرب. في ذلك اليوم الأخير من يونيو كانت الحمولة ذخائر مدفعية عيار 155 مليمتر: 18 ألف قذيفة محشوة في صناديق، مع فصل المفجرات لتفادي الانفجار أثناء النقل. وجهتها النهائية كانت الجبهة الشرقية حيث حشد جنرالات فلاديمير ف. بوتين قوات ونيرانهم ضد مدينة بوكروفسك. المعركة كانت من أجل الأرض والهيمنة الاستراتيجية، لكنها كانت أيضاً محاولة لرفع المعنويات وإثبات التفوق — أراد بوتين أن يظهر للرئيس الأميركي دونالد ج. ترامب أن روسيا تنتصر.
في أثناء ذلك، أخبر الروس مستشاري ترامب بخطة حربهم: «سنضربهم هناك أقوى. لدينا الذخائر التي تمكننا من ذلك». وفي واشنطن تحدث وزير الدفاع بيت هيغسث أيضاً عن الذخائر أمام لجنة مخصصة في مجلس الشيوخ، مؤكداً أن الإمدادات المخصصة لأوكرانيا من إدارة بايدن «ما زالت تتدفق». لكن قبل ثلاثة أشهر، وبشكل غير معلن، قرر هيغسث حجب فئة حاسمة من الذخائر — قذائف 155 الأميركية الصنع. مستودعات الجيش كانت تنهار مخزونها، حذّر مستشاروه؛ وقرار الحجز كان وسيلة لإجبار الأوروبيين على التضامن وتحمل مزيد من المسؤولية عن الحرب في جوارهم.
يوماً بعد يوم بقيت آلاف القذائف على منصات في مستودع الذخائر. قائد القوات الأميركية في أوروبا، الجنرال كريستوفر ج. كافولي، أرسل بريدًا تلو الآخر يطلب الإفراج عنها. وانكسر هذا الجمود بعد تدخل جاك كين، الجنرال المتقاعد ومحلل فوكس نيوز المقرّب من الرئيس. لكن في 2 يوليو، بينما كان القطار يقترب من الحدود الأوكرانية، ورد أمر جديد إلى القيادة الأوروبية للجيش الأميركي: «حوّلوا كل شيء. فوراً.» لم يفسر أحد سبب إيقاف القذائف مرة أخرى. في النهاية بقيت في ساحة سكة حديد قرب كراكوف عشرة أيام فقط، لكن بالنسبة لضباط أميركيين كرسوا ثلاث سنوات ونصف لتدعيم القضية الأوكرانية، بدت الرحلة المقطوعة لتلك القذائف نموذجاً مكثفاً لدور أميركا الجديد، المتقلب والمُآكل في الحرب.
«لقد حدث هذا مرات لا تُحصى حتى فقدتُ عدّها»، قال مسؤول أميركي رفيع. «هذا يقتلهم حرفياً. موت بألف قطعة».
المدى الذي وصل إليه التعاون الغامض
كانت إدارة بايدن قد زوّدت أوكرانيا بمنظومة أسلحة متنامية التعقيد إضافةً إلى شراكة سرية في الاستخبارات والتخطيط والتقنيات مع الحلفاء الأوروبيين والأوكرانيين، كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تحقيق سابق. الخطر الذي كان على المحك لم يكن سيادة أوكرانيا فقط بل مصير النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض انهارت هذه الشراكة تدريجياً.
العناوين كانت مألوفة: إذلال زيلينسكي في المكتب البيضاوي على الهواء، القمة مع بوتين في ألاسكا، ثم جولة دبلوماسية غاضبة أدت إلى لقاء مار-أ-لاغو مع زيلينسكي في محادثات مكثفة وغير حاسمة. القصة التي ترويها المادة هنا مبنية على أكثر من ثلاثمئة مقابلة مع مسؤولين في الأمن القومي والجيش والاستخبارات ودبلوماسيين طلب معظمهم عدم الكشف خوفاً من رد فعل إدارة ترامب.
سياسة سريعة التشكّل ورقيقة أمام التأثير
لم يكن لدى ترامب التزام أيديولوجي ثابت؛ تصريحه في قضية ما غالباً ما كان يتشكل بحسب آخر من تحدث إليه، أو مقدار الاحترام الذي شعر أنه ناله من زعماء أجنبيين، أو ما يراه على قناة فوكس نيوز. السياسة كان تُصاغ في صدام معسكرات متناحرة داخل الإدارة: فريق وظيفي سعى للحفاظ على دعم أوكرانيا، وآخر يقوده نوّاب مشككون في أوكرانيا — منهم ج. د. فانس — يحشد لإعادة توجيه الموارد نحو التهديد الأكبر وفق رؤيتهم: الصين، مع التركيز أيضاً على تهديدات الشرق الأوسط.
في هذا المناخ من التوترات، مُنح هيغسث وحلفاؤه صلاحية واسعة لتقرير تدفق المساعدات. وفي مرات عدة، عندما تسببت قراراتهم في ضجة إعلامية أو احتجاج داخلي — كما حصل مع الثمانية عشر ألف قذيفة — تدخل معلقون مؤيدون لأوكرانيا على فوكس وأقنعوا الرئيس بتعديل القرار.
في الوقت نفسه كان البيت الأبيض ساحة لتجارب دبلوماسية غير تقليدية: قنوات خلفية يقودها مقربون من ترامب — ستيف ويتكوف، كوشنر، كيريل دميترييف — حاولت فتح حوار مع الروس في غياب غطاء رسمي كامل، وأحياناً بتنسيق جزئي مع مسؤولين أميركيين حكوميين.
الانتقال
مع قرب انتهاء ولاية بايدن، طلب مستشار الأمن القومي المنتخب مايكل والتز خطاب إذن من بايدن للسعي إلى فتح قنوات مع الروس باسم الانتقال. رفض بايدن إرسال خطاب رسمي إذ رآه بمثابة تبرير لما قد يفعله فريق ترامب لاحقاً من مفاوضات قد تضر بأوكرانيا. لذلك تقرر عدم منح الموافقة الصريحة، ومع ذلك مضى بعض المبعوثين المقربين من ترامب في مبادراتهم الخاصة.
الدور البارز لكيث كيلّوج، المبعوث الخاص
كيث كيلّوج، الجنرال المتقاعد والمقرب من ترامب، سعى لشغل منصب مبعوث خاص لأوكرانيا وروسيا، وحصل على التسمية. كان راسخاً في رؤية تقليدية من زمن الحرب الباردة: دعم أوكرانيا عسكرياً بما يعيق طموحات روسيا لكن دون دفع الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة. مع ذلك أثار تعيينه معارضة داخل معسكر المشككين في أوكرانيا، واعتُبره من قبل البعض رمادياً بقاعدة تفكير الحرب الباردة.
الأيام الأولى لإدارة ترامب
في الأيام الأولى من الإدارة الجديدة واجهت سياسات أوكرانيا صراع توجهات. هيغسث، الذي أصبح وزير دفاع، كان محط نزعِ لتأثيرات مختلفة، من بينها صديقه اليمينيين وسياسيين من تيار «أميركا أولاً». اقتُرح توقف تسليم بعض الذخائر المتفق عليها سابقاً، خصوصاً قذائف 155 الأميركية، بذريعة أن مخزون الجيش الأميركي منخفض وأن أوروبا يجب أن تتحمّل ومشاركة أوسع. تباينت التصريحات داخل الاجتماع في المكتب البيضاوي — ترامب أعلن أمام الحاضرين أكثر من مرة أنه يملك زمام المبادرة «روسيا لي، ليست لكم» — ما أعطى بريقاً تصاعدياً للقنوات الخلفية والمبعوثين المفضلين.
حذف «التحويل» وإثبات السلطة
أمر هيغسث في أحد الأيام بإيقاف عمليات الشحن لبعض الإمدادات عبر قاعدة وايزبادن، فألغيت رحلات شحن من الولايات المتحدة وسبب ذلك توتراً كبيراً لدى الأوكرانيين وشركائهم الأوروبيين. اتصالات سريعة دارت بين كيلّوج، والتز، وبريان كيلميد، وبعض وجوه فوكس، لينتهي الأمر بعودة الشحن بعد ستة أيام، لكن الحدث رسّخ مخاوف الأوكرانيين من أن الدعم الأميركي قد يصبح أداة تفاوض سياسية.
«كونوا صادقين فقط معي»
اللقاءات الشخصية مع مسؤولين أوكرانيين تكررت، وكان الطلب المركزي بسيطاً ومؤلماً: «كونوا صادقين فقط معي». وزير الدفاع الأوكراني وأشباهه تكرّروا في الطلب ذاته: هل ستستمر الولايات المتحدة في تزويد الذخائر التي وعد بها بايدن؟ كل يوم تأخُّر يعني مزيداً من القتلى على الجبهة.
المسألة التكتيكية: مخطط «إشارة المرور» ووقف قذائف 155
في داخل البنتاغون رُسم مخطط توقف/استمرار الإمداد بناءً على تقييم مخزون الذخائر العالمية: أخضر/أصفر/أحمر. هيغسث تمكن من توجيه قرار بإيقاف تسليم الفئة «الحمراء» — ومن ضمنها قذائف 155 الأميركية — جزئياً لفرض ضغط على أوروبا. النتيجة كانت تراكم الإمدادات في ألمانيا لمدة أشهر، ورسائل الاستغاثة من القادة الميدانيين ومن القائد كافولي الذي اعتبر أن التأخير «بداية النهاية» إذا استمر.
ساحة القتال: بوكروفسك وخطورة التقنين
على الأرض كانت مدينة بوكروفسك تقف كبؤرة صراع استراتيجية؛ الروس ركزوا هجومهم عليها، والأوكرانيون دافعوا عنها بموارد محدودة. قادة أوكرانيون رددوا أن انخفاض عدد القذائف يؤدي حتماً لزيادة الخسائر وأن «قِلة القذائف تعني مزيداً من الضحايا».
حملة استخباراتية وسرية: تمكين ضربات الطائرات المسيرة
في ظل التقييد الظاهر للإمدادات، وُجدت أدوات بديلة: وكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأميركي، بتسليط الضوء وبموافقة الرئيس، دعمت حملة أوكرانية مركزة بالطائرات المسيرة على البنية التحتية النفطية واللوجستية الروسية. هذه الضربات استهدفت نقاط ضعف تقنية في المصافي وخطوط التزويد التي يصعب إصلاحها بسرعة، ما ألحق خسائر اقتصادية حقيقية وخلق ضغطاً على الاقتصاد الروسي. هذه العمليات السريّة أعطت واشنطن نفوذاً من دون إعلان رسمي واسع.
المشاورات الدولية ومحاولات صفقة سريعة
في كواليس الدبلوماسية صنع فريقان أمريكيان مقترحات سلام؛ بعضها تضمن تنازلات أوكرانية كبيرة — تقاسم إيرادات المعادن، وقبول «واقعي» بحكم روسي على أجزاء من الأرض — في مقابل ضمانات أمنية أميركية. مقترحات خَرَجت بين يدين أعضاء الخِبرة الاقتصادية وصقور السياسة الخارجية، وأثارت انقساماً داخل الإدارة الأوسع.
قنوات خلفية: ويتكوف ودميترييف
ستيف ويتكوف وكيريل دميترييف لعبا دور القناة الخلفية، التقيا وناقشا مسودات سلام وُضعت أحياناً خارج أجهزة الدولة الرسمية. جارٍ التفاوض على نقاط حساسة: وضع شبه اعتراف بـ«السيادة الفعلية» الروسية على أجزاء من دونباس وكريميا، مقابل ضمانات أمنية أميركية ودولية. وثائق تضمنت أيضاً سقوفاً للقوات الأوكرانية والاعتراف «الواقعي» ببعض المكاسب الروسية.
اللقاءات الرئاسية والعرض العام
جرت قمم ولقاءات، منها ألاسكا وأنشوراج ومار-أ-لاغو، شهدت لحظات إنسانية مفاجئة تُقلّب الموقف — لقاءات هاتفية، محادثات مباشرة، وقصص إنسانية — لكنها لم تغيّر الوقائع الميدانية أو الأهداف المتناقضة: روسيا تطالب بثمن إقليمي كبير، والولايات المتحدة في بعض مراحل سياستها تريد صفقة سريعة على حساب أوكرانيا، وفي مراحل أخرى تعمل سراً لعرقلة تقدم روسي أكبر.
النتائج الجزئية: تنازلات مقترحة ومعارضة داخلية
بعض الاقتراحات قدّمت تنازلات مثل قبول وضع «دي-فاكتو» لقرم وبؤر في دونيتسك ولوهانسك، مقابل ضمانات أمنية لاحقة. هذه المقترحات قابلتها معارضة داخل الإدارة الأميركية ومن حلفاء أوكرانيين الذين اعتبروا أن أي تنازل جوهري سيسمح لروسيا بتقوية موطئ قدمها الجيوسياسي ويقوّض مستقبل أوكرانيا.
خاتمة مؤقتة: استراتيجية متقلّبة وعواقب بشرية
على مدار الشهور التي وثقها هذا التحقيق، بدا أن السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا تُمزق بين رغبة في تسوية سريعة — قد تقبل تنازلات إقليمية — وبين جهود سرية لتمكين أوكرانيا من إضعاف آلة الحرب الروسية. في نهاية المطاف، حملت هذه السياسات المتذبذبة تكاليف بشرية كبيرة على الجنود والمدنيين الأوكرانيين، وأظهرت مدى هشاشة القرار السياسي حين يختلط بآليات الضغط الداخلية والخارجية.
المساهمون والاعتمادات
أجرى التقرير مئات المقابلات؛ شارك في البحث والتحرير عدد من الصحافيين والمنتجين والصور وخرائط المصدر.