من يقف وراء التنظيم البريطاني المصنف كمنظمة معادية لإسرائيل؟

خلف الخطوط: في السابق كانت العنف السياسي اليساري المتطرف في المملكة المتحدة نادراً إلى حد كبير ومقترناً بطيف ضيق من الهلوسات، لكن نواة حركة «فلسطين أكشن» المحظورة تدعمها خلفية اجتماعية أوسع بكثير.

نُظّمت نهاية الأسبوع الماضي تظاهرة في ساحة ترافرالغار بوسط لندن من قبل مؤيدي الشبكة البريطانية الممنوعة «فلسطين أكشن». شارك نحو ألف شخص في التجمع، واعتقل شرطيون 490 مشاركاً حملوا لافتات تدعم المجموعة غير القانونية. كنت في لندن لبضعة أيام، فتوخيت النزول لرؤية ما يحدث بنفسي.

جرت التظاهرة بعد يومين من الهجوم الإرهابي على كنيسة هيتون بارك في مانشستر في يوم الغفران (يوم كيبور)، الذي أودى بحياة شخصين. طُلِب من منظمي التجمع التفكير في تأجيل فعاليتهم احتراماً لمصابَي الجالية اليهودية، لكنهم رفضوا ذلك.

مع ذلك، حرص المنظمون في ساحة ترافالغار على تذكير الحضور بين الحين والآخر بأن اليوم كان من المفترض أن يتضمن عنصراً للتأمّل، وأنهم يفضّلون عدم ترديد الهتافات بصوت عالٍ. لم يثن ذلك المشاركين كثيراً، فالهتافات الصاخبة مثل «من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة» وشعارات أخرى تدعو إلى إلغاء وجود إسرائيل رافقت الفاعليات باستمرار.

من المفيد التوقّف لحظة لتبيان ماهية «فلسطين أكشن» ولماذا أدرجت على القوائم المحظورة. نشأت الحركة في منتصف 2020 وهدفها، وفق بيانها، اللجوء إلى «تكتيكات تعطيل» ضد «مصانع الأسلحة العاملة على الأراضي البريطانية والمتواطئة في ما تسميه الإبادة الجماعية في غزة، وكذلك في قمع الشعب الفلسطيني على المدى الطويل».

أبرز عملياتها الأولى كانت اقتحام مقر شركة إلبت سيستمس في لندن، حيث طُليت مكاتب الشركة بالرشّ، تكتيك صار لاحقاً سمة مميزة للحركة.

ظهور «فلسطين أكشن» كان علامة مبكرة على شيء يتكوّن في الفضاء حيث يلتقي اليسار الغربي المتطرف بالإسلام السياسي. ومن داخل هذا الطيف برز نمط جديد بات واضحاً الآن: في موجة الإرهاب الإسلامي قبل ربع قرن تقريباً كان العنف مصدره دوائر إسلامية بامتياز، مع أنصار يساريين غربيين يعملون كمشجّعين ومسهّلين أحياناً. اليوم الوضع مختلف؛ اليسار الغربي الأبيض المتطرف أصبح يولّد عنفاً خاصاً به يتقاطع مع عنف حلفائه الإسلاميين.

يقرأ  رئيس وزراء قطر يأمل أن يحوّل «الزخم» الحالي إلى وقف لحرب إسرائيل على غزة — وحماس تواصل مداولاتها

العمل الذي أدّى إلى حظر «فلسطين أكشن» وقع في 23 يونيو 2025. في ذلك اليوم دخل خمسة نشطاء تابعين للحركة إلى قاعدة برايز نورثون التابعة لسلاح الجو الملكي، إحدى القواعد الأساسية للطيران البريطاني. تنطلق من برايز نورثون طائرات متجهة إلى قاعدة أكرُوتيري في قبرص، التي تُستخدم في عمليات بريطانية في الشرق الأوسط.

استهدف النشطاء عدة طائرات مقاتلة وحاولوا تدميرها؛ فُرِشَت طلاءات حمراء داخل توربين إحدى الطائرات ما ألحق بها أضراراً لا يمكن إصلاحها. قُدرت خسائر وزارة الدفاع البريطانية بما يقارب 40 مليون دولار.

في بيان أصدرته الحركة آنذاك، قالت إن «بريطانيا تواصل إرسال شحنات عسكرية، وطائرات تجسس فوق غزة، وتزود طائرات أميركية/إسرائيلية بالوقود. من خلال إخراج طائرتين من الخدمة كسرنا سلاسل القمع». ما حدث في برايز نورثون من حيث الشكل والنوايا كان فعلاً عسكرياً—محاولة التدخّل فعلياً في نزاع قائم إلى جانب طرف من الأطراف (في هذه الحالة حماس)، وهو ما أقرّ به منظمو العملية، وبالتالي لم يكن حظر الحركة أمراً مفاجئاً.

ومع ذلك، فإن ما أعقب ذلك لافت للنظر. سابقاً كان العنف السياسي اليساري في المملكة المتحدة شيئاً هامشياً ومحصوراً في جماعات قليلة، أما الآن فثمة صلب متشدد لحركة «فلسطين أكشن» يحيطه فضاء أوسع من المؤيدين النشطين والمترددين على حد سواء، وظهر ذلك جلياً في ساحة ترافالغار يوم السبت الماضي.

فمن تجمع هناك؟ ممَّ يتألف هذا الحزام المحيط بنواة «فلسطين أكشن» العنيفة؟

كان الحشد في الجزء الأول من النهار أغلبه من البريطانيين البيض، ويمكن تمييزه كمجموعة متوسطة الطبقة ومتعلمة، مع تفوّق نسبي لكبار السن، وإن وُجدت وجوه شابة أيضاً. ومع انقضاء النهار وابتعاد كثيرين، ظهر عدد أكبر من الإسلاميين، كانوا أصغر سناً ويبدون أقل ميلاً للاصغاء إلى طلبات المنظمين المتكررة والمتزنة بالامتناع عن الخطب والهتافات.

يقرأ  سفير ألمانيا لدى روسيا: الكرملين يمتلك «مفتاح السلام»

لا يخفى أن الإسلاميين الذين حضروا شملوا ممثلين عن مجموعات شيعية موالية لإيران وعن عناصر سنية وسلفية، ولم تُخفِ الخلافات بينها نفسها.

الآلية الأساسية خلال المساء كانت جلوس النشطاء مع لافتاتهم الداعمة لحركة «فلسطين أكشن»، ثم يأتي الضباط لاعتقال هذا أو ذاك. في معظم الحالات يتخلّون عن المقاومة، ويستلقي المعتقل المتوخّى على الأرض ليُحمل إلى حظيرة تُستكمل فيها إجراءات الاعتقال. تصاحب عمليات القبض تصفيقات من الزملاء النشطاء.

أحياناً خرج المشهد عن هذا السيناريو الروتيني: في مناسبة، مقاوم بلكنة غلاسغوية عريضة ومرتدياً قميصاً يظهر نجمة داوود وبداخلها صليب معقوف حاول المقاومة بصوت عال فجرى اقتياده بعيداً من قبل الشرطة.

سمعت في التجمع مواقف متضاربة وسخيفة أحياناً، تكشف عن التحالف المتشنّج بين يسار علماني متطرف وتطرف إسلامي محافظ. بعض لقطات مما دار حولي:

مجموعة من نساء الكواكِر المسنّات غنّين أداءً مرتدّاً طويلاً، وبالقرب منهن يكشف رِجلٌ من الملتحين لافتة كتب عليها «ثبّتوا في الحقائق، شاهدوا لله – القرآن 4:35».

«اقرأ القرآن يا أخي من بدايته إلى نهايته ثم عد لتتحدّث» — نصيحة من ناشط إسلامي لشاب يساري.

«ويشيرون بكل هذه الأكاذيب عن أطفال مقطوعي الرؤوس. وكأن أحداً يصدّق ذلك» — قالت ذلك شابة يسارية بيضاء لصديقتها.

«محور المقاومة من صنعاء إلى الضاحية، محور مقاومة ضد العنصرية» — قال شاب ذو ملامح جنوب آسيوية واقفاً قرب راية تحمل وجه آية الله علي خامنئي.

«أنت هنا وواقف جنب هالصورة» — قال رجل مسن من أصول شرق أوسطية مشيراً إلى صورة خامنئي: «هذه صورة قاتل».

شاب مُقنع أبيض بملابس سود كتب لصديقته: «وهم يجيبون أشجاراً أوروبية لا تتناسب مع المشهد، ترتفع كأنها ورق. والأشكناز ليسوا من هناك جينياً».

يقرأ  القوات النيجيرية: غارات جوية تقتل أكثر من ثلاثين مسلحًا متطرفًا

هكذا استمرّ الخطاب: لائحة متعبة من اتهامات اليسار المتطرف والإسلامي لإسرائيل واليهود ترددت مراراً، تُقاطعها هتافات مفاجئة «من النهر إلى البحر» بعد 48 ساعة من مقتل يهوديين على ما يبدو على يد جماعات أيديولوجية ودينية قريبة من الحضور. لا أثر واضحاً لأي لحظة تأمّل.

وأخيراً، كان هناك بعض اليهود القلائل. رجل يحمل لافتة يعرّف نفسه بأنه ابن ناجٍ من المحرقة قال لمقابل: «كير ستارمر يظن أنه يعرف ما هو معاداة السامية. لكنه لا يعرف. أنا ابن ناجٍ من المحرقة وقد أكون أعلم بشيء عن معاداة السامية».

نظرت من ذلك الرجل إلى مجموعة النشطاء المحيطة بصورة خامنئي ولافتة «اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان» الذين كانوا يعلنون ولاءهم لمحور «المقاومة». تذكرت قول حسن نصرالله الراحل عن اليهود: «لو بحثنا في العالم عن أجبن وأدنى وأضعف مَن نفساً وعقلاً وإيديولوجية وديناً لما وجدنا أحداً مثل اليهودي. ولا أقول الإسرائيلي». وقريبة يهودية قالت بصراحة: «يمكننا أن نكون يهوداً في أي مكان بالعالم. لا نحتاج إلى دولة يهودية». ربما ستدركين أنك تحتاجين إليها، خطر ببالي.

واستمرّ المسلمون المحتفلون بهتافاتهم في كل مكان حول الساحة.

أضف تعليق