برز محمد حمدان دقلو — المعروف باسم حميدتي — كأحد الفاعلين الأكثر تأثيراً على المسرح السياسي السوداني، حيث تحوّلت قواته شبه العسكرية، قوات الدعم السريع، إلى قوة تسيطر على نحو نصف البلاد. سيطرت هذه القوة أخيراً على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني وحلفائه المحليين في إقليم دارفور.
نشأ حميدتي في بيئة بدوية متواضعة ضمن قبيلة الرزيقات الناطقة بالعربية، وعائلته من فرع المحارية الذي يمتد بين تشاد ودارفور. ولِد في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ومثل كثيرين من أبناء الريف لم يُسجل ولادته رسمياً. في سن مبكرة ترك الدراسة وتاجر بالجمال عبر الصحراء إلى ليبيا ومصر، ما أكسبه معرفة عنفية بالمجال والطرق والبيئة الأمنية الهشة آنذاك.
في تسعينيات وبدايات القرن الحادي والعشرين، تحول مشهد دارفور إلى ساحات عنف دامٍ: ميليشيات عربية عرفت بالجنجويد — وبضمنها قوة يقودها عمّه جمعة دقلو — شَنّت هجمات على القرى الأصلية من قبائل الفور. تصاعدت المواجهات إلى تمرد عام 2003، ثم توسّع رد النظام في عهد عمر البشير بتعزيز الجنجويد لقيادة حرب مضادة، ما أفضى إلى فضائح دولية بسبب حوادث الحرق والنهب والاغتصاب والقتل. تقارير بعثة الاتحاد الإفريقي وثيقة أخرى أميركية خلصت إلى أن بعض أعمال العنف هذه ترقى إلى مستوى إبادة جماعية. وحدة حميدتي تورطت في عمليات مروعة؛ تقرير قوات حفظ السلام أشار إلى هجوم على قرية أدوا عام 2004 أدى إلى مقتل عشرات المدنيين، من بينهم أطفال.
بينما كانت الملاحقات القانونية تستهدف كبار قادة الجنجويد، لم تكن مكانة حميدتي آنذاك كافية لتجذب بصر المدّعين الدوليين. لكنه استثمر الظروف المحلية، فببراعة أهلتْه لنقلة نوعية: تحوّل من قائد ميليشيا إلى زعيم قوة شبه نظامية مبنّاة قانونياً في 2013 باسم قوات الدعم السريع، وأسس لِشبكة شركات عائلية هيمنت على تجارة الذهب في السودان. من خلال تحالفات وعقود خاصة — أبرزها مع الإمارات والسعودية لإرسال مرتزقة إلى اليمن — أضحى ممولاً ومجهّزاً ومجنّداً لشبان مقابل مبالغ مغرية، ما وسّع قاعدته البشرية والاقتصادية بسرعة.
على الصعيد الدولي نافش حميدتي شراكات مع جهات عسكرية وتجارية، من ضمنها علاقة تشغيلية مع مجموعة فاغنر الروسية في مجالات تدريب وتبادل تجاري، خاصة في الذهب. كما استفاد من دعم لوجستي وعسكري سُلّم عبر قواعد إقليمية قريبة، الأمر الذي زوّده بطائرات مسيّرة متطوّرة ومعدات أحدث، ومكّن قواته من شن ضربات جوية واستهداف موانئ ومراكز استراتيجية، كما ظهر في معركة الفاشر والاشتباكات حول بورتسودان.
في أبريل 2019 استغل حميدتي تراجع شعبية البشير وحالة الغضب الشعبي فبدا لحظةً بطلاً متحمساً للتغيير حين شارك في الإطاحة بالرئيس، لكن سرعان ما تبدّلت الصورة. بعدما انقلبت العلاقة بينه وبين شريك السلطة البارز، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، اندلعت مواجهة مسلحة مفتوحة في 2023. توالت بعدها عمليات عنف مروّعة في الخرطوم ودارفور، مع تقارير عن مجازر ضد مدنيين، وعمليات اغتصاب وتعذيب وإلقاء جثث في نهر النيل وفق منظمات حقوقية متعددة. الأمم المتحدة والولايات المتحدة وصفتا بعض الأحداث بأنها ترقى إلى جرائم حرب، وهناك من ذهب إلى اتهام بالإبادة بحق جماعات بعينها؛ والـRSF نفَت تلك الادعاءات.
ترافقت الحرب مع نهب واسع ونقل ممتلكات طائلة إلى أسواق تُعرف شعبياً باسم «أسواق دقلو»، امتدت تجارة المسروقات منها إلى تشاد ودول مجاورة. وتداولت وسائل التواصل ومقاطع الفيديو مشاهد تعذيب وقتل بثّها قادة الميليشيات كدليل على الإفلات من العقاب ولزرع الخوف.
سياسياً، سعى حميدتي لبناء تحالفات موازية، ضمّت حركات مسلحة سابقة وقطاعات مدنية منحازة، وأعلن نفسه رئيساً لما سمّاه «حكومة السلام والوحدة» المواجهة للحكومة أو لمؤسسة الدولة التقليدية. مع احتلال الفاشر صار نفوذ قواته يمتد على معظم الأراضي المأهولة غرب نهر النيل، ما منحها ورقة تفاوض واقعية على الأرض.
تتضارب التوقعات حيال طموحاته المستقبلية: يراه البعض مؤسساً لدولة انفصالية في الغرب، ويخال البعض الآخر أنه يطمح للحكم المركزي للسودان، أو لأن يصبح الرجل القوي خلف ستار سياسي ـ اقتصادي يضم شركات وجيشاً مرتزقاً وحزباً سياسياً، ليحكم من وراء الكواليس حتى لو لم يكن مقبولاً كوجه عام للدولة. وما زال، على ما يبدو، مقتنعاً بقدرته على الإفلات من المحاسبة في محيط دولي متردّد وغير موحّد.
ان التقارير والتحقيقات المستمرة، وتوثيق منظمات حقوق الإنسان والصحافة الاستقصائية، ترسم مشهداً معقّداً من تحالفات سياسية ـ عسكرية ـ اقتصادية يجعل من فهم مصير السودان أمراً بالغ التعقيد، في وقت لا تزال معاناة المدنيين تتفاقم وتؤدي إلى نزوح الملايين وخراب واسع النطاق.
أليكس دي وال هو المدير التنفيذي لمؤسسة عالم السلام في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس.