من كاسحات الجليد إلى ملاعب الغولف صداقة مفاجِئة تجمع ترامب وزعيم فنلندا

لم تكن هناك حاجة إلى محادثات مجاملة لكسر الجليد بين هذين القائدين اللذين تحوّلَت صداقتهما إلى مفاجأة للعالم. ففي الحال، لم يكن الجليد المجازي هو المهم بل كسّاحـات جليد حقيقية — سفن هائلة تبلغ حمولتها 9,000 طن — التي ختمت صفقة بين دونالد ترامب ورئيس فنلندا ألكسندر ستوبّ، مؤكدة توطد العلاقات بينهما على الصعيدين التجاري والشخصي.

في لقاءهما بمكتب البيضاوي، بدا ترامب مبتسماً، يميل بجسمه قليلاً ويومئ موافقاً للرجل الذي صار، في نظر كثيرين، متحدثاً غير متوقع لأوروبا. فنلندا، رغم صغر حجمها السكاني، وجدت لدى ستوبّ آذاناً لدى الرئيسالرئيس الاميركي تفوق كثيرين.

على مدى ساعة كاملة تطرّقا إلى طيف واسع من الموضوعات، لكن جوهر المحادثة كان صفقة شراء 11 سفينة كاسحة جليد. هذه السفن تمثل تخصصاً فنلندياً بحرفة بناء يصعب تقليدها، تستخدمها البلاد لفتح الموانئ المحجوزة بالجليد في برد شمال أوروبا القارس، وقد راقت هذه التكنولوجيا لاهتمام ترامب منذ مدة.

اتُفق أن تُبنى أربع منها في الولايات المتحدة مستفيدة من الخبرة الفنلندية، وما وعد به ستوبّ «يعني استثمارات، يعني وظائف، يعني أملاً» — وهو ما رحّب به ترامب وقال إنه ضروري بالنظر إلى قرب فنلندا من روسيا وإلى ما وصفه بـ«الحرب السخيفة» في أوكرانيا.

لقد دفعت حرب أوكرانيا علاقة ستوبّ بترامب إلى واجهة العناوين الدولية أكثر من أي جانب آخر في العلاقة الثنائية بين البلدين. ويعتبر كثير من المراقبين ستوبّ من بين قادة الناتو الأكثر قدرة على توجيه ترامب نحو موقف أوروبا من روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين.

يقول جايسون موير، خبير العلاقات عبر الأطلسي في المجلس الأطلسي بواشنطن: «أرى نفوذ فنلندا المفاجئ في واشنطن نتيجة مباشرة للعلاقة الشخصية الوثيقة بين ستوبّ وترامب. براغماتية فنلندا ومعرفتها بروسيا، ودعمها الثابت لأوكرانيا، وتخصصها التكنولوجي في منظومة كسّاحـات الجليد، منح فنلندا دوراً أكبر من المتوقع — ودوراً مستحقاً بالتأكيد — في العلاقة عبر الأطلسي.»

يقرأ  من هي سوشيلا كاركي، رئيسة وزراء نيبال المؤقتة الجديدة البالغة 73 عاماً؟

عند النظرة الأولى، قد يبدوان مختلفين تمام الاختلاف. فبينما دخل ترامب عالم السياسة في عمر متقدم بعد مسيرة طويلة في العقارات، كانت بداية مسيرة ستوبّ أقرب إلى الأوساط الأكاديمية؛ عمل باحثاً في مكتب تمثيل فنلندا لدى الاتحاد الأوروبي ثم تنقّل بين مناصب مختلفة حتى أصبح نائباً في البرلمان الأوروبي عام 2004، ثم وزير خارجية، ثم رئيس وزراء، ثم — العام الماضي — رئيساً للدولة.

وصفته بعض وسائل الإعلام بأنه «همس ترامب»؛ وهو دور لم يغِب عن عواصم أوروبية أخرى. في تموز/يوليو شكره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لـ«مساعدته في بناء جسر تواصل» مع ترامب بينما كانت الحرب مشتعلة. وفي قمة بالبيت الأبيض جلست فنلندا بقرب زيلينسكي ومقابلة مباشرة لترامب إلى جانب قادة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا وممثلي المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي.

تتسم علاقة الرجلين بالدفء؛ يتبادلان الرسائل النصية والمكالمات المتكررة — أحياناً أسبوعياً، بحسب مصدرين مطلعين. ويقول ستوبّ إن مكالمة جرت ليلة ما قبل لقائهما في المكتب البيضاوي كشفت حيلة بسيطة: «البيت الأبيض اكتشف أنه إن فعلت الهاتف على وضع ‘لا تزعج’ ثم رنّت ثلاث مرات فإنه يسمح بالمرور»، وأضاف أنه تلقى مكالمة من ترامب الذي قال له إنه يريد كاسحات جليد جديدة.

وليس كل ما يجمعهما سياسات؛ فالثنائي يجمعهما شغف مشترك: الغولف. إنها هواية ترامب المفضلة، وسباق سبق أن مثّل فيه ستوبّ فنلندا ضمن فريقها الوطني. برنت نيلسن، أستاذ ستوبّ سابقاً في جامعة فورمان بجورجيا حيث درس ستوبّ بمنحة غولف أواخر ثمانينات وبدايات تسعينات القرن الماضي، يقول: «الغولف مهم حقاً. إنه لاعب جيد جداً جداً.»

برزت أهمية هذا الاهتمام المشترك في آذار/مارس حين ظهر ستوبّ فجأة في منتجع مار-آ-لاجو ليلعب مع ترامب والسناتور الجمهوري ليندسي غراهام واللاعب الجنوب أفريقي الشهير غاري بلاير. انبهر ترامب على الفور بقدرة الفنلندي، وكتب على منصة تروث سوشيال أنه «لاعب جيد جداً» وأنهما فازا معاً في بطولة أعضاء وضيوف.

يقرأ  التحول من التدريب الحضوري إلى التعلم الإلكترونيحلول سريعة مدعومة بالذكاء الاصطناعي

خلال ثمان عشرة حفرة على ملعب مشمس، تحادث الرجلان في مواضيع عدة من كسّاحـات الجليد إلى أوكرانيا. وذكر ستوبّ لاحقاً أن ذلك الوقت سمح لهما بالتعرّف إلى طباع بعضهما؛ «تتعلم عن شخصية الإنسان في الحفرة الأولى من ملعب الغولف، ترى إن كان متوتراً أو غير صبور أو مسلي أو مسترخياً. عليّ أن أقول إنه لم تكن هناك لحظات محرجة خلال تلك الجولة.»

خلال ساعاتٍ قليلة أخبر ترامب شبكة NBC أنه «مستاؤٌ للغاية» و«غاضب جدًا» من بوتين — وكانت تلك أقسى انتقاداته للزعيم الروسي حتى ذلك الحين من ولايته الثانية.

قال السيد نيلسن إن المحادثة بدا أنها أقنعت الرئييس بصورة واضحة.

«ألكس قضى سبع ساعات معه في عربة الجولف»، أضاف، «ولقد ترك ذلك أثرًا على ما كان يفكر فيه ترامب».

جاء اجتماع ترامب الأخير في المكتب البيضاوي مع ستوب بعد يوم واحد فقط من إعلانه عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.

قال ترامب في اللقاء: «لا أحد في التاريخ أنهى ثمانية حروب خلال تسعة أشهر، وأنا أوقفت ثمانية حروب».

وأضاف: «فعلت ذلك لأنني أنقذت الكثير من الأرواح، وهذا ما يزعجني بشدة بشأن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا».

جلس ستوب صامتًا أثناء حديثه، وبعد دقايق قليلة جرى إخراج الصحفيين من الغرفة.

لكن وراء الأبواب المغلقة وبعيدًا عن الكاميرات، قال ستوب إنه ومير أعمال ترامب ناقشا الحرب مرّة أخرى، وأن الفنلندي نقل رسائل من زيلينسكي، رغم أنه لم يكشف عن تفاصيل.

يبدو أن نقاشًا أكثر تفصيلاً حول أوكرانيا سيتعيّن تأجيله.

ولا وجود للجولف في هذه الزيارة.

أضف تعليق