من سائق أوبر في الولايات المتحدة إلى رجل يهاب الجهاديين في الصومال

بشرى محمد — بي بي سي وورلد سيرفيس

مهاد محمّد

أعيد مهاد محمّد إلى الصومال قبل خمسة أسابيع، وهو يحاول ببطء التكيّف مع حرارة وفوضى وتوتر العاصمة مقديشو بعد أن نُفّذ ترحيله من مدينة مينيابوليس الأميركية في وقتٍ كان فيه الشتاء يوشك على الحضور هناك.

يعرفه الكثير من الصوماليين بلقبه على وسائل التواصل «قاضيق» — كلمة تُترجم تقريبًا إلى «القاضي» — وهو الاسم الذي استخدمه على تطبيق تيك توك حيث جذب ما يقارب نصف مليون متابع أثناء إقامته في الخارج. احتفى له الجمهور بدفاعه عن مصالح عشيرته ضمن ساحة واسعة من محتوى «التسخيف» والشتائم الترفيهية على المنصة.

لكن حسابًا مرتبطًا بالبيت الأبيض وصفه بـ«المجرم الأجنبي الحقير»، وزعم في منشورٍ أكتوبر الماضي ضلوعه في اختطاف مسؤولين فرنسيين من فندق في مقديشو. نفى مهاد تلك الاتهامات قائلاً إنه لم يكن في المدينة وقت الحادث؛ لم يُدان، وتم إسقاط القضية بعد تحقيق أجراه مكتب التحقيقات الفدرالي الذي برّأه في المسألة الجنائية.

يقول مهاد إن توقيفه تم بعدما سرب منافس له على تيك توك عنوانه للسلطات. بحسبه، أخبره عملاء الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) أن هناك قضيتين ضده: دخول البلاد بصورة غير قانونية، والاتهام باختطاف مسؤول فرنسي. أُعيد التحقيق في ادعاء الاختطاف إلى مكتب التحقيقات الذي استجوبه ثم قرّر براءته، لكن ذلك لم يمنع ترحيله لاحقًا.

مسيرة مهاد إلى الولايات المتحدة بدأت قبل أكثر من عقد؛ غادر الصومال إلى جنوب أفريقيا حيث أقام حتى 2021، لكنه تعرّض هناك لهجوم عنصري مسلّح. بعد ذلك توجه إلى البرازيل ثم سعى شمالًا حتى عبَر الحدود المكسيكية إلى الولايات المتحدة بلا مستندات. عند محاولته القفز فوق السياج منشق إلى الأراضي الأميركية، اعتُقل واحتُجز لمدة شهر، ثم أُفرج عنه لاحقًا بتصريح عمل لأن ملف لجوئه كان لا يزال قيد المعالجة.

يقرأ  ترامب يعلن إنهاء كافة محادثات التجارة مع كندا احتجاجًا على إعلان يتعلق بريغان

استقر في مينيابوليس، واشتغل سائقًا لدى خدمة أوبر، واكتسب مهنة ثانوية على تيك توك التي وفّرت له دخلًا ثابتًا عبر الهدايا التي يرسلها المشاهدون خلال البثوص الحيّة. لكن نشاطه على المنصة كلفه تهديدات من جماعة الشباب الإسلامية المتطرفة في الصومال بسبب دفاعه عن الحكومة، وكانت تلك التهديدات جزءًا من ملف لجوئه.

يصف مهاد صباح اعتقاله في أوائل مايو بتفاصيل حية: بعد أن أنهى فطوره وذهب إلى سيارته معتقدًا أنه سيفتح يوم عمل جديدًا، فوجئ بقوات الهجرة تقول له: «ها هم جاءوا من أجلك». نقِل في رحلة قصيرة إلى مقر ICE الذي يخدم مينيابوليس ومدينة سانت بول التوأم، ثم نُقِل في رحلة برية مدتها ست ساعات إلى سجن مقاطعة كاندييوهي في ويلمَر بولاية مينيسوتا حيث أمضى ستة أشهر خلف القضبان.

يروي أن ثلاثة أشهر منها قضاها في انتظار قرار اللجوء، والثلاثة الباقية في انتظار الترحيل بعدما رفضت السلطات منحه الحماية القائلة إنه معرض للخطر في الصومال. تكررت محاولات نقله إلى أريزونا لعمليات الترحيل، لكن في كل مرة كان يخبر بأن الترتيبات اللوجستية ليست جاهزة. وفي إحدى تلك الرحلات وُضع ضمن مجموعة مكوّنة من 39 محتجزًا من جنسيات كينية وإثيوبية وإريترية في مساحة انتظار لركاب رحلات الترحيل.

عند تنفيذ ترحيله وُضِع في سترة تقييد محكمة وسافر على متن طائرة صغيرة مع سبعة مُرحّلين آخرين وحراس؛ مرّت الرحلة بكوستاريكا ثم السنغال فمطار نيروبي قبل أن تُزال عنه سترة التقييد ويقيَّد بالأصفاد على متن طائرة أخيرة إلى مقديشو. بعد ثلاثة أشهر من الانتظار، بدا مهاد وقد تقبّل مصيره ولم تُظهر عينيه الكثير من الانفعال عند عودته.

التقى بأطفاله الثلاثة بعد غياب عقدٍ من الزمن. «لا أبدّل هذه اللحظة بأي شيء… لم أرهم منذ عشر سنوات»، يقول مهاد. مع ذلك، يفضّل البقاء في الولايات المتحدة خوفًا على حياته بعدما وصلته رسائل تهديد بالقتل من جماعة الشباب، لذا يتوخى احتياطات أمنية إضافية ويعيش في منزل مُؤمَّن جيدًا لكنه امتنع عن كشف تفاصيل التهديدات أو نصوصها لأسبابٍ تتعلّق بالسلامة.

يقرأ  إسرائيل تستعد لإطلاق سراح الإرهابي المتورط في قتل اثنين من جنود الاحتياط في رام الله ومقتل مراهق

استُقبِل لدى عودته بحفاوة من أبناء عشيرته، ومن بعض الساسيين المحليين، لما اكتسبه من شهرة على تيك توك. وهو يدرك أن وجوده الرقمي قد يوفّر له فرصًا لا تُتاح لآخرين من الصوماليين الذين اُرحِلوا أو يواجهون خطر الترحيل من الولايات المتحدة.

في الولايات المتحدة، أعلن الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا عزمه إنهاء وضع الحماية المؤقتة الذي يقي المهاجرين من الترحيل أثناء عدم استقرار بلادهم، وزاد لهجة خطابه هذا الشهر عندما قال إنه لا يريد المهاجرين الصوماليين في بلاده، وأضاف أنهم «يجب أن يعودوا إلى حيث أتوّا»، واصفًا بلادهم بأنها «غير صالحة لأسبابٍ ما».

لا تملك الصومال حكومة مركزية تسيطر على كامل البلاد منذ الإطاحة بالرئيس سياد بري عام 1991؛ عاش الناس سنوات من الفوضى وانعدام الأمن، ولا تزال الجماعات المسلّحة تهيمن على أجزاء واسعة من البلاد وتشن هجمات متفرقة حتى في العاصمة. تصريحات الرئيس أعقبت تحقيقات في برنامج مساعدات اجتماعية في ولاية مينيسوتا اتُّهم فيه بعض الأشخاص بالاحتيال على الدولة عبر تقارير مزيفة عن وجبات للأطفال خلال جائحة كوفيد-19، وتورّط فيها بعض المهاجرين الصوماليين بحسب الادعاء الفدرالي.

انتشرت على وسائل التواصل مقاطع تبدو فيها عناصر الهجرة تطرق أبواب مَيَدنَات في مينيابوليس وسانت بول، بما في ذلك منطقة تعرف باسم «مقديشو الصغيرة»، فأطلقت تحذيرات وقلقًا في أوساط الجالية الصومالية التي تُقدَّر بحوالى 80 ألف نسمة في المدينة.

تحدثت بي بي سي أيضًا مع خمسة شباب صوماليين يقضون أيامهم الآن محاصرين في بيت صديق صغير، يتنقلون بحذر داخل غرف ليست ملكهم، بعدما غادروا شققهم المُستأجرة على عجل لأن عقود الإيجار كانت بأسمائهم وخشية أن تتبّعهم ICE إلى العنوان. اضطروا لأن يلتقطوا ما استطاعوا وحملوه معهم في الليل على أمل أن يوفر لهم تغيير الموقع بعض الأمان. اليوم، حياتهم مؤجّلة: تُفَقدهم نوبات عمل، وتُقَطع وجباتهم أو تُقتَصّ، ويصف أحدهم كيف انهارت أحوالهم بسرعة: «نوشك أن نفقد الطعام. لم نذهب إلى العمل منذ خمسة أيام لأننا خائفون أن تكون ICE في انتظارنا. لا أدري ماذا سيحلّ بنا».

يقرأ  الاتحاد المسيحي الديمقراطي يفوز في الانتخابات المحلية بولاية محورية — صعود قوي لحزب البديل من أجل ألمانيا

مهاد ليس الحالة الوحيدة لمرحلين إلى الصومال مؤخرًا، رغم غياب أرقام رسمية. تحدثت البي بي سي أيضًا مع شاب آخر طلب إخفاء هويته يشعر بصعوبة إعادة بناء حياته في مقديشو. خرج من ريف الصومال هاربًا من جفافٍ طويل أفقره ودمّر سُبُل رزقه؛ وصل إلى الولايات المتحدة عبر الحدود المكسيكية بعد طريق شاق مرّ بالبرازيل، لكن اعتُقل بعد ذلك وقضى 18 شهرًا في الاحتجاز قبل أن يُعاد إلى الصومال.

يقول إنهم أرسلوه «للبداية من الصفر»: كل ما عمل لأجله تلاشى. أنفق نحو 20 ألف دولار ليصل إلى الولايات المتحدة، من ضمنها مبالغ اقترضها من الأهل والأصدقاء. ومنذ عودته، لا مال لديه ولا فرص عمل، ويقول: «لا أرى مستقبلاً هنا… لا يوجد عمل». يفكر الآن في الهجرة مرة أخرى: «لا أريد أن أبدأ حياة من جديد. أريد فقط أن أهاجر إلى أي بلد الآن».

المحتو يتناول واقعًا مُعقَّدًا بين أمن قومي وسياسات هجرة، وحياةٍ بشرية تتهدّدها قرارات سياسية تتقاطع مع مخاوف شخصية وأمنية واجتماعية.

أضف تعليق